الخميس، 6 يوليو 2017

بيان ضعف حديث المعازف لعلة جديدة بخلاف علل ابن حزم والرد على دلالته ..!

بسم الله الرحمن الرحيم ..
وقل ربي زدني علما ..

حديث المعازف الشهير
ما رواه البخاري في صحيحه، حيث قال: وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، والله ما كذبني، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف))

ونجد أن الحديث متصل ولكنهم أغفلوا العلة الأهم وهي عطية بن قيسحيث ان ابن حزم وغيره اعلوه بالانقطاع وهى علة ضعيفة اما العلة الحقيقية لهذا الحديث هى جهالة عطية بن قيس او ضعفه واول من انتبه لهذه العلة هو الشيخ حسان عبد المنان من جيل الالبانى رحمهم الله

وعطية بن قيس رحمه الله من قراء الجند المعروف بصلاحه لكن الكلام هنا عن ضبطه الحديث وليس عن عدالته وصدقه فمعلوم ان درجة الثقة تحتاج كلا من (العدالة والضبط) وتثبت النقاط التالية أنه علة الحديث فبجوار تردده في الحديث الذي هو قرينة واضحة على ضعف ضبطه:

-  لا يوجد توثيق معتبر لعطية إبن قيس:
سنذكر كل ماجاء فى ترجمة عطية بن قيس ونبين هل هو على ماذكر ثقة ام ضعيف طبقا لقواعد علم الحديث

قال عنه أبوحاتم الرازي : صالح الحديث   
وقال ابن سعد: كان معروفا وله أحاديث
وإبن حبان: ذكره في الثقات
وقال البزار: لا بأس به
وقال إبن حزم: مجهول
وروى له البخارى حديث المعازف فى صحيحه معلقا
وقال ابن حجر مقبول

وهذا كله يقول أن حديث عطية ضعيف لايحتج به وسنوضح كلام الأئمة- كلام أبوحاتم الرازيقال الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله (ت 277 هـ ) عن عطية بن قيس : (صالح الحديث)
أما عن المقصود بمقولة أبي حاتم الرازي، فقد أفصح ابنه عنه، وبيَّنَ مُراده من قوله "صالح الحديث". ولا أدل ولا أفصح من تفسير صاحب المصطلح لما اصطلح عليه.‏ حيث قال في كتابه النافع "الجرح والتعديل" (2|37)(إذا قيل للواحد إنه: ثقة أو متقن ثبت: فهو ممن يحتج بحديثه.
 وإذا قيل له انه:صدوق أو محله الصدق" أو "لا بأس به": فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلةالثانية.
وإذا قيل: شيخ فهو بالمنزلة الثالثة: يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية.
وإذا قيل: صالح الحديث: فإنه يكتب حديثه للاعتبار.) إنتهى


 قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (3|112) تعليقاً على هذا النص:

(فهذا نص منه على أن كلمة  (صالح الحديث) مثل قولهم (لين الحديث) يكتب حديثه للاعتبار و الشواهد. و معنى ذلك أنهلا يحتج به. فهذه العبارة من ألفاظ التجريح، لا التعديل عند أبي حاتم، خلافاً لما يدل عليه كلام السيوطي في التدريب (233)».إنتهى


وأبو حاتم من أئمة هذا الفن وعرف عنه انه متشدد لايتساهل في التوثيق لذا فقد قيل من وثقه ابو حاتم فأعضض عليه بالنواجذ , ولكن غير كلام أبو حاتم – وهو جرح وليس تعديلا كما بيننا-  لا يوجد اي توثيق معتبر لعطية بن قيس.-
كلام إبن حبان عطية بن قيس ذكره ابن حبان في "الثقات" كعادته في توثيق المجاهيل وهذا معروف مشهور عن ابن حبان فهو يوثق من لايعرف من التابعين.


وقد عنون عبدالله رمضان موسى في كتابه (الرد على القرضاوي والجديع) ص170 مايلي:

(القاعدة السابعة : بيان عدم صحة الإعتماد على مجرد ذكر اسم الراوي في كتاب (الثقات لإبن حبان, إلا إذا صرح إبن حبان بما يدل على معرفته بضبط الراوي) إنتهى
قال الالباني رحمه الله (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (2/ رقم 633/ ص218-219):

(العجلي معروف بالتساهل في التوثيق ، كابن حبان تماماً ، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم)

قال العلامة عبدالرحمن المعلمي رحمه الله في (التنكيل)(1/66)

( و العجلي قريب منه- أي ابن حبان- في توثيق المجاهيل من القدماء).

وقال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في كتابه (المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح)( رقم 32/37-38)

(الذي يوثقه أحدهما أو كلاهما – ابن حبان والعجلي -  فقد لا يكون بمنزلة صدوق، ويصلحُ في الشواهد والمتابعات، وإن كان العجلي يعتبر أرفعُ في هذا الشأن، فهما متقاربان).إنتهى


- كلام البزار 


وقال البزار عن عطية بن قيس في "كشف الأستار" (1|106): (لا بأس به) .
 والبزار كابن حبان متساهل يوثق المجاهيل، كما ذكر السخاوي في "فتح المغيث". بل إن كلمة (لا بأس به) تنزله عن درجةالثقة حتى عند البزار وهو متساهل!.
قال مقبل الوادعي في (المقترح): (أما البزار فقد عرف تساهله). وقال فيه (ص104): (ثم إنه قد عرف تساهل البزار في التوثيق، وكذا في التصحيح).

وقال عنه الألباني (كما في سؤالات أبي الحسن): (متساهل في توثيقه).

وقد اثبت الدكتور الروسي ان قول البزار لاباس به تعتبر تجريح فى اصطلاح البزار يقول الروسي
من المصطلحات الحديثية في مراتب الرواة قول (ليس به بأس) أو (لا بأس به)

وهي تدل في العموم على توثيق الراوي وأنه صدوق (حسن الحديث)

ولكن إستخدام الإمام البزار - رحمه الله- لهذا المصطلح يبدو أن له دلالة أخرى

قال الشيخ أبو إسحق الحويني تعليقا على قول البزار في أحد الرواة - وهو البراء بن يزيد الغنوي- لابأس به:

«قلت -الحويني- : بل البراء يزيد الغنوي ضعيف ، ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم ، وقال ابن حبان :
«« كان هذا الغنوي كثير الاختلاط ، كثير الوهم فيما يرويه »» . فقول البزار : «« ليس به بأس »» فيه نوع تساهل ، كما عرف عنه رحمه الله ونبهت عليه في غير موضع . على أن الحافظ نقل عن البزار أنه قال : «« ليس بالقوي وقد احتمل حديثه »» ، وفي هذا النقل فائدة تبين لنا أن من قال فيه البزار : «« ليس به بأس »» يعمل به في الشواهد والمتابعات »إنتهى (النافلة في النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة / 113).

وقد راجعت -الروسي- مسند البزار فوجدت مايؤيد كلام الشيخ الحويني:

ففي مسند البزار\21 تجده يقول عن زياد الجصاص: ( وزياد رجل بصري وليس به بأس ليس بالحافظ).إنتهى

وقال أيضا في مسنده \760 : (عطاء بن مسلم لم يكن به بأس ولم يكن حافظا)إنتهى

وقال عنه في موضع آخر من مسنده/3626 (وعطاء بن مسلم ليس به بأس ولم يتابع عليه) إنتهى

وقال عن قزعة بن سويد الباهلي/3477
(وقزعة رجل من أهل البصرة ليس به بأس ,لم يكن بالقوي , وحدث عنه أهل العلم واحتملوا حديثه) إنتهى

ومن باب ((الإستئناس)) تتبعت من قال فيهم البزار في مسنده (لابأس به) أو (ليس به بأس) وما قد يترجح من حالهم فوجدت أكثر من نصفهم بل أغلبهم من الضعفاء ومن لايحتمل تفرده!

