السبت، 23 أبريل 2016

حديث البخاري (ليكونن من أمتي ) لم يرويه من ضمن إسناداته في صحيحه ولكن علقه ..ولايستدل به في الأحكام الحلال والحرام كونه حديث معلق..!!

 أقوى استدلال هو ما رواه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري مرفوعاً: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم "يستحلون" أي هو حرام وهم يحلونه. وهذا دليل على أنه حرام.

التحقيق: يصحح البعض من العلماء هذا الحديث رغم أنه من الأحاديث التي أنكرها كثيرون على البخاري كون أن البخاري لم يرويه من ضمن إسناداته في صحيحه ولكن علقه في الاستدلال في عنونة الباب، ورده علماء كثيرون وعليه اشكالات كثيرة. والحديث المعلق هو الذي سقط من سنده راو أو أكثر، مثل أن يروي تابع تابعي عن صحابي ولا يذكر التابعي الذي روى له الحديث فهذا يعتبره العلماء حديثاً معلقاً، والحديث المعلق لا يستدل به في الأحكام، لأنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مرفوعاً (أي إلى النبي) أو موقوفاً (أي إلي الصحابي). وسبب اعتقاد العلماء بأن الحديث معلق أي لم يسمعه البخاري من شيخه مباشرة هو قوله في "صحيحه" قال هشام بن عمار حدثنا .. ثم ذكر السند والمتن (أي لفظ الحديث)، والبخاري التزم الدقة الشديدة في صحيحه فهو لا يقول "قال فلان" وإنما يقول "حدثني"، فقوله "قال فلان" شكك العلماء في الحديث، وأن البخاري لم يسمعه من هشام أصلاً. لماذا في هذا الحديث خالف البخاري القاعدة في صحيحه؟ رغم أنه يقول "قال فلان" في رواياته خارج "الصحيح" كما فعلها في "التاريخ الكبير" وغيره. وهذا الحديث رغم ما عليه من كلام كثير ورد كثير من العلماء له إلا أنه حديث صححه كثير من المتبحرين في الحديث كالإمام ابن حجر العسقلاني ومحمد بن إسماعيل الإسماعيلي وغيرهما، ومن المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله والشيخ الجديع؛ لذا جاز الاستدلال فيه على خلاف الكثير من الدلائل الأخرى التي لا تصح في التحريم والإشارة لها.

