الأربعاء، 2 أغسطس 2017

- رأي ربيع المدخلي في الأناشيد والرد عليه

- رأي ربيع المدخلي في الأناشيد والرد عليه 
________________________________
يرى الشيخ ربيع تحريم استعمال التمثيل والأناشيد في البرامج الدعوية التي يمارسها الشباب، وينكرها أشد الإنكار، فيقول: (لكن الرقص والتمثيل والأناشيد هذه يقولون أنها وسائل دعوة، فهل كان الصحابة يرقصون ويمثلون؟ هذه الوسائل فاسدة، لنقل باطله وما تجوز) اهـ([195]). 
قلت: أما الرقص فلا أدري لأي غرض ذكره؟ وهل يقصد لمز شباب ودعاة الصحوة بأنهم يرون مشروعية الرقص في البرامج الدعوية؟ فهذا لا يقول به أحد من طلبة العلم فيما أعلم! ويتنـزه شباب الصحوة المستقيمون المهتدون عن القول به فضلا عن فعله وممارسته.
وأما الأناشيد الإسلامية الحماسية، الخالية من المعازف، كالتي تحث على النشاط والعمل والجهاد، فنعم، فقد كان الصحابة ينشدون الأشعار الطيبة، ويرتجزون بها على صفة جماعية، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس ، أن النبي وأصحابه رضي الله عنهم كانوا ينقلون الصخر عند بناء المسجد، وهم يرتجزون ورسول الله معهم وهم يقولون:
اللهم لا خير إلا خير الآخره فانصر الأنصار والمهاجره ([196])
وعن أنس قال: كان رسول الله في بعض أسفاره، وغلام أسود يقال له أنجشة يحدو، فقال له رسول الله : (يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير) متفق عليه واللفظ لمسلم ([197]).
فللأناشيد الإسلامية أصل يدل على جوازها، وإذا كان الشيخ مصرا على القطع بأن الأناشيد باطلة ولا تجوز مطلقا، فهذا رأيه واجتهاده، وليس له أن يلزم الناس بما ذهب إليه، ولا أن ينكر عليهم إذا خالفوه، فضلا عن أن يذمهم أو يبدعهم.
وإذا كانت المخالفة في مسألة الأناشيد تقتضي الإنكار على من خالف فيها أو ذمه، فهو به أولى، لأنه حرم ما دل الدليل على جوازه، وخالف ما أفتى به كبار العلماء الذين نصبهم ولاة الأمر للفتوى:
فقد سئل مفتى المملكة العربية السعودية الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله في الجامع الكبير بالرياض هذا السؤال:
اختلفت أقوال العلماء في هذا البلد في حكم استماع الأناشيد الإسلامية، فمنهم من يقول بمنعها وعدم استماعها لأنها تشبه السماع الصوفي، ومنهم من يقول بجواز استماعها وأنه لا بأس بذلك، فما وجه الحق والصواب في هذه المسألة لأنها انتشرت عند الشباب المستقيم الصالح المهتدي، وكذلك التمثيليات والمسرحيات الإسلامية هل هي جائزة أم لا؟ نرجو إفادتنا والتفضل بالحكم مع بيان الأدلة وجزاكم الله خيرا.
فأجاب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواب طويل مفصل، جاء فيه قوله:
(الأناشيد الإسلامية مثل الأشعار، إن كانت سليمة فهي سليمة، وإن كانت فيها منكر فهي [منكر]([198])... فالشعر فيه الطيب والخبيث،... وهكذا الأناشيد، إذا كان الأناشيد فيها الدعوة إلى الخير، والتشجيع على الخير، والالتزام بالإسلام، وحماية الأوطان من شر الأعداء، ونحو ذلك، فلا بأس بها، وإن كانت أناشيد فيها دعوة إلى الباطل، أو تحبيذ الباطل، أو تحبيذ الأخلاق الرذيلة، منعت مثل بقية الشعر الممنوع، فالحاصل أن البت فيها مطلقا ليس بسديد، ينظر فيها فالأناشيد السليمة لا بأس بها، والأناشيد التي فيها منكر، أو دعوة إلى منكر منكرة...) اهـ ([199]).
وقال في حكم التمثيل: (أما التمثيل فالذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، تمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبو جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها، كلها فيما نعلم، وفيما نفتي به أنها من الكذب) اهـ ([200]).
وقال في حكم المسرحيات:
(المسرحيات إن كان مجرد اجتماع على أشعار، أو على كلمات أدبية، أو على مقابلات بين شخص وآخر، هذا يقول كذا، وهذا يقول كذا، فإن كان ما يقولونه طيبا فهو طيب، وإن كان ما يقولونه رديء فهو رديء، فالمسرحيات مجملة، لا نعرف ما تحتها، فإن كان المقصود بالمسرحيات التمثيل، فالتمثيل مثل ما تقدم: كذب، فإن كانت المسرحيات أنهم جماعة، هذا يقول كلمة، وهذا يقول كلمة، أو هذا يقول أبيات، وهذا يقول أبيات، أو هذا يدعو إلى كذا، وهذا يدعوا إلى كذا، يتعاونون، هذا له حكمه، إن كان ما يفعلونه فيما يرضي الله، وفيما أباح الله فلا بأس، فإن كان فيما يسخط الله فهي منكر ومحرم) اهـ ([201]).
قلت: ينبغي ملاحظة تفريق الشيخ في فتواه بين التمثيل والمسرحيات، فالتمثيل أن ينتحل الممثل شخصا بعينه ويتكلم بلسانه، وهذا حرام لأنه كذب، وربما نسب إليه ما لم يقل، كما بين الشيخ رحمه الله، أما المسرحيات الهادفة التي لا يكون فيها انتحال أشخاص معينين، وإنما يكون فيها حوار مفيد في أمور مباحة، ولا يكون فيها منكر، فلا بأس بها.
أما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -وهو من أعضاء هيئة كبار العلماء بالمملكة- فقد أفتى بأن الأناشيد الإسلامية جائزة إذا خلت من الدفوف، والأصوات الجميلة الفاتنة، ولم تكن على صفة الأغاني الهابطة المحرمة، ولا ديدنا لسامعها ([202]) .
ولم يزل طلبة العلم والدعاة والقضاة والعلماء -وعلى رأسهم الشيخان عبد العزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين -رحمهما الله- يحضرون احتفالات شباب الصحوة في المدارس والمعاهد والجامعات والمراكز الصيفية، ولا يجد الشباب منهم إلا التأييد والتشجيع والدعاء الصالح، ولذا لم يلتفت أولئك الشباب الصالحون إلى رأي من خالفهما!
وإذا كان قد توسع بعض الشباب في هذا الباب توسعا غير مرضي فيجب مناصحتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والإنكار عليهم باعتدال، ولا يجوز أن يحكم عليهم بحكم الشيخ ربيع لما فيه من الغلو الظاهر.

______________________________

([195]) شريط: (المخيم الربيعي بالكويت - الجلسة الثانية).
([196]) البخاري 428، مسلم 524.
([197]) البخاري 6149، مسلم 3232.
([198]) كلمة غير واضحة، ولعلها كما أثبتنا، ومراد الشيخ رحمه الله واضح.
([199]) شريط: أسئلة وأجوبة الجامع الكبير بالرياض رقم 5.
([200]) شريط: أسئلة وأجوبة الجامع الكبير بالرياض رقم 5.
([201]) شريط: أسئلة وأجوبة الجامع الكبير بالرياض رقم 5.
([202]) انظر: اللقاء الشهري س 246، والصحوة الإسلامية ص 132