فعشرة (10) من المجاهيل
و تسعة وعشرون (29) راويا من الضعفاء
وإثنين (2) متروكي الحديث
وإثنين (2) منكري الحديث
وخمسة عشر (15) صدوق كثير الخطأ أو يهم
بينما يوجد فقط أربعة عشر (14) صدوق حسن الحديث
وعشرة (10) من الثقات
من بين إثنين وثمانين (82) راويا وقفت عليهم.

مما يؤيد ماذهب إليه الشيخ الحويني من أن مراد البزار من قول (لابأس به /ليس به بأس) أي حين يتابع فيعمل به في الشواهد والمتابعات

والله أعلم
- كلام إبن سعد

قال ابن سعد عن عطية بن قيس : (وكان معروفاً، وله حديث) وليس في هذا اي توثيق لضبطه فنعم هو معروف بذاته ومعروف بصلاحه ولكن لاشيء عن ضبطه بل إن هذا الإبهام في التوثيق يثير التساؤل.

قول ابن حجر مقبول
ولكن قد قيل أن ابن حجر وثق عطية بن قيس في التقريب ص393 فقال : (ثقة مقريء) والواقع أن إبن حجر رحمه الله فهم أن أبو حاتم قواه – أوربما لم ينتبه - فوثقه بناء على ذلك حيث قال في فتح الباري:

(هو شامي تابعي قواه أبو حاتم وغيره) إنتهى

وهذا عكس او خلاف مراد ابوحاتم كما سبق تفصيله وهذا توضيح مهم جدا لأن كثيرا من الناس يقول عند الكلام على عطية بن قيس (ت 121 هـ ) : قد وثقه إين حجر (ت 852 هـ)

 وقد اعتمد رحمه الله على تفسير غير صحيح لمراد أبي حاتم , فإن قيل قد قال (ابو حاتم وغيره) فقد ذكرناهم وهم ابن حبان والبزار وابن سعد وليس في أي منهم توثيق معتبر.

  بل إن توثيق إبن حجر لعطية بن قيس لا يتفق حتى مع قواعد إبن حجر نفسه فلو إتبعنا قواعده في (تقريب التهذيب) لكان حكم عطية إبن قيس هو (مقبول) وهذه امثله للتوضيح:
- في ترجمة إبراهيم بن مرزوق الثقفي مولى الحجاج
قال أبو حاتم : شيخ يكتب حديثه (وهي درجة أعلى من صالح الحديث التي قيلت في عطية)
وذكره ابن حبان في الثقات .
ومع ذلك قال عنه الحافظ في التقريب (248) : مقبول .

- في ترجمة إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي
قال أبو حاتم : شيخ (وهي درجة أعلى من صالح الحديث التي قيلت في عطية)
وذكره ابن حبان في الثقات
وقال أبو داود : ثقة
وقال ابن قانع: ثقة.
ومع ذلك قال عنه الحافظ في التقريب (414) : مقبول

 - في ترجمة إبراهيم بن مهدي المصيصي
قال أبو حاتم عنه ثقة ( وهي درجة الدرجة الأولى)
 وذكره ابن حبان في الثقات .
وقال إبن قانع  عنه ثقة
قال يحيى بن معين ما اراه يكذب ومره جاء بالمناكير.
ومع ذلك قال عنه في التقريب (256) : مقبول
والمقبول عند ابن حجر كما عرفه في كتابه (تقريب التهذيب) هو (من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ (مقبول) حيث يتابع، وإلا فلين الحديث)إنتهى

أي يكون حديث المقبول ضعيفا ويتحسن بالمتابعة, ولكن لايحتج به إذا تفرد.
فتبين مماسبق ان ابن حجر قالها عن خطاء منه فى فهم مقولة ابى حاتم كما لايعتد بتوثيق المتاخرين كابن حجر والذهبى الا لو وافق احد معتبر من السلف لانهم لايدرسون روايات الراوى بانفسهم بل يرجعون لكلام السلف
ابن حجر متاخر كلامه ليس عن اندماجه مع عصور التدوين الاولي (المتقدمين) انما بناء عن قراءته لكلام ابوحاتم وابن حبان في الراوي فابن حجر فهم من كلام ابو حاتم صالح الحديث انه يقوي عطية لان هناك رواة كثيرون فعلا وثقهم ابو حاتم بهذه الكلمة ولكن يعكر عليه ان الاصل في المصطلح هو مافسره صاحبه

قول ابن جزم مجهول
أخيرا قال إبن حزم في المحلى عن عطية ابن قيس (مجهول)
وفي هذا رد قاطع على من قال أن إبن حزم زل بإعلاله الحديث بالإنقطاع وأنه لو وصل الحديث إلى هشام لصححه , وهذا كلام غير صائب فهاهو إبن حزم يقول بعلة أخرى قادحة في الحديث وهي جهالة عطية بن قيس ولكنه إكتفى بالإنقطاع إختصارا.

رواية البخارى له معلقا هل تعد توثيق من البخارى له
عطية بن قيس ليس من رجال البخاري وقد أوضح عدد من الأئمة أنه إنما جاء إستشهادا وليس إحتجاجاولوصح أن البخاري إحتج به هذا فهو يعتبر توثيقا ضمنيا لعطية إبن قيس فكما قال أبو الحسن المقدسي:

 (كل من روى عنه البخاري في صحيحه فقد جاز القنطرة).إنتهى

ولكن كما اوضحنا فالمعلقات الغيرموصولة في موضع آخر ليست من موضوع الكتاب وقد عقد ابن حجر في (النكت على ابن الصلاح) مقارنة بين موطأ مالك وصحيح البخاريّ مِن حيث الأحاديث غير المتصلة الإسناد فقال:(والفرق بين ما فيه من المقطوع والمنقطع – الموطأ - وبين ما في البخاريّ مِن ذلك واضحٌ لأن الذي في الموطأ مِن ذلك هو مسموعٌ لمالك كذلك فيالغالب، وهو حجّةٌ عنده وعند مَن تبعه. والذي في البخاريّ مِن ذلك قد حذف البخاريّ أسانيدها عمداً ليخرجها عن موضوع الكتاب، وإنما يسوقها في تراجم الأبواب تنبيها وإستشهادا وإستئناسا وتفسيرا لبعض الآيات. وكأنه أراد أن يكون كتابه كتاباً جامعاً لأبواب الفقه وغير ذلك مِن المعاني التي قصد جمعه فيها). اهـوبجوار رأيإبن حجر والإسماعيلي أنها للإستشهاد وليس للإحتجاج فقد أسلفنا كذلك رأي إبن القطان في أن هذه المعلقات ليست على شرط الصحيح ورأي الذهبي في إنقطاع حديث المعازف وتضعيف إبن حزم وتضعيفالمهلب لحديث المعازف مما يعني أنهم يرون المعلقات ليست داخلة في الصحيح ولو تتبعنا عطية إبن قيس تحديدا عند محدث الشام المزي (ت 654هـ) في تهذيب الكمال لوجدناه قد رمز لعطية بن قيس برمز التعليق(خت) أي البخاري في التعاليق وقال: (إستشهد له البخاري بحديث واحد) إنتهى
وهو نص صريح في أن البخاري لم يحتج بحديث عطية وإنما إستشهد له بحديث واحد فقط.وكل من سبق ذكرهم هم كبار أئمة الحديث.