الحديث فيه إشارتان لمن يرون التحريم: (١) "يستحلون .. المعازف" و(٢) العقاب الشديد وهو المسخ لهؤلاء القوم. وههنا بعض الإشكاليات في كون هذا الحديث ليس فيه حكم التحريم الصريح:
  1. أولاً هذا الحديث خبر وليس حكماً، فهو يخبر عن حادثة ستحصل في المستقبل، الله بها وبتفاصيلها عليم، عن قوم هذه صفاتهم فسوف يصير لهم هذا المسخ. إن الإخبار عن حدث غير الحكم. والخبر لم يحصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم نسمع أنه حصل حتى زمننا رغم استمرار وجود هذه الأمور المذكورة في الحديث منذ ألف وأربعمائة سنة. وهذا يعطيك مؤشر على أن الموضوع أكثر من شرب الخمر والمعازف والزنى وإلا فهذا الموضوع يتكرر مليون مرة في اليوم كل يوم في العالم!
  2. لفظ "يستحلون" يدل على استحلال الحلال والحرام، مثل ما هو وضع المعازف والغناء هي حلال وحرام، هي وسيلة قد تستخدم في الحلال وقد تستخدم في الحرام. والدليل على كونها تستخدم في الحلال والحرام هو قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" (رواه مسلم 1218)، فهذا حرام واستحلل. وقوله "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني، وهو متكئٌ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله" (رواه أحمد والترمذي وأبوداود وابن ماجه والدارمي وغيرهم)، فهذا حلال واستحلل. فبطل لفظ من قال "يستحلون" أي كان حراماً فأحلوه. أين الدليل على الحرمة أصلاً؟ أين في كتاب الله سبحانه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن المعازف حرام حتى يستحلونه؟
  3. هل يعقل أن يكون تحريم المعازف لم يأتي إلا في هذا الحديث وفي هذا المعنى في التحريم غير الصريح. واللفظ برأي من يرى التحريم مشكل كون "يستحلون" إذا قُصد بها هو حرام وهم يعلمون أنه حرام لكنهم يحللونه فهذا والعياذ بالله موضوع كبير، يرى العلماء أنه يوقع الشخص في الكفر، وإذا قُصد فيه أنهم يستحلونه من خلال تأويل وفهم، فهم مجتهدون ومعذورون، ولا لوم عليهم ولا عتب ولا يستدعي كل هذا النقاش العقيم. وأنت لو قرأت عنف كلام الشيخ الألباني في الرد على الشيخ محمد الغزالي أو الشيخ القرضاوي أو الإمام المبجل ابن حزم الأندلسي لتمنيت أن لا يُنقل هذا الكلام عن مسلم فضلاً عن عالم جليل كالشيخ الألباني، رحمه الله؛ فالكلام لا يليق فعلاً بطالب علم فضلاً عن عالم جليل، وهي شطحة نرجو ألا يأخذ بالاقتداء بها المسلمون، ونقترح أن لا يعملوا بعمله هذا، ولهم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في الاختلاف والرد والحوار
  4. والجدل بالتي هي أحسن. لهذا نقول كلٌ يأخذ من كلامه ويرد، وهذا مما يُرد فعلاً ويرفض ولا يقبل ولا نظلم علماء المسلمين به، قال تعالي: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159)،وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة/ 54)، وقال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125)، وقال: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34). ولقد تسبب هذا الكلام مثل ما تسبب كلام ابن تيمية وابن القيم لما تشددا في تشجيع عشرات الآلآف من المتطرفين والمتشددين والمتدخلين على العلم والمتعصبين فملأوا النت والكتب والمجالس شتماً وسباً وجدلآً وتكفيراً وتفسيقاً وأذىً، وتناولوا أعراض الناس والعلماء والمغنين والمغنيات والبشرية جمعاء، وقالوا كلاماً ما قاله نبي في مجحديه ومعذبيه. فالله المستعان وعليه التكلان. وغفر الله للشيخ الألباني على هذه الألفاظ التي أطلقها، وهي من عادته في مناقشاته وردوده، وليس هو بها قدوة ولا مثلاً جيداً، ويكفي ما قاله في الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز وغيره من علماء نجد، واللفظ له، وادعى على الشيخ بن باز في قوله بوضع اليدين على الصدر "بدعة ضلالة"، ورد عليه الشيخ بن باز رحمهما الله بعدما أثنى عليه بأن "هذا خطأ ظاهر لم يسبقه إليه أحد فيما نعلم من أهل العلم، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها" وزاد الشيخ بن باز: "ولكنه قد غلط في هذه المسألة غلطاً بينا".
  5. فلاشك أن الشيخ الآلباني مثل غيره يقع في الخطأ ويخالف الأحاديث الصحيحة، كما قال الشيخ عبدالعزيز رحمه الله (مجموع الفتاوى ورسائل في الصلاة). لهذا فلا اعتبار لكلام من يقول ما يقول، الاعتبار كما قال الشيخ الألباني نفسه، رحمه الله، بمعرفة الحق، فإذا عرفت الحق عرفت الرجال عدا ذلك فسوف تضيع في ترهات الردود وأهل الجدل كما في بعض التعليقات والردود من المضطربين نفسياً أو اجتماعياً أو إيمانياً أو روحياً والباحثين عن قضية فلا قضية لهم، وهم بذلك يشعرون أنهم ينصرون دينهم، وما أذكى الشيطان بهذه المعاني، يوهم للناس أنهم يدافعون عن الله أو دينه وربما ما صنعوا شيئاً غير تنفير الناس. ووالله لو لم يكن للشيطان إلا أن أوحى لهم التعالي والتزكية للنفس واستصغار الآخرين لكفى، ولبلغ مراده في الكبر والتحريش بينهم. وهؤلاء الذين يتصفون بهذه الصفات أكثر الناس تقليلاً للعباد، لو تقدم الشيخ الألباني لبنته ما زوجه لأنه ألباني أو سوري أو مصري .. وهم أكثر الناس عندنا في الكويت معارضة لتجنيس المستحقين بسبب العنصرية التي يطبعونها بالدين أحياناً وبالعرف أحياناً أخرى، وهم أكثر الناس تقليلاً في الهنود والأسيويين، وأكثر الناس طعناً في الأمم، وهذا كله لا صلة له بدين ولا أصل. وبعضهم يعتقد أنهم في العلو والناس من ذوي الجنسيات الآخرى لهم تبع ثم البقية كافرة مخلدة في النار. وكم فضح هذا الحديث من أخلاقيات الناس فشطوا وشردوا في الطعن في نوايا الناس وأخلاقهم وأعمالهم، ونصبوا أنفسهم قضاة على البشر، والله المستعان على ما يصفون.
  1. لا يشير الحديث لكون هؤلاء الناس الذين سيعاقبون بسبب أنهم يستمعون إلى المعازف. فقوله صلى الله عليه وسلم عن صفات الخوارج "تكرهون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلي صيامهم، يفرون من الإسلام كما يفر السهم من الرمية" لا يعني حرمة الصلاة والصيام بسبب أن هؤلاء المارقين من الدين يعملونه! وأهل الصلاح وأهل الباطل يستمعون للمعازف، كما سنشير بأدلة واضحة من كونه فعل يعمله بعض الصحابة والتابعين والأئمة الأجلاء والخلفاء وفضلاء البشر.
  2. وأقوى إشارة في الحديث هو كون الفقير يأتيهم لحاجة فيبخلون عليه بينما يسرفون ويفرطون في الشرب واللهو والخطيئة مستعذبين ذلك، متنعمين بالحرير. ومع ذلك يردونه، والله أعلم، كم ليلة فعلوا ذلك، وكم مرة فعلوها. إن مَن صنيعهم ذلك قد تقوم القيامة عليهم أو يحصل لهم هذا الحدث المريع. إن الله سبحانه برحمته وكرمه لا يخسف بشارب الخمر، وعازف المعازف، ولابس الحرير، وإلا لكان هذا الحدث يحصل خمسين مليون مرة في اليوم كل يوم!! إن اجتماع هذه الأمور هو الحرام لا مفردها، مثلها مثل ما ذكرناه في الآية الكريمة (وأنتم سامدون) التي أستدل البعض بأنها في المغنين بينما غفلوا عن (ويضحكون) فحرموا الغناء وأباحوا الضحك!! فلا الضحك حرام ولا الغناء حرام في الآية المذكورة ولكن اجتماع ذلك من خلال رد الآيات والاستعجاب، وهي هنا كذلك اجتماعها المحرم. يجب أن يجتمع الزنا مع الخمر مع المعازف مع رد ذي الحاجة مع لبس الحرير مع أمور أخرى حتى يصدق هذا الحدث والخبر. ومعلومة هي المحرمات لكن المعازف لم يرد فيها التحريم، وإلا فهذا القرآن الكريم وهذه السنة النبوية عليهم أن يأتوك بدليل واضح وصريح في ذلك. تركوا كل الأحاديث الصحيحة الواضحة والصريحة وتشبثوا بالمتشابهات.
  3. قوله "ويمسخ آخرين" فيه إشارة إلى أناس غير هؤلاء يعني هؤلاء الله يبيتهم ويسقط عليهم الجبل وآخرين يمسخهم قردة وخنازير. لماذا؟ لا علم لنا ولا دراية، كون رواية الحديث غير مترابطة.
  1. إن في الحديث شبهات واضطراب فنحن لا نعرف سبب تعليق البخاري له من بين أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة حديث يقول فيهم "حدثني" وفي هذا وثلاثة فقط أخرى يقول "قال"، وحديث يأتي بلفظ "يستحلون" والحرير أصلاً حلال لبسه على النساء وحلال بيعه من قبل الرجال، والمعازف أصلاً حلال لم يرد فيها تحريم ألبته، والحر يعني الفرج، وهو حلال بين الزوجين، ويبدأ عن أبي عامر أو أبي مالك، ويسرد الراوي الحديث ثم يقول "ويمسخ آخرين"، وما سبب مسخهم؟ لا نعلم. فهل هذا يعني أن بعضاً منهم يقع عليه الجبل وآخرين يمسخهم الله قردة وخنازير؟! الله أعلم. فالحديث فيه غموض، وقد تحمس له المحرمون ومنهم شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه الله - حيث بسببه نقل كل من بعده كلامه ومعناه، ما زادوا حرفاً (نفس الكلام في أربعين ألف منتدى وموقع cut-paste)، ومما قال في "مجموع الفتاوى": فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها، وقال: وأعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا مصر ولا المغرب ولا العراق ولا خرسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية ولا بدفّ ولا بكفّ ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه. انتهى كلام الإمام بن تيمية - رحمه الله - وهو لفظ تجده في آلآف المواقع في النت. وهذا الكلام غير صحيح. فهذا الحديث لا يدل على التحريم، والمعازف لو كانت تتناول كل الآلآت لشملت الدف، فالدف آلة موسيقية هو اتفاق بين كل البشر في الأزمان ممن يعرفون العزف، والنبي صلى الله عليه وسلم أباحه، وأمر به، والطبل كذلك سمعه وسمح به، كما في حديث الأحباش الذي ذكرناه. وقوله "أن ذلك لم يحدث ولا حتى بدف" خطأ كبير، بل حدث وبحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله الصحابة، والتابعون، ورواة الحديث وسنأتي بذكر عشرة أو عشرين منهم أو أكثر من أجل الأئمة وأعدل الخلفاء وفي المائة الأولى، وممن هم بمنزلة بن تيمية وأعلى منه فقهاً وعلماً وسعة. وهذا الكلام يتناقل في المنتديات والمجالس وكتب الكتاب، لا يحققون بالكلام؛ ينقلونه دون تحقيق ولا تأكد، ومن هنا أصبنا بكثرة التحريم والخلط وهجر البحث الدقيق وتخدرت الأمة في الجدل والتكرار. وما يدري شيخ الإسلام رحمه الله عن أهل اليمن والشام ومصر وخرسان .. الخ.
  2. سبحان الله هل أعطي هذا الكشف؟ أم وحي بعد رسول الله؟! ومع ذلك فكلامه خطأ بل موجود في زمن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وفي المدينة ومكة والشام ومصر وخرسان والأندلس والدنيا كلها ومن قبل أشارف الناس وأكارمها كما سأبينه بإذن الله. وهذا الكلام غير مقبول، والإمام بن تيمية ليس حجة على الأمة ولا غيره، يأخذ من كلامه ويرد منه الكثير، وهو ليس حجة إلا على المقلدين، مع علو منزلته وكريم فضله على الأمة في مسائل وتضحيات وجهاد وعلم وعطايا كثيرة. فهذا الحديث فيه إشكاليات كثيرة ولذا رده الإمام ابن حزم ليس فقط سنداً بل متناً. وكثير من العلماء قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور على (هشام بن عمار) وقد ضعفه الكثيرون. وهشام بن عمار، لا شك رجل صالح تقي، روى عنه الأئمة البخاري والترمذي وأبوداود، وامتنع أن يروي عنه مسلم، إلا أن عليه كلام كثير بالذات في آخر عمره. قال العلامة الذهبي رحمه الله في ميزان الإعتدال في نقد الرجال (7 / 86، ترجمة 9242): هشام بن عمار السلمي الإمام أبو الوليد خطيب دمشق ومقرؤها و محدثها وعالمها، صدوق، مكثر له ما ينكر. قال أبو حاتم: صدوق وقد تغير فكان كلما لقنه تلقن فأظن هذا مما لقن، روى عن مروان بن معاوية عن أبي خالد عن قيس عن جرير قال النبي صلى الله عليه وسلم من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة قال أبو حاتم: هذا باطل، وإنما يروى من قول قيس، وقال أبو داود حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها! قال: وقال المروزي ذكر أحمد (يعني الإمام أحمد بن حنبل) هشاماً فقال طياش خفيف، قال المروزي ورد كتاب من دمشق سل لنا أبا عبد الله فإن هشام بن عمار قال لفظ جبريل و محمد عليهما السلام بالقرآن مخلوق فسألت أبا عبد الله فقال أعرفه طياشا قاتله الله لم يجتر الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمد صلى الله عليه وسلم هذا قد تجهم وفي الكتاب أنه قال في خطبته الحمد الله الذي تجلى لخلقه بخلقه فسألت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) فقال هذا جهمي الله تجلى للجبال يقول هو تحل لخلقه بخلقه إن صلوا خلفه فليعيدوا الصلاة، ومع ذلك فقد دافع عنه الذهبي في ترجمته وبأنه يؤخد من كلامه ويترك. وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (ص: 573، ترجمة 7303): هشام بن عمار نصير بنون مصغر السلمي الدمشقي الخطيب، صدوق، مقرئ، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح.
حديث تدور عليه كل هذه الشبهات وهي قليل مما ذكره الباحثون والعلماء ولم تتلقاه الأمة بالقبول والرضى بل ردته وشرحته وأولته وفصلت فيه، فصار الاستدلال ضعيف، ولا يوجد فيه تصريح بالتحريم، ومن فهمها كذلك فهو فهمه وعليه أن يعمل بفهمه، والله أعلم.