ولبيان ان معلقات البخارى لاتدخل فى اصل صحيحه يرجى زيارة هذا الرابط فقد جعلت لها موضوع مستقل


وان ثبت ان المعلقات لاتدخل فى اصل الصحيح فلايكون عطية بن قيس ثقة عند البخارى ولامن رجاله 
كما ان
- تبويب البخاري يوضح أنه أورد الحديث إستشهادا وليس إحتجاجا فقد جاء  الحديث في باب (باب ما جاء فيمنيستحل الخمر و يسميه بغير اسمه).ففي التبويب جمع البخاري رحمه الله بين

حديث عطية بن قيس
وحديث مالك إبن أبي مريم

حيث أن مقطع (ويسميه بغير إسمه ) هو لفظ غير موجود في حديث عطية وإنما هو من حديث مالك إبن أبي مريم الذي أورده البخاري رحمه الله في كتاب التاريخ الكبير حيث قال في ج1/ص304:

(إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية عمن أخبره عن أبي مالك الأشعري أو أبي عامر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر والمعازف قاله لي سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا الجراح بن مليح الحمصي قال ثنا إبراهيم قال أبو عبد الله- البخاري-  وإنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري حديثه في الشاميين
حدثنا عبد لله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
 ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)انتهى.


وهذا الحديث أيضا ليس على شرط الصحيح فهو ضعيف ففيه حاتم بن حريث (مستور) ومالك بن ابي مريم (مجهول) ولكن الملاحظ فيه بوضوح عدم وجود لفظ (يستحلون المعازف) بل إن الوعيد هو على شرب الخمر وتسميته بغير اسمه، وليس بسبب المعازف التي هي مجرد وصف لحالهم يبين تمام إنشغالهم وغفلتهم كما جاء في حديث نهاية الزمان عن وصف (الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان).


والحديث ينعي علي أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور. فهم بين خمر ونساء، ولهو وغناء. قال ابن حزم في المحلى ج9\ص57: (ليس فيه أن الوعيد المذكور إنما هو على المعازف. كما أنه ليس على اتخاذ القينات. والظاهر أنه على استحلالهم الخمر بغير اسمها. والديانة لا تؤخذ بالظن). إنتهى

والخلاصة أن البخاري رحمه الله لم يحتج بالحديث وإنما إستشهد به فالحديث جاء من روايتين كلاهما لا يبلغ شرط البخاريولكن الجمع بين الروايتين يحسن ويقوي موضع الشاهد  وهو (المعنى المتكرر) فيهما ويؤكد ان لها أصلا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضع الشاهد هو (أن قوما في آخر الزمان أقاموا على الخمر وإستحلوها فعاقبهم الله وخسف بهم).فإستشهد البخاري في صحيحة برواية عطية في هذا الأمر أما لفظ (يستحلون المعازف) فهي شاذة عند عطية فقط ولا يحتمل تفرده.

الحديث عد البخاري في (باب الأشربة ) ولو كان لفظ (يستحلون المعازف) صحيحا عند البخاري لأخرجه في باب منفصل(باب المعازف) كعادته في تقطيع الأحاديث الصحيحة التي يحتج بها في ابواب مختلفة ليبوب للمعاني والفوائد المختلفة الموجودة في الحديث الواحد ولكنه لم يفعل رغم أن الموسيقى والمعازف مما عمت به البلوى وأمر موجود ومنتشر في كل عصر وزمانورغم أن هذا الحديث (لوصح) هو عمدة في بابه بل هو الحديث الرئيسي الذي يحتج به من يحرم المعازف...ولكنه لم يفعل بل ولو صح الحديث لأخرج الحديث تلميذه ورفيقه مسلم فالحديث معروف وموجود في البخاري ولكن مسلم لم يحتج به بل لم يورده أصلا , وقد بالغ الدارقطني في وصف إقتفاء مسلم أثر البخاري فقال:

( لولا البخاري لماذهب مسلم ولاجاء)

وقال ( وأي شيء عمل مسلم إنما أخذ كتاب البخاري فعمل عليه مستخرجا) وهذا الكلام رد قاطع على كل من يتقول على البخاري من أنه صحح الحديث بل وجزم بتحريم المعازف!!
وقد ذهب الألباني رحمه الله في كتابه تحريم آلات الطرب إلى تصحيح حديث مالك إبن أبي مريم فقال:
(وقول إبن القيم في موضعين من الإغاثة (1\347 و 361) " وهذا إسناد صحيح" وحسنه إبن تيمية كما سيأتي ..نعم ؛ الحديث صحيح)

وأضاف  (فلولا أن البخاري يرى أن مالك بن أبي مريم ثقة عنده لما قدم روايته على روايتي هشام وإبراهيم ، فلعل هذا هو الذي لاحظه ابن القيم رحمه الله ؛ حين قال في حديث مالك هذا: " إسناده صحيح " ، والله أعلم) إنتهى .
وتصحيح الالباني لحديث مالك بن أبي مريم , وتصحيح إبن القيم للحديث يجعل لا مفر من قول أن لفظ (يستحلون المعازف) في حديث عطية بن قيس هو لفظ شاذ أو منكر!!
لكن الأوضح أنه حديث ضعيف لم يبلغ شرط البخاري كما لم يبلغ حديث عطية شرط البخاري ولكن مجموع الحديثين يتحسن والذي يتحسن ويتقوى هو موضع الشاهد  وهو (المعنى المتكرر) فيهما وموضع الشاهد هو (أن قوما في آخر الزمان أقاموا على الخمر وإستحلوها فعاقبهم الله وخسف بهم).فإستشهد البخاري في صحيحة برواية عطية في هذا الأمر (ولم يحتج بها منفردة) أما لفظ (يستحلون المعازف) فهي شاذة عند عطية فقط ولا يحتمل تفرده فكيف إذا خالف!!!!!!!!!!وهذا جواب المطلب الثالث

إجابة المطلب الثالث إذا لم يكن حديث المعازف على شرط البخاري فلماذا أدخله في صحيحه وبوب له؟
والجواب إدخله مستشهدا به وليس محتجا به.


ولبيان عدم وجود اجماع على صحة كل مافى البخارى ومسلم يرجى زيارة هذا الرابط فقد جعلت لها موضوع مستقل


وان ثبت ان المعلقات لاتدخل فى اصل الصحيح فلايكون عطية بن قيس ثقة عند البخارى ولامن رجاله 
بعض الإعتراضات والجواب عنها:
الإعتراض الأول:  مسلم قد إحتج بعطية بن قيس في صحيحه
ويجاب عن هذا في الآتي
- كان هذا في المتابعات والشواهد ولم يحتج بعطية فهو لم ينفرد بأي حديث منها فقد أخرج له مسلم حديثين: الأول حديث #454 (باب أجر المفطر في السفر) وتابع عطية في نفس الباب ربيعة بن يزيد والثاني حديث #477 عن أبي سعيد الخدري، وقد توبع في الحديث التالي مباشرة #478 عن ابن عباس. فإن البخاري ومسلم يخرجان للمليّن حديثه ما علموا بالقرائن أنه ضبطه والقرينة هنا واضحة أنه وافق الثقات من طريق آخر بنفس المتن، فأخرج له مسلم متابعته.
-       مسلم أخرج لبعض الضعفاء في صحيحه مثل (اسباط بن نصر) و (قطن بن نسير) و(احمد بن عيسى المصري) طلبا لعلو الإسناد (إسناد أقصر وأقرب للنبي عليه الصلاة والسلام) مع كون الحديث ثابتا معروفا عند اهل الحديث من طريق الثقات (لكن من طرق اطول) وقد يفعل ذلك أيضا في المتابعات والشواهد.
ولذا قال إبن الصلاح
(وفيما ذكرته دليل على أن من حكم لشخص بمجرد راوية مسلم عنه في صحيحه بأنه من شرط الصحيح عن مسلم فقد غفل وأخطأ بل يتوقف ذلك على النظر في أنه كيف روى عنه على ما بيناه من انقسام ذلك) ص218
- لوكان عطية ثقة لأخرج له مسلم حديث المعازف كما فصلنا سابقا.