*** التنبيه من التساهل في التحريم ***


**نقل الإمام الشافعي في "الأم" عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: (أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير (لاحظ: "بيناً بلا تفسير"!!!). وحدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم - وكان أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه، ويقول: إن الله حرم هذا فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه! وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه، قالوا: هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا) .
قال أهل العلم: هذا ما ذكره القاضي أبو يوسف، ونقله الشافعي، ولم ينكر عليه هذا النقل ولا مضمونه بل أقره، وما كان ليقر مثله إلا إذا اعتقد صحته. وقال الله تعالي: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون). (النحل: 116).
إن بعض الناس تطاولوا على حق الله سبحانه وتعالى بالتساهل في التحريم؛ فكلمة حرام عندهم أسهل من كلمة "أهلا"، وخذ فكرة بسيطة من خلال تصفحك على النت وفي الفيس بوك لترى أمة مبتلاة بالتعدي على الله سبحانه ومعتادة على الأمر كأنها، والعياذ بالله، تملك الذات الإلهية! فليحذر هؤلاء الناس من التقول على الله، فالسابقون ما كانوا يقولون حلال وحرام، بل كان أشد أقوالهم "أحبه" أو "لا أحبه" أو "أكرهه" أو "لا نرى بذلك"، أما الكفار في الجاهلية والمبتدعة بعدهم فكانوا هم الذين يتكلمون بالحرام والتحريم. وإذا رأيت المرء يكثر من التحريم فاعتزل مجالسه فهذا مشكوك في عقيدته ولا يأمن الإنسان على دينه معه.

***** أنواع الناس في التحريم *****

***** أنواع الناس في التحريم *****
ونلحظ ونحن نناقش هذا الموضوع أن الناس في حدة التحريم - ممن يرون التحريم - كالتالي:
■أناس رأوا أن هناك رأيين قويين أو أكثر، لكنهم رجحوا الرأي الذي يقول بالتحريم سواء بناء على ما توصلوا له من أدلة أقنعتهم أو تورعاً في ترك الريبة فيما يريبهم. فهؤلاء محترمون، ومثال في الخلاف. هؤلاء نحتسب لهم الصدق والإخلاص والإيمان.
■أناس يشددون في أن من يستمع للغناء والموسيقى، ولا يرى بالتحريم يخالف آيات الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وكثر منهم يتهمون من خالفهم في دينهم ويسمونهم بأسماء وكنى، وهذا ينم عن ضعف الحجة؛ لأن الواثق من حججه يقال له استمر، بارك الله فيك، لا تحارب أحداً، صاحب الحجة لا يحتاج العراك والصراع والصراخ والتتبع والمحاربة والشتام، بل أن هذا مما ضعف حججهم وقلل أتباعهم أكثر فأكثر.
■قوم تطرفوا فرأوا التفسيق والفجور فيمن يسمعون الغناء والموسيقى، وشددوا جداً، حتى جعلوه أشد حرمة من الخمر والزنى، فهؤلاء لا يُلتفت إليهم، وفي الغالب منهجهم منفر أصلاً فلا اعتبار لرأيهم. بل قد تكون المغنية المتفسخة المكسورة بين يدي الله في السر أكرم في السماء من هذا الذي يتهم الناس بالفجور والفسق ويدخلهم النار وفق مزاجه، والعياذ بالله. وكم من حديث شريف ذكر دخول عاهر الجنة وعابد النار بسبب هذا التحجرف والتغطرس والتعالي.

هل الموسيقى حرام؟ ما حكم سماع الأغاني؟ هل الاستماع إلى الآلات الموسيقية يجوز أم لا؟

هل الموسيقى حرام؟ ما حكم سماع الأغاني؟ هل الاستماع إلى الآلات الموسيقية يجوز أم لا؟ أسئلة متعددة ذات مضمون واحد، حكم الموسيقى والغناء.. جمعناها وذهبنا بها دار الإفتاء لنحصل على جواب تطمئن إليه قلوبنا، وهكذا توجهنا بالسؤال:
ما حكم سماع الموسيقى والأغاني؟
فأجابت دار الإفتاء ما نصه:
الموسيقى: علم يُعرَف منه أحوال النغم والإيقاعات، وكيفية تأليف اللحون، وإيجاد الآلات، وتطلق كذلك على الصوت الخارج من آلات العزف.
ومسألة سماع الموسيقى مسألة خلافية فقهية، ليست من أصول العقيدة، وليست من المعلوم من الدين بالضرورة، ولا ينبغي للمسلمين أن يفسق بعضهم بعضًا ولا أن ينكر بعضهم على بعض بسبب تلك المسائل الخلافية؛ فإنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه، وما دام هناك من الفقهاء من أباح الموسيقى -وهؤلاء ممن يُعتَدُّ بقولهم ويجوز تقليدهم- فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية؛ خصوصا أنه لم يرد نص في الشرع صحيح صريح في تحريم الموسيقى، وإلا ما ساغ الخلاف بشأنها.
وذهب كثير من المحققين من أهل العلم -من الصحابة فمن بعدهم- إلى أن الضرب بالمعازف والآلات ما هو إلا صوتٌ: حَسَنُه حَسَنٌ وقبيحُه قبيحٌ، وأن الآيات القرآنية ليس فيها نهي صريح عن المعازف والآلات المشهورة، وأن النهي في حديث البخاري إنما هو عن المجموع لا عن الجميع؛ أي أن تجتمع هذه المفردات في صورة واحدة، والحِرُ هو الزنا، والحرير محرَّم على الرجال؛ فالمقصود النهي عن الترف وليس المقصود خصوص المعازف، وقد تقرر في الأصول أن الاقتران ليس بحجة؛ فعطف المعازف على الزنا ليس بحجة في تحريم المعازف، وأن الأحاديث الأخرى منها ما لا يصح ومنها ما هو محمول على ما كان من المعازف ملهيًا عن ذكر الله أو كان سببًا للفواحش والمحرمات؛ فالصحيح منها ليس صريحًا، والصريح منها ليس صحيحًا. وهذا مذهب أهل المدينة، وهو مروي عن جماعة من الصحابة، وعلى هذا المذهب ابن حزم وأهل الظاهر وبعض الشافعية ومنهم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي والقاضيان الماوردي والروياني والأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي والرافعي وحجة الإسلام الغزالي وأبو الفضل ابن طاهر القيسراني والإمام عز الدين بن عبد السلام وشيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد وعبد الغني النابلسي الحنفي.. وغيرهم.
وقد صنف في إباحة الآلات والمعازف جماعة من أهل العلم: كابن حزم الظاهري في رسالته في "السماع"، وابن القيسراني في كتاب "السماع"، والأدفوي في "الإمتاع بأحكام السماع"، وأبي المواهب الشاذلي المالكي في "فرح الأسماع برخص السماع"، وغيرهم كثير.
وممن صرح بإباحة الآلات والمعازف حجة الإسلام الغزالي رحمه الله حيث قال في "إحياء علوم الدين": "اللهو معين على الجِد، ولا يصبر على الجِدّ المحض والحق المر إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام؛ فاللهو دواء القلب من داء الإعياء والملال؛ فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو على هذه النية يصير قربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يُستحب له ذلك ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه، نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال؛ فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يُرَوِّح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلوب ووجوه التلطف بها لسياقتها إلى الحق علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه".
ونقل الشوكاني في "نيل الأوطار" في باب "ما جاء في آلة اللهو" أقوال المحرمين والمبيحين، وأشار إلى أدلة كل من الفريقين، ثم عقب على حديث: "كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ الْمُؤْمِنُ فَهُوَ بَاطِلٌ إلاَّ ثَلاثَةٌ: مُلاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَرَمْيُهُ عَنْ قَوْسِهِ" بقول حجة الإسلام الغزالي: "قلنا: قوله صلى الله عليه وآله وسلم (فهو باطل) لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم فائدة"، ثم قال الشوكاني: "وهو جواب صحيح؛ لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح"، وساق أدلة أخرى في هذا الصدد، من بينها حديث من نذرت أن تضرب بالدف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن رده الله سالمًا من إحدى الغزوات، وقد أذن لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالوفاء بالنذر والضرب بالدف. رواه الترمذي وصححه من حديث بريدة رضي الله عنه، فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل ذلك الموطن.
وقال ابن حزم في "المحلَّى": "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"؛ فمن نوى باستماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية، فهو لغو معفو عنه؛ كخروج الإنسان إلى بستانه متنَزِّهًا، وقعوده على باب داره متفرجًا، وصباغه ثوبه لازورديًّا أو أخضر أو غير ذلك، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله" اهـ.
ونخلص في كل ما سبق إلى أن الغناء بآلة -أي مع الموسيقى- وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولى؛ فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى.
اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش، أو فسق، أو تحريض على معصية؛ إذ الغناء ليس إلا كلامًا: فحسنه حسن وقبيحه قبيح، كل قول يشتمل على حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير؟
واتفقوا على إباحة ما خلا ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة؛ كالعرس، وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها، واختلفوا في الغناء المصحوب بالآلات.
والذي نرجحه ونميل إلى القول به هو جواز استعمال المعازف وسماعها بشرط اختيار الحسن وعدم الاشتغال بما يلهي عن ذكر الله تعالى أو يجر إلى الفساد أو يتنافى مع الشرع الشريف؛ إذ ليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد الأصوات الموزونة مع آلة من الآلات، وهذا هو ما نراه أوفق لعصرنا.
أعجبنيإظهار مزيد من التفاعلات
تعليق
التعليقات: 2

حكم الغنــاء والمــوسيقى فـي الفقه الإسلامي
اكتب تعليقًا...