الإعتراض الثاني :عطية بن قيس حسن له الترمذي حديثا :

وهذا لايعتمد عليه فقد إشتملت الكتب الأخرى غير البخاري ومسلم على الضعيف والحسن لغيره والصحيح لغيره فهميصححون بمجموع الروايات , بل ولو تتبعنا أحاديث عطية بن قيس في جامع الترمذي تحديدا لوجدنا له حديثين فقط و لم ينفرد بأي منهما أيضا:
الأول حديث رقم 1684 عن أبي سعيد الخدري (باب ماجاء في الفطر عند القتال) توبع في الحديث رقم 712 عن ابي سعيد الخدري ايضا وفي الحديث 714 عن عمر بن الخطاب وأشار الترمذي لذلك في نهاية حديث عطية فقال حديث حسن صحيحوفي الباب عن عمر.الحديث الثاني رقم 2451 أيضا لم ينفرد به عطية حيث قال فيه الترمذي (حدثني ربيعة بن يزيد و عطية بن قيس) عن عطية السعدي.وهذا الحديث الأخير يوضح لماذا إعتقد البعض أن عطية بن قيس من الصحابةذلك أن بعض الرواة خلطه مع عطية السعدي رضي الله عنه.
كما جاء في كتاب صفوة التصوف (عن عطية بن قيس السعدي وكان له صحبة) وهو وهم من الراوي وخلط منه بين رجلين مختلفين (عطية بن قيس) و (عطية السعدي)كما هو واضح ولكن هذا الكلام يقودنا للإعتراض التالي.
قال ابن القيم في "الفروسية" (ص243) : «الترمذي يصحح أحاديث لم يتابعه غيره على تصحيحها. بل يصحح ما يضعفه غيره أو ينكره» ، ثم ضرب عدة أمثلة.
وأخرج الترمذي حديث: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حرما» . قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح» . لكن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه، وهو مجمع على ضعفه كما قال ابن عبد البر. وقال فيه الشافعي وأبو داود: هو ركن من أركان الكذب. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة. وضرب أحمد على حديثه. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال الدارقطني وغيره: متروك.
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (5\493) : «وأما الترمذي فروى من حديثه الصلح جائز بين المسلمين، وصححه. فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي

الإعتراض الثالث عطية من كبار التابعين وصالحيهم:

إن كان المقصود الطبقة، فإن ميناء الكذاب (مولى ابن مسعود) كان من كبار التابعين كذلك. وأما الصلاح فالصالحون غير العلماء يغلب على حديثهم الوهم والغلط، لذلك أخرج مسلم في مقدمة صحيحه أن يحيى بن سعيد قال: «لم نر الصالحين في شيءٍ أكْذَبَ منهم في الحديث». قال مسلم: «يعني أنه يَجْري الكذبُ على لسانهم، ولا يتعمدونه». قال النووي: «لكونهم ‏لا يعانون صناعة أهل الحديث، فيقع الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه. ويُروون الكذب، ولا يعلمون أنه كذب».
 الإعتراض الرابع :عطية حافظ للقرآن فكيف يخطيء في حفظ الحديث بل كانوا يصلحون مصاحفهم بقرائته
وهذا أمر معروف بداهة لأئمة الحديث والقراءات ومشهور مستفيض أن حفظ الحديث وضبطه فن وعلم مختلف عن ضبط القراءة فلا يستلزم من كون الإنسان ثقة في علم القراءات أن يكون ثقة في علم الحديث والعكس ، فالقراء قد تفرغوالحفظ القرآن وقراءاته وضبطه ولم يتفرغوا للحديث وضبطه ,والنقول في هذا كثيرة جدا ونكتفي ببعض مما قاله الإمام شمس الدين الذهبي وقدكان إمامًا في علمي الحديث والقراءات:
قال الذهبي في ترجمة أبي عمر الدوري: (وقول الدارقطني ضعيف, يريد في ضبط الآثار, أما في القراءات فثبت إمام, وكذلك جماعة من القراء أثبات في القراءة دون الحديث كنافع والكسائي وحفص فإنهم نهضوا بأعباء الحروف وحرروها, ولو يصنعوا ذلك في الحديث, كما أن طائفة من الحفاظ أتقنوا الحديث ولم يحكموا القراءة, وكذا شأن كل من برز في فنولم يعتن بما عداه) إنتهى


الإعتراض الخامس : قالوا ان  رواية البخارى جاءت من طريقين اخرين
نعم رواية البخارى جاءت من طريقين اخرين ولكن كلاهما ضعيف جدا لايصلح لتقوية رواية عطية بن قيس وهما كما يلى
الطريق الاول اخرجه البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ ذِي حِمَايَةَ  فقال البخارىإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ ذِي حِمَايَةَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَن أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ أَوْ أَبِي عَامِرٍ: سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي الْخَمْرِ وَالْمَعَازِفِ ) قَالَهُ لِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن قَالَ حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ ثنا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه وإنما يعرف هذا عَنْ أَبِي مالك الأشعري

وهذا اسناد ضعيف جدا واليك بيان ذلك
اولا الاسناد منقطع لقوله (عمن اخبره) ثم ان به الجراح بن مليح ذكره بن عدي في الضعفاء وقال فيه ابي حاتم صالح الحديث وهذا اللفظ عند ابى حاتم تجريح كما تقدم بيانه، كما ان فيه سليمان ابن عبد الرحمن وان اكان صدوقا الا ان العلماء اشترطوا في روايته ان يروي عن الثقات لانه كان يروى مناكير عن الضعفاء وهو هنا روى عن ضعيف وهو الجراح بن مليح كما تقدم بيان حاله .
فالاسناد فيه 3 علل الانقطاع وضعف الجراح بن مليح وضعف سليمان ابن عبد الرحمن لو روى عن ضعفاء

كما ان هذه الرواية هي اصلا من طريق عطية بن قيس , فإبراهيم بن عبد الحميد من طبقة عطية ومعاصر له وكلاهما حمصي وما يؤكد هذا التردد (أبي مالك أو أبي عامر) فمصدره عطية كما قال إبن حجروالتردد غير موجود من طريق مالك إبن أبي مريم في روايته عن إبن غنم مما يثبت أن التردد من عطية فلم يتبق غيره إلا إبن غنم و يستحيل أن يكون التردد منه فهو ثقة بل وروي أن له صحبة وقد روي عنه الحديث بغير تردد!!وكيف لايعرف الشخص الذي يحدثه؟!وكيف وهو الذي أقسم في بداية الحديث فقال (يمين حلفت عليها). فلا جدال أن هذه  ليست متابعة لعطية بل هي حديث عطية  رواه عنه راو آخر
والرواية  ليس فيها موضع الشاهد أصلا فليس فيها (يستحلون المعازف) فالمتن كاملا غير مذكور والدين لاتبنى أو تنشأ أحكامه بالظن

الطريق الثانى ولكن الحديث له اسناد اخر

فاخرجه بن ماجه وغيره من طرق عن معاوية بن صالح عن حاتم بن حريث عن مالك بن ابى مريم عن عبد الرحمن بن غنم عن ابى مالك الاشعرى قال:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ، وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ


وهذا الاسناد ايضا  ضعيف جدا واليك بيان ذلك
اولا فيه معاوية بن صالح وثقه بن معين وبن حنبل وقال عنه ابو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به ،ثانيا السند فيه حاتم بن حريث ضعقه ابن عدى وقد قال عنه ابو حاتم شيخ وهذا لفظ تجريح عند ابى حاتم  وذكره بن حبان في الثقات كما ان فى الاسناد  مالك بن ابي مريم لم يوثقه معتبر فهو مجهول
اذا فهذا الاسناد ايضا فيه 3 علل معاية بن صالح وخاتم بن حريث ومالك بن ابى مريم
فالنتيجة اذا ان رواية عطية بن قيس ليس لها متابعات او شواهد تتقوى بها