ما حكم الأغاني الدينية التي يتخللها همسة موسيقى او مزمار؟


الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وبعد:
خلاصة الفتوى:
تحرم الموسيقى التي تستثير الشهوات والغرائز اتفاقا، وكذلك يحرم الغناء الذي يشتمل على فحش القول والمعاصي وهذا ما يصدق على معظم الأغاني الموسيقية على أرض الواقع، وأجاز فريق أهل العلم قديما وحديثا الموسيقى الهادئة التي لا تستثير شهوات ولا غرائز، بضوابط وشروط تتلخص بسلامة مضمون الغناء من المخالفة الشرعية كالأغنية التي تصف المحبوبة والتي تخالف العقيدة والعادات والتقاليد وسلامة طريقة الأداء من التكسر والإغراء، وعدم اقتران الغناء بأمر محرم كالخمر والاختلاط وتجنب الإسراف في السماع ….
فإذا كان الغناء يستثير الشخص ويغريه بالفتنة فعليه أن يتجنبه ويسد الباب الذي تهب منة الفتنة.
وإليك تفصيل الفتوى:
أولا: الغناء هو رفع الصوت وموالاته, وقال الخطابي رحمه الله تعالى: "كل من رفع صوته بشيء ووالى به مرة بعد أخرى فهو غناء عند العرب".
والغناء كلام حسنه حسن وقبيحة قبيح, وهو قد يكون بآلة (أي معازف) وقد يكون بلا آله.
فان كان بغير آلة فهو مباح باتفاق العلماء بشرط ألا يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية ولا إثارة وبشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب.
قال الغزالي في الإحياء: "من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحانية, زائد في غلط الطبع وكثافته على الجِمال والطيور وجميع البهائم, إذا الجمل مع بلادة, طبعه يتأثر بالحداء تأثيرا يستخف معه الأحمال الثقيلة ويستقصر المسافات الطويلة وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه فترى الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها وتصغي إليه ناصبة آذانها وتسرع في سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها".
هذا بالنسبة للغناء بلا آلالات.
ما حكم الغناء الذي يكون مع الآلات؟
إن الآلات تقسم إلى ثلاثة أقسام: آلالات قرع: كالطبل والدربكة والدف وآلات نفخية كالمزمار والشبابة والبوق, وآلات وترية كالعود والكمنجا وما شابهه .
بداية أود أن اذكر: أن موضوع الآلات على اختلاف أنواعها سواء آلات القرع أم النفخ أم الوتر هنالك نقاط اتفاق في التعامل معها وهنالك نقاط اختلاف.
أما محل الاتفاق بين العلماء فهو حرمه الاستماع إلى الآلات التي تشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية وهذا واقع الموسيقى اليوم فإنها لا تكاد تخلو من مجون وهيام وغرام وفحش في الغالب, وأما محل الاختلاف فهو فيما لو كانت هذه الآلات قد تجرد استعمالها من هذه المحرمات والمعاصي.
أولا الدف: يجوز الضرب على الدف سواء أكان مجلجلا أم غير مجلجل وسواء استعمله الرجال أم النساء في كل فرح مشروع وهذا ما ذهب إليه بعض المالكية والأصح من مذهب الشافعية. انظر: (الفواكه الدواني, ج2\ص392 – حاشية لدسوقي, ج1\ص339 – مغني المحتاج ج4\ص429).
ثانيا حكم الطبل والدربكة والصفاقتين :
الطبل: يجوز استعماله بجميع أنواعه وهذا مذهب المالكية إلا أنهم خصوه بالنكاح ولا دليل على التخصيص. انظر: (حاشية الدسوقي, ج2\ 339).
الصفاقتين: (والمقصود بالصفقتين (الصنج) التي تتخذ من نحاس وتضرب مع الطبول) يجوز استعمال الصفاقتين عند بعض الشافعية وعند المالكية في المعتمد إلا أن المالكية قد خصصوها بالنكاح أي الزواج، ولا دليل على التخصيص.
انظر: (إتحاف السادة المتقين, ج6\ص505 – حاشية الدسوقي, ج2\ص339).
ثالثا: حكم العزف على الآلات الوترية والنفخية كالعود والكمنجا والرباب... والمزمار والشبابة...
ذهب أكثر الفقهاء إلى حرمة الآلات الوترية وهو المشهور في المذاهب الأربعة.
انظر: (تبيين الحقائق للزيلعي ج2\ص13 – حاشية الدسوقي , ج2\ص339 – معني المحتاج ج4\ص429 - المغني, ج2\ص39).
بينما ذهب بعض المالكية وابن حزم الظاهري وعبد الله بن الزبير,وعبد الله بن عمر ومعاوية وعمرو بن العاص وحسان بن ثابت وخارجة بن زيد والزهري وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي وابن طاهر إلى جواز العزف على الآلات الوترية وسماعها . انظر: (حاشية الدسوقي,ج2/ص339,إتحاف السادة المتقين, ج7/ص 505,502) كف الرعاع ص 50, المحلي, ج9/ص712, نيل الأوطار ,ج8/ص 100-151).
وحكى الماوردي إباحة العود خاصة عن بعض الشافعية وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي وحكاه الاسنوي في "المهمات" عن الروياني والماوردي ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي وجزم بالإباحة الادفوي.
وذهب سلطان العلماء العز بن عبد السلام إلى جواز الغناء بالآلات وبدونها, فقال: "الطريق في صلاح القلوب يكون بأسباب من خارج, فيكون بالقرآن وهؤلاء أفضل أهل السماع ويكون بالوعظ والتذكير ويكون بالحداء والنشيد ويكون بالغناء بآلالات المختلف في سماعها كالشبابات فان كان السامع لهذه الآلات مستحلا سماع ذلك فهو محسن بسماع ما يحصل له من الأقوال وتارك للورع لسماعة ما اختلف في جواز سماعة". انظر: (التاج والاكليل للعبدري المالكي ج2/ص 62).
ونقل القرطبي في الجامع لأحكام القرار قول القشيري ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله: "دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح" ثم قال القرطبي: وقد قيل أن الطبل في النكاح كالدف وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث".
(انظر: تفسير القرطبي, ج14/ص54).
وكذلك بالنسبة لآلات النفخ (المزمار/الشبابة/البوق) فان كثيرا من الفقهاء على حرمتها وهو ظاهر المذاهب الأربعة إلا أن الحنفية استثنوا النفخ بالبوق للتنبيه وبعض المالكية أجازوا الآلات النفخية للعرس دون غيره ويرى فريق من الشافعية جواز الشبابة (اليراع) بينما ذهب ابن حزم إلى الجواز مطلقا.
انظر: )البحر الرائق, ج8/ص215، حاشية الدسوقي, ج2/ص339, مغني المحتاج, ج4/ص429, المحلى, ج9/ص 713).
خلاصة الرأي في المعازف:
لو نظرنا إلى الآراء السابقة لوجدنا أن الفقهاء متفقون على حرمة المعازف التي تستثير الشهوات والغرائز، وهذا هو واقع الموسيقى اليوم فلو أردنا أن نطبق الأقوال الفقهية السابقة على ارض الواقع لخرجنا بقول واحد وهو حرمة الموسيقى لاحتوائها على المجنون والفسوق والفحش من القول.
أما لو كانت الموسيقى لا تستشير الغرائز ولا تحرك الشهوات فمحل اختلاف بين أهل العلم، ولكن لابدّ من مراعاة الضوابط التالية:
1. سلامة مضمون الغناء من المخالفة الشرعية كالأغنية التي تصف المحبوبة والتي تخالف العقيدة والعادات والتقاليد.
2.سلامة طريقة الأداء من التكسر والإغراء.
3. عدم اقتران الغناء بأمر محرم كالخمر ولاختلاط
4. تجنب الإسراف في السماع.
5.ما يتعلق بالمستمع: وبعد هذا الإيضاح تبقى هناك أشياء خاصة تعلق بالمستمع نفسه لا تحيط بها فتوى المفتين ولا تضبط بل توكل إلى ضمير المسلم ويكون كل مستمع فيها فقيه نفسه ومفتيها, فإذا كان الغناء يستثيره ويغريه بالفتنة فعليه أن يتجنبه ويسد الباب الذي تهب منة الفتنة.
وهذا ما رجحه الدكتور القرضاوي في كتابة (فقه الغناء والموسيقى في ضوء القرآن والسنة, ص157- 194.(
وكذلك الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية, (في كتاب البيان لما يشغل الأذهان, ص353-356).
وغيرهم عدد كبير من المعاصرين.
والله تعالى اعلم.
امانة الفتوى
المفتي: فضيلة الدكتور مشهور فواز
أعدت الفتوى للنشر: مرام ابومخ