 كما يلاحظ ان مواضيع الاحاديث مختلفة فقد جعلت التحريم على المعازف مجتمعة بالخمر كما هو واضح من متنها فحتى لو صحت لاتصلح لتقوية حديث عطية لاختلاف الالفاظ



والخلاصة أن الحديث ضعيف ويتحسن بمتابعة مالك بن أبي مريم فيصبح حسنا لغيره والذي يتحسن هو موضع الشاهد أو المعنى المتكرر وهو عن قوم إستحلوا الخمر فعاقبهم الله وخسف بهم أما لفظة (يستحلون المعازف) فلا تصح فهي من عطية بن قيس وتفرده لايحتمل فكيف إذا خالف.
وفى النهاية اسئلة تفرض نفسها
1-        لماذا اصر البخاري ان يخرجه معلقاً (أي على عهدة الراوي) ولم يسنده بلفظ حدثنا كعادته, اذن لا يريد ان يتحمل مسؤوليته.
2-        اين خرجه البخاري؟ في كتاب الاشربة, باب الخمر يسمونها بغير اسمها.
وهذا المقطع من الحديث (أي ما له علاقة بالخمر) له شواهد ومتابعات ليست محل نقد عند المحدثين.
3-        لماذا لم يكرر البخاري الحديث في ابواب الفقه المناسبة له مع ان من عادته ان يفعل ذلك.
4-        لماذا لم يعقد لا البخاري ولا مسلم باباً في بيان تحريم آلات الطرب, مع ان القضية مهمة جداً، ومنتشرة (ويوجد احاديث) فلو صحت اما كان بالامكان ان يخرجوا ولو واحداً منها في باب خاص بتحريم آلات الطرب
6-        مدار الحديث على عطية بن قيس الكلابي ولم يوثقه توثيقاً صريحاً احد من العلماء قال ابن سعد: كان معروفاً وله احاديث وقال ابو حاتم: صالح الحديث (وذكر انه تضعيف).
.
هذه مجمل علل الحديث بايجاز شديد, والذين يحاولون تصحيح الحديث يغضون طرفاً عن كل هذه العلل محاولين الاحتجاج بأن البخاري خرجه في صحيحه مع ان قضية تخريج البخاري له لا تدل على شيء:
1- لأنه معلق (لم يعتمده البخاري) 2- خرجه فقط للاستدلال على تحريم
وعلى اية حال:.
نحن امام نص اعتورته المشكلات من كل جانب فهل يصلح ان نبني عليه حكماً، يكون سبباً في تفسيق وتحريم وتضليل على ان بعض المعاصرين ذهب الى القول ان المحرم هو الصورة المجتمعة (خمر مع مغنيات مع معازف) معتمداً على الرواية الاخيرة "يعزف على رؤوسهم بالمعازف..".
وسبق ذكرها واقول: 1- انها ضعيفة. 2- ان الخمر محرم لذاته وان ظهور المرأة مغنية لا يجوز لذاته..
فلا داعي لهذا التخريج والكلام هنا فقط عن المعازف والرواية الأصح عند ابي داود لم تذكر المعازف.
وما ذكرته هنا مختصر غاية الاختصار كنموذج لاحاديث تصحح وهي غير صحيحة، او فيها من العلل ما يجعلها محل نقد عند كثير من اهل العلم.
--------------------

الكلام على دلالة الحديث
(هل معنى الحديث لو صح يدل على تحاريم المعازف ؟)


كما بيننا بفضل الله فلفظة (يستحلون المعازف) هي لفظة شاذة أو منكرة لا تصح , ولكن فرضنا أو سلمنا جدلا بصحتها فهل يدل الحديث على تحريم المعازف ا؟!

ففي حين ضعف إبن حزم حديث المعازف ولم يحتج به ذهب فريق آخر من العلماء إلى تأويل الحديث وبيان أن معناه لايدل على التحريم وهو ما يؤكد أن من قال بإباحة المعازف ليس مجرد مقلد لإبن حزم.
وننقل هنا بعضا من كلام الشيخ الجديع فقد اوفى المسألة حقها اذ يقول:
(الشريعة الاسلامية نصوصها على قسمين أساسين: أخبار وأحكام، فالأوامر والنواهي وأحكام الحلال والحرام تؤخذ من أدلةالأحكام، وأما الأخبار فهي عقائد يجب تصديقها.فأدلة الأخبار الواجب فيها التصديق، وأدلة الأحكام الواجب فيها أمتثال الأوامر وأجتناب النواهي. وبما أن هذا الحديث خبر وليس أحد أدلة الاحكام، فلا يصح أن يستدل به على التحريم، ولذلك لو سألت أحدهم ما حكم الخمر سيقول لك: حرام
فإذا طلبت منه الدليل أتى به من القرآن والسنة من غير هذا الحديث، وكذلك الزنا، وكذلك الحرير، فهذه المسائل الثلاث أدلة تحريمها معروفة معلومة من غير هذه الحديث، فهم لا يعتبرون هذا الحديث دليل التحريم لهذه الأمور وحينما لم يجدوا دليلاً لتحريم المعازف لجأوا إلى هذه الحديث وجعلوه دليلاً للتحريم.) إنتهى
وقال ايضا
(لفظة المعازف المذكورة في الحديث أيضاً، قد نقل ابن حجر عن الدمياطي قوله: المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به، وبنفس التعريف عرفها الشيخ الألباني في كتابه تحريم آلات الطرب أي أنها الدفوف وغيرها مما يضرب ويعزف به، إذا فالدف من المعازف وهو كذلك عند سائر علماء اللغة.نظرح بين يدي معشر المحرمين تساؤلات إذا كانت المعازف محرمة (وبعضهميصرح بتحريم الدف) فما هو جوابكم إذا أبرزنا لكم وأثبتنا لكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الدف ولم ينكره سواءً في بيته عند عائشة أو في بيت الربيع بنت معوذ وكلاهما في البخاري أو التي نذرت إن رد الله رسوله سالماً لتضربن الدف على رأسه وتغني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت نذرت فاضربي وهو عند الترمذي وأحمد وابن حبان والبيهقي وأبو داود. ربما ستقولون ضربت الدف نساء، نقول لكن قد سمعه رسول الله فما حكم سماع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يعقل أن رسول الله يسمع حراماً ولا ينكره؟؟؟ وبما أن الدف من المعازف فقد سمع رسول الله شيئاً منالمعازف ولم ينكره.وإن قلتم هذا مخصوص بالاعياد والأعراس والمناسبات، فمتى جاء في الشريعة أن الشيئ يكون محرماً في وقت ومباح في وقت أخر؟؟؟ إلا إذا وجدت الضرورة!! فالمحرمات باقية على تحريمها ولا تحل إلاعند الضرورة وهذا معلوم من الدين، فهل الاعياد والأعراس من الضرورات التي تبيع المحرمات. أننا ندعو من يريد الحق، ويريد الخلاص بين يدي الله عزوجل من إلصاق شيئ بالشريعة وليس منها، ندعوه للمراجعة والتأمل، وعدم الاستكبار والإعراض، إن حكم المعازف ليس التحريم كما تظنون، إن الله عزوجل أنزل في الزنا والخمر وسائر المحرمات القطعيات آيات محكمات صريحات تتلى إلى يوم القيامة، فإين نجد ذلك الحكم على المعازف في كتاب الله أو في صحيح وصريح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟...ذُكرت في هذا الحديث مسائل الزنا وا لخمر والحرير والمعازف فعلماء الاسلام قاطبة وبلا خلاف مجمعون على أن من استحل الخمر أو الزنا أو أعتقد حلها فهو كافر مرتد. وهذا لا خلاف فيه عند علماء الاسلام أما إذا أتينا إلى المعازف فإننا لا نجد إماماً من أئمة المسلمين على مر العصور والأزمنة يكفرون من استحل المعازف، لأن المعازف إذا كانت محرمة كالخمر والزنا فالمستحل لها كافر مرتد، والعلماء إذ لم يكفروا المستحل لها فهم يعلمون أن لها حكماً آخر، وهل كفروا ابن حزم؟؟؟ وجماعة من علماء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وأهل المدينة وكذلك مفتيها وقاضيها عبدالعزيز بن سلمة الماجشون كما أفادبذلك كله الشوكاني في رسالته إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع؟؟؟ هل كفروهم؟؟؟ وكم يستشهد العلامة الوادعي رحمه الله على كثير من المسائل من كلام محمد بن حزم والشيخ يعرف مذهبه في هذه المسألة إذا من المتيقن أن المعازف (وإن جمعت مع الخمر والزنا والحرير من حديث واحد) من المتيقن أن لها حكماً آخر ليس هو التحريم طبعاً، وإلا لذهب المحرمون إلى تكفير من أباحها، وهذا مما لم يقولوه.خلاصة القول في دلالة هذا الحديث
إن دلالة هذا الحديث هي النعي على أخلاق طائفة من الناس أنغمسوا في الفساد والليالي الحمراء وشرب الخمور، حياتهم خمرونساء ولهوا وغناء، يستوجبون سخط الله ومسخه لهم إلى قردة وخنازير ولم يأتي الحديث لبيان حكم أمر من الأمور المذكورة فيه وإن كان قد أشار إلى أن أفعالهم ليست مباحة بقرينة ما أجتمعوا عليه من الفساد الموجب للعقوبة، وليس في الحديث ذم للمعازف لذاتها بل لاجتماعها مع تلك المذكورات، وهذا المعنى تؤيده الروايات الآخرى، مثل رواية ابن ماجه عن أبي مالك (يشربن أناس من أمتي الخمر يسمونه بغير اسمه يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الارض ويجعل منهم القردة والخناريز) وكذا رواية ابن حبان في صحيحه والبخاري في تاريخه. وبهذا نخلص إلى عدم صحة الاستدلال بهذا الحديث على تحريم المعازف لذاتها، وكما لا يستطيع أحد أن يحتج بهذا الحديث على تحريم وذم مطلق الحرير، فلا يصح كذلك أن يستدل به على ذم مطلق المعازف، وذم المعازف الوارد في الحديث إنما لحرمة ما أتخذت لأجله، والمباحات في الشريعة قد تنتقل إلى أحكام آخرى الاستحباب والوجوب أو الكراهية أو التحريم من حيث جهة الطلب.فالمعازف إذا صوت بها لعرس كان تصويتاً مستحباً مرغوباً فيه، وإذا صُوت بها لمجالس الخمر والفجور كان محرماً.) إنتهى

وهذا مافهمه العلامة إبن العربي المالكي
فذهب إلى أن لفظ يستحلون مجاز عن الإسترسال أي الإسراف والإستكثار من مجالس الفسق والفجور فقال في عارضة الأحوذي باب الاشربة (ج8\ص52\طبعة دار الكتب العلمية) : (ويحتمل أن يكون مجازا تقديره يسترسلون فيه إسترسال العبد في الحلال كأنه حلال وقد سمعنا ذلك فيما تقدم ورأيناه فيمن عاصرنا) إنتهى
وكلام إبن العربي هنا عن الخمر تحديدا حيث جاء هذا الكلام في باب الأشربة وفي سياق تحريم الخمر ولا يقول أحد بإباحة الخمر ومجالسها واعترض عبدالله رمضان موسى بكلام فيه تقويل لابن العربي مالم يقله فنزع الكلام من سياقه كأن الشطر الأخير من كلام إبن العربي (كأنه حلال) لا يقصد به الخمر فقط بل المعازف ايضا ...وهذا غير صحيح فالخمر ومجالسها حرام على كل حال وهم يسرفون فيها حيث قال (يسترسلون فيه) أي في شيء مفرد وهو الخمر وعنها الحديث في هذا الباب (باب الاشربة) فقال (كأنه حلال: أي الخمر)....فما علاقة المعازف ؟!
فالمعنى أن إبن العربي يقول أن  يستحلون معناها هنا مجازي وهو (يسرفون) وضرب مثلا بالخمر وهو قطعي الحرمة ولأنه موضوع الباب فقال (كأنه حلال) لتوضيح المعنى.
ثم لاادري هل نسي عبدالله رمضان موسى ان إبن العربي يقول بإباحة المعازف؟!
ومع ذلك يجب ملاحظة أن بعض الحلال يحرم في حالة الإسراف كما يمنع الإسراف في المباح من الأكل والشرب وعليه فالإسراف في اللهو واللعب أو سماع المعازف قد يحرم لإضاعته الأوقات وشغله الإنسان عن ذكر الله.والشيخ محمد رشيد رضا ذهب إلى أن معنى (يستحلون المعازف) هو من باب إطلاق العام على الخاص
فإذا قلنا أن يستحلون تفيد التحريم فإما أن يكون:
الاستحلال بمعنى الكفر والجحود, وهذا ينافي قول النبي عليه الصلاة والسلام (من أمتي) فلا يرجح.
الاستحلال بمعنى التأويل, أي أنهم يعتقدون حل جميع هذه الاشياء جهلا وتأويلا خطأ منهم وهذا بعيد لأنه (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) , فالجهل والتأويل لا يعرف أن يتوجب عقابا ووعيدا عظيما كالخسف والمسخ..فهذا أيضا قد لا يرجح.
الاستحلال بمعنى الفعل والمباشرة (الاستحلال العملي) وهذا أقرب المعاني والله أعلم, فهو عقاب للعصاة الذين لايبالون بحرمة هذه الخمر ومجالس الفجور.
وفي هذه الحالة تأخذ المعازف نصيبا من الذم ويكون هذا في حق المعازف من باب  أطلاق العام الذي أريد به الخاص فيكون المقصود المعازف التي اذا اتخذت وسيلة للمحرم  فلا يمكن القول أن المعازف كلها محرمة الا بأدلة أخرى لأن دلالة العام ظنية كما يقول الجمهور كما في الحديث (لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلىء شعرا) ولفظ الشعر هنا عام ويراد به نوع مخصوص وهوالشعر الفاحش وشعر الهجاء..الخ.اما الشيخ عبدالله الجديع فاوضح أن لفظ يستحلون لاتفيد حكما بذاتها فليست دليلا على التحريم:
في لسان العرب والصحاح في اللغة (استحل الشي : عده حلالا) – ولم يقل عد الشيء الحرام حلالا-   وفيهما أيضا بمعنى (أتخذه حلالا) – ولم يقل اتخذ الشيء الحرام حلالا-  فلفظة استحل وحدها لا تفيد الحكم الشرعي بالحل أو الحرمة للمفردات فكل ما تفيده أن الأقوام يعدونها حلالا ..وفي الحديث
 (هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكيء على اريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناهوما وجدنا فيه حراما حرمناه).
و في الأربعين النووية حديث الأعرابي الذي قال للنبي عليه الصلاة والسلام (إذا أحللت الحلال وحرمت الحرام).
كما أنها تستخدم للشيء المحرم أصلا وأبيح بإذن الشرع كاستحلال الفروج بالزواج والأموال بالتجارة (استحللتم فروجهنبكلمة الله) وحديث ( أرأيتم إذا منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه)
وعمليا عند تتبع الأدلة الصريحة والقطعية (بعيدا عن هذا الحديث) نلاحظ اختلاف هذه المفردات في أحكامها فمثلا الحرير يختلف حكمه عن الخمر
- فالحرير حلال للنساء حرام على الرجال والخمرحرام مطلقا لا اباحة فيها
 - الخمر حد من حدود الله توجب الجلد أما لبس الرجال للحريرفليس حدا ولا يوجب الجلد,
 - قليل الخمر ولو قطرة حرام بينما اليسير من الحريرللرجال من الفقهاء من يجيزه
بل وحتى الحر (الفرج) حكمه مختلف عن الخمر فهو حلال بالزواج وحلال بملك اليمين حرام في غيرهما والخمر حرام في كل حال لذا فمن أراد حكم المعازف تفصيليا فعليه بأدلة أخرى كما عرفنا احكام باقي المفردات من أدلة أخرى وليس من هذا الحديث.
وبذا يكون ذكر المعازف في الحديث ليس لتحريمها ولكن لبيان تمام غفلتهم و إنشغالهم بكل حواسهم وجوارحهم مستخفين بشرب الخمر والزنا والله اعلم..وفي هذا توضيح أن العذاب باغت هؤلاء الفجار ونعوذ بالله من زوال نعمته وتحول عافيته وفجاءة نقمته وجميع سخطه.

الإعتراضات على الفهم السابق للحديث
الإعتراض الأول : لا يجمع بين محرم ومباح في الوعيد
يقول المانعون أنه اذا جاء نص شرعي يتوعد بالعذاب على مجموعة أشياء فهذا يدل على تحريم كل منها بمفرده
ويجاب عن ذلك بالآتي:
قال الشوكاني رحمه الله في رسالته (أبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع: (وقد تقرر أن النهي عن الأمورالمتعددة أو ترتيب الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرع منها، ومن أعظم الأدلة على ذلك قوله تعالى (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه، إنه كان لايؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين) ولا شك أن ترك الحض على طعام المسكين لا يوجب على أنفراده ذلك الوعيد الشديد و ليس ذلك بمحرم.) انتهى
وقد يجمع بين مباح ومحرم في الوعيد أو الذم بهدف توضيح المعنى وتأكيده فإذا تسلم طالب شهادته آخر العام ووجد نفسه راسبا ثم ذهب ليلعب الكرة أو ليأكل فرآه أبوه وأنهال عليه ضربا وتأنيبا (والله لأعاقبنك راسب وتلعب الكرة) أو (والله لأضربنك راسب وتأكل الطعام)
فالجريمة الأساسية التي إستوجبت الغضب والعقاب هي الرسوب وما ذكر أكل الطعام أو لعب الكرة إلا لتوضيح المعنى وتأكيد لا مبالاة الطالب و إسترخائه .
وقوله تعالى:
(وتأكلون التراث أكلا لما * وتحبون المال حبا جما * كلا إذا دكت الأرض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا * وجيء يومئذ بجهنم يومئذ الإنسان وأنى له الذكرى * يقول ياليتني قدمت لحياتي * فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد)
فأكل مال الورثه من الايتام وغيرهم محرم قطعا وعليه جاء الذم والوعيد وأضيف حب المال وحال أكثر الناس حبه بل هو من زينة الحياة الدنيا ونعم المال الصالح للرجل الصالح ..ولكنه أضيف ليبين معنى كما يشرح الإمام فخر الدين الرازي  (فاعلم أن الجم هو الكثرة ...والمعنى : ويحبون المال حبا كثيرا شديدا ، فبين أن حرصهم على الدنيا فقط وأنهم عادلون عن أمر الآخرة)
وقوله تعالى:
(خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه * انه كان لايؤمن بالله العظيم * ولا يحض على طعام المسكين). الحاقة (30-34)
والجريمة الاساسية هي أنه كان لايؤمن بالله العظيم  وعدم الحض على طعام المسكين هو تابع لها يوضح شح هذا المجرم و بعده عن أخلاق الفضلاء من الجود والكرم والأمر بالمعروف وذلك زيادة في تقريعه وتأنيبه..يقول الشوكاني ص33 و لا شك أن ترك الحض على طعام المسكين لا يوجب على إنفراد ذلك الوعيد الشديد و ليس أيضا بمحرم.
ونقل الألباني وعبدالله رمضان موسى عن الشوكاني جواب المحرمين أن هذا يعني أن المعازف لا تحرم إلا عند إقترانها بالخمر وبالتالي لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين وهو اعتراض فعليا ضعيف..فالمعازف جاءت مكملة للصورة موضحة للمعنى تأكيدا لتمام لهوهم وعدم مبالاتهم وغفلتهم بكل حواسهم فبها يكتمل الإنشغال وتشبع كل الحواس فالبطن (خمر) والفرج (زنا) واللمس (حرير) والنظر (للنساء والطبيعة بجوار الجبل) والسمع (الموسيقى) ,كما أن المعازف قد تكون حراما في كل حال تدعو فيه للحرام وليس فقط عند إقترانها بالخمر ومثال ذلك:
- أن تستخدم للكبر والخيلاء والفخر عند حصول النعمة.
- أن تستخدم للراقصات العاريات الفاجرات لإعانتهن على التلوي والتكسر
- أن تستخدم للإستهزاء بالدين والشرك.
- أن يسن إستخدامها قربة لله ما أنزل الله بها من سلطان كما يفعل بعض الصوفية.
-ان تستخدم دعوة لمجالس الخمر والزنى والفحش.
- أن تستخدم لتضييع الواجبات والإلهاء عن الطاعات فتدمر الاوقات بمعنى الإسراف والاسترسال...إلخ
أما المعازف إذا ما أتخذت للترفيه والاستجمام بين الحين والآخر ولم تضيع الأوقات أو تدعو لمحرمات فهي مباحة إن شاء الله
ويضاف لما سبق ان الجملة المذكورة في الحديث (ليكونن من امتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)
 ليست جملة وعيد فهي جملة خبرية (تامة المعنى) ليس فيها وعيد, ولو كنا لا نعرف تحريم الخمر والزنا من أدلة أخرى لفهمنا أنها مجرد خبر ....وعليه فلا يمكن مقارنتها بالمثال الذي أورده عبدالله رمضان موسي وهو قوله تعالى
(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء115
لأن الجملة الشرطية ناقصة ينقصها جواب الشرط فتشترك الجملتان المعطوفتان في الحكم المذكور (الوعيد) إجماعا لأن المعنى لايتم إلا بجواب الشرط .
قال الإمام الزركشي في كتابه (البحر المحيط في أصول الفقه)
(ولأن الأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه ولايشاركه فيه الأول..أما إذا كان المعطوف ناقصا , بأن لم يذكر فيه الخبر فلا خلاف في مشاركته للأول ..لأن العطف يوجب المشاركة..ومثله عطف المفردات)
..وهذه القاعدة توضح كلام الأئمة عن الجمع بين المباح والمحرم في الوعيد..فلوطبقناها على الأمثلة المذكورة نجد جملة (ويتبع غير سبيل المؤمنين) ينقصها جواب الشرط ليتم معناها وجواب الشرط فيه الوعيد (نوله ماتولى)..وينطبق هذا على المثال الآخر الذي أورده عبدالله رمضان موسى وهو (إن زنيت وشريت الماء عاقبتك)..فلا يتم المعنى بدون جواب الشرط..أما جملة (ليكونن من امتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) فليس فيها وعيد مع تمام معناها.
أما الصيغة الإستنكارية فوحدها لا تفيد التحريم فهناك أخبار أخرى عن أشياء غير محرمة وان كانت الصيغة تستنكرها كما في الحديث الصحيح (قال : يا رسول الله متى الساعة ؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثك عن أشراطها : إذا ولدت المرأة ربتها ، فذاك من أشراطها ، وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس ، فذاك من أشراطها).
ويؤكد كلام الشيخ الجديع ويفند هذه النقطة كذلك أننا  لو إعتبرنا لفظ الحر عند هشام في البخاري هو (زيادة ثقة) سنجد أنه قد خالف الثقات من طريق بشر فالذي يترجح أن لفظ الحديث عن ابن غنم هو (الخز) وهو اللفظ الصحيح الثابت لأنها رويت عمن هم أوثق من هشام من رواية عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم عن بشر بن بكر وهو أوثق من هشام وقد تابعه عليها عبد الوهاب بن نجدة وهو ثقة.
 قال الإسماعيلي: سئل عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني: من أوثق أهل الشام ممن لقيت؟ فقال:أعلاهم دحيم، وقال أيضا: هو أحب إلي من هشام بن عمار وهشام مسنّ،
وقال أبو حاتم: كان دحيم يميز ويضبط حديث نفسه
بل واغرب إبن التين فقال أنها حتى عند البخاري هي (الخز) بالخاء والزاي وليس (الحر) بالحاء والراء وقد علق أبو داوود على هذا اللفظ في الحديث فقال وعشرون نفسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبسوا الخز!
فإذا كان الخز حلالا فهذا يؤكد أن لفظ (يستحلون) هنا – إن صح - لايفيد التحريم بل هو لبيان حالهم وهو قوم بين خز وحرير وخمر ونساء وغناء وهو ما يوجد فعلا في ايامنا في المواخير والملاهي الليلية.
أخيرا تعلق من قال بالتحريم بدلالة الإقتران فقال أن إقتران هذه المفردات في الحديث مع الخمر المقطوع بتحريمها يفيد بإشتراك هذه المفردات مع الخمر في الحكم اي انها محرمة ايضا فتكون المعازف حراما والخز ربما كان نوعا محرما من الخز وهذا استدلال ضعيف جدا ناشيء للأسف عن سوء فهم لدلالة الإقتران وكلام أهل العلم كما سنوضح بحول الله.
الإعتراض الثاني أن دلالة الإقتران في الحديث توجب التحريم
تعلق من قال بالتحريم بدلالة الاقتران، فقالوا: أقتران المعارف بالخمر والزنا دليل على تحريمها، وهذا تعلق ظاهر الضعف، فالمعلوم بالضرورة أن الحرير لا يشبه في حكمه الزنا وشرب الخمر. كما اوضحنا ودلالة الاقتران ضعيفة عند جمهور أهل الأصول.
ولكن فوجئنا بكثير من المعاصرين الذين قالوا بالتحريم يقولون بأن دلالة الإقتران ليست ضعيفة في عطف المفردات بل هي حجة بل وعنون عبدالله رمضان موسى في الفصل الاول بقول:
(القاعدة الاولى : دلالة الإقتران حجة عند عطف المفردات بإجماع العلماء)
وسنلاحظ التعسف في هذا العنوان وعدم علاقته بكلام العلماء بل ولاحظ ايضا التساهل في نقل الإجماع على شيء لم يفهمه بشكل صحيح تماما كما ينقل الإجماع على تحريم المعازف ويشدد عليه.

ونورد هنا كلام الإمام الزكشيى في كتابه (البحر المحيط في اصول الفقه) كما اورده عبدالله رمضان موسى في كتابه ص41:
(دلالة الإقتران ..أنكرها الجمهور فيقولون : القران في النظم لايوجب القران في الحكم, وصورته أن يدخل حرف الواو بين جملتين تامتين كل منهما مبتدأ وخبر, أو فعل وفاعل,...كقوله تعالى (كلوا من ثمره إذا أثمر وءاتوا حقه يوم حصاده) الأنعام 141... والإيتاء واجب دون الأكل – أي الأكل حكمه مختلف فهو غير واجب - ..ولأن الأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه ولايشاركه فيه الأول, .. اما إذا كان المعطوف ناقصا بأن لم يذكر فيه الخبر فلا خلاف في مشاركته للأول, كقولك ((زينب طالق وعمرة)), لأن العطف يوجب المشاركة.., ومثله عطف المفردات) إنتهى
وعلى هذا الكلام إستند عبدالله رمضان موسى في إثبات تحريم المعازف لأنها قرنت مع الخمر المحرمة بل ورأيت شيخا يسخر من أحد الدعاة لأنه قال بإباحة المعازف مستدلا بقاعدة (القران في النظم لايوجب القران في الحكم)
فقال الشيخ ضاحكا ( يا ابن الإيه يا صاروخ!) واردف بكلام الزركشي وأن عطف المفردات حجة قطعية ليس كما يقول هذا الداعية (الجاهل) في رأي هذا الشيخ.

وللأسف فهذا الشيخ مثله مثل عبدالله رمضان موسى وبعض المعاصرين خلطوا خلطا كبيرا بين دلالة الإقتران ودلالة العطففحملوا كلام العلماء ما لايحتمل وحكوا الإجماع على حجية دلالة الإقتران في عطف المفردات وهذا غلط كبير!
ولنفهم ذلك فلنرجع لقوله تعالى (واتموا الحج والعمرة لله) فمن المتفق عليه لغويا وبالتالي فقهيا أن هذا يعني وجوب اتمام الحج والعمرة بعد الشروع فيهما, ولكن هل يعني هذا يعني اشتراكهما في أحكام أخرى بعيدا عن المنطوق اللفظي هنا كوجوب الابتداء فيهما؟!
فمفهوم الاية أن الحج والعمرة يشتركان فقط في الحكم المذكور وهووجوب الاتمام وليس كل الاحكام  أي لأن المعطوفات مفردات فالمعنى يصبح (وأتمو الحج ..وأتموا العمرة) وهذا ما يشتركان فيه أما غير ذلك فيعرف بأدلة أخرى وليس بدلالة الإقتران لضعفها فالحج فرض أي يجب ابتدائه بينما العمرة سنة لا يجب الابتداء على خلاف بين أهل العلم..وبالمثل مفهوم الاية
(والخيل والبغال والحمير لتركبوها) فقد اشتركت هذه المتعاطفات في حكم الركوب ولم يقل أحد بعدم اشتراكها في هذا ولكن من باب العطف وليس من باب دلالة الاقتران . فدلالة الإقتران تعني التعدي لأحكام أخرى غير المذكورة في الجملة فمثلا قد ثبت أنه لا زكاة في الحمير والبغال بالاتفاق فلايكون في الخيل زكاة بدلالة الأقتران في هذه الاية.
فدلالة الإقتران ضعيفة حتى في عطف المفردات والمجمع عليه اشتراك المفردات في الحكم المذكور في الجملة فقط بدلالة العطف وليس الاقتران فهذا شيء وذاك شيء اخر.
ومثال آخر
 يقول تعالى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )  المائدة 90
فيكون المعنى (إنما الخمر رجس من عمل الشيطان فإجتنبوه ..و إنما الميسر رجس من عمل الشيطان فإجتنبوه..وهكذا)
فالتحريم هنا صريح واضح  لكليهما من الحكم المذكور (رجس) وليس بدلالة الإقتران ..
وهذا ما عناه الشيخ الجديع بأن دلالة الاقتران ضعيفة عند جمهور أهل الاصول فرماه عبدالله رمضان موسى بالجهل والتدليس والكذب ..ولا ذنب له إلا أن من ينتقده حمل كلام العلماء ما لايحتمل ولم يفهم مقاصده ومعناه.
من هذا المنطلق نقول أن ما يشترك فيه الحر والحرير والخمر والمعازف هولفظ الاستحلال المذكور فقط  بدلالة العطف
أي (يستحلون الحر ويستحلون الحرير ويستحلون الخمر ويستحلون المعازف) ولا يشتركون فيما سوى ذلك
فحتى لوقلنا أن يستحلون تفيد التحريم المطلق – وقد سبق نقاشه- فليس هذا من باب دلالة الإقتران ولاعلاقة له بها اصلا بل هو إشتراك في الحكم المذكور بسبب العطف!

وهذا ما تيسر بفضل الله في نقاش دلالة الحديث إذا قلنا بثبوت لفظ (يستحلون المعازف) وإن كان الأصل أنها لم تصح كما بيننا في نقاش الاسناد وسينتقل البحث الآن في الجزء التالي لنقاش باقي الادلة التي تساق لإثبات تحريم المعازف.