(سلسلة الرد المفحم على ادلة تحريم المعازف ) الدليل الرابع (حديث الكوبة والقنين)


أخرجه الإمام أحمد في مسنده فقال:
(حدثنا أحمد بن عبد الملك , حدثنا عبيد الله عن عبد الكريم , عن قيس بن حبتر عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : “إن الله حرم عليكم الخمر والميسر والكوبة “, وقال “كل مسكر حرام” )
حديث صحيح صححه الألباني وأحمدشاكر والجديع ورجاله ثقات.
وروى هذا الحديث ايضا الإمام احمد وابوداوود من طريق سفيان الثوري عن على بن بذيمه حدثني قيس بن حبتر به
وقد قال سفيان في روايته (قلت لعلي بن بذيمة : ما الكوبة, قال : الطبل) إنتهى
فمن قال بالتحريم قال أن الحديث يدل على تحريم الآت الموسيقية لأنه صريح في تحريم الكوبة وهي تفسر بالطبل وجاء في بعض روايات الحديث و(القنين) وهي تفسر بالبربط أو العود.
الرد
معنى الحديث لايدل على تحريم المعازف
أولا: أن معنى الكوبة مختلف فيه ويكفيك في إثبات ذلك سؤال الإمام سفيان الثوري وغيره من الرواة* عن معناها فتأمل.
بل وجاء الحديث في مسند الإمام أحمد )حدثنا هاشم قال حدثنا فرج قال حدثنا إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله حرم على أمتي الكوبة يعني بالكوبة كل شيء يكب عليه) إنتهى
و في معالم السنن الجزء الرابع في شرح هذا الحديث #1586 قال الخطابي (ت 388 هـ) (والكوبة يفسر بالطبل ويقال هو النرد) إنتهى
وجاء في مغتي المحتاج عن الأسنوي (ت772 هـ) وهو من فقهاء اللغة الشافعية (قال في المهمات: تفسير الكوبة بالطبل خلاف المشهور في كتب اللغة. قال الخطابي: غلط من قال إنها الطبل، بل هي النرد) ا هـ
أما الملا علي القاري في شرح مسند أبي حنيفة فذكر أن الكوبة هي النرد والشطرنج.
وفي الآداب للبيهقي ذكر الحديث وقال ( قاله إبن الأعرابي. وقيل في الكوبة : هو الطبل , وقيل : هي النرد , وقيل هي البربط) إنتهى
وفي لسان العرب:
باب :كوب
(الكوبة: الشطرنجة
والكوبة : الطبل والنرد وفي الصحاح: الطبل الصغير المخصر
قال أبو عبيد : أما الكوبة فإن محمد بن كثير أخبرني أن الكوبة النرد في كلام أهل اليمن, وقال غيره الطبل.
قال إبن الأثير: هي النرد وقيل الطبل وقيل البربط باب : قنن
والقنين طنبور الحبشة؛ عن الزجاجي: وفي الحديث إن الله حرم الخمر والكوبة والقنين؛ قال ابن قتيبة: القنين لعبة للروم يتقامرون بها. قال الأزهري : ويروى عن إبن الأعرابي قال: التقنين الضرب بالقنين, وهو العود والطنبور بالحبشية, و الكوبة الطبل ويقال النرد ؛ قال الأزهري: وهذا هو الصحيح.
ويجب ملاحظة ان عبد الله رمضان موسى هداه الله قام ببتر تفسير إبن الأعرابي لمعنى الكوبه ولم يذكر تفسيرابن الأعرابي لها ب(النرد) ثم أسهب في تمجيد وتعظيم قيمة إبن الأعرابي في اللغة تشغيبا وإخفاء لما قام به من إبتسار وليخضع القاريء لكلامه وللأسف هذا منهجه في كثير من أجزاء كتابه. ثم عارض إستشهاد الشيخ الجديع بترجيح الأزهري لمعنى الكوبة بالنرد عندما قال (وهذا هو الصحيح) لأن ترجيج الأزهري وكلامه كان في باب (قنن) أي أن الكلام عن القنين وليس الكوبة. ولكن يعارض ما ذهب إليه عبدالله رمضان موسى ويؤيد فهم الشيخ الجديع وضع محققي لسان العرب لفاصلة منقوطة بعد النرد مما يشير لإرتباط كلام الأزهري به ثم إن تفسير النرد هو أقرب مذكور لكلام الأزهرى فيكون هو المقصود في الأغلب كما تدل قواعد اللغة ولكن على أي حال يكفي إثبات التردد الكبير في معنى الكوبة والقنين عند اللغويين ثم لننظر للقرائن.
إذا فالكوبة تفسر بالشطرنج والنرد والبربط والطبل الصغير المخصر
وقد يقول قائل أن من رواة الحديث كعلى بن بذيمة من فسرها بالطبل وهذا يؤكد أنها الطبل فالراوي أعلم بما روى وقد بيننا عدم صحة هذا التوجه لأن هناك من الرواة من فسرها بغير ذلك كما بيننا!
وقد أجاب أيضا عن هذا الشيخ الجديع فقال ص 130 :
(هذه الدعوى لا يسلمها من حيث التأصيل نقل صحيح ولا نظر صريح فقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله " نضر الله أمرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه"
وابن بذيمة لم يقم له من الاوصاف مايصير تفسيره حجة وإذا كان أهل العلم قد إختلفوا في تفسير الراوي من الصحابة** للفظ في روايته فكيف الشأن فيمن بعدهم من الرواة؟! نعم هناك من تبع إبن بذيمة في تفسيره لكنهم لكنهم جروا على أثره) إنتهى
وقال أيضا:
(بحثنا عن شاهد يقوي تفسير الكوبة بالطبل , فأقدم ما وجدناه قول على بن بذيمة أحد الرواة في سلسلة الإسناد, وعلي هذا رجل من أتباع التابعين من الموالي, كوفي نزل حران وهو ثقة جيد الحديث موته سنة (136 هجري) ولم يقل أحد فيه كان أعرابيا فصيح اللسان يعتمد قوله لذاته, وليس بفقيه يعرف دلالات الألفاظ ومخارجها ليعتمد تفسيره, ولا بلغوي عرف بالعناية بلسان العرب...إنما غاية أمره أن يكون رجلا من النقلة وفيهم كثير من ثقات العجم فهل يصح في العلم إعتماد من هذا وصفه في هذا المقام؟! أما قول إبن الأعرابي وهو من أعيان اللغويين فعليك أن تلاحظ أنه كذلك ذكر تفسيره بالنرد***, ثم إن تقديم ما حكاه رجل من أهل اليمن وهو محمد بن كثير الصنعاني عن أهل بلده , وهم أهل اللسان وهو ليس ببعيد الطبقة عن علي بن بذيمة) إنتهى
ثانيا: ثبت في الأدب المفرد للبخاري أن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الكوبة بالنرد وهو فضالة بن عبيد رضي الله عنه حين بلغه أن أقوام يلعبون بها فقال (إن اللاعب بها ليأكل قمرها كآكل لحم الخنزير ومتوضيء بالدم يعني بالكوبة النرد).
وهذا الصحابي الذي عاصر التشريع وعرف ما درج من اللغة والألفاظ في عصر التشريع لذا فتفسيره للفظ الكوبة مقدم على تفسير غيره كعلي بن بذيمة , وهنا كان التحذير منها حيث تستخدم النرد (الكوبة) للميسر والقمار.
بل وثبت ماسبق من تحريم النرد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح مسلم :
(من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه)
وروي عن عبد الله إبن عمر قوله (النرد ميسر) كما جاء عند الآجري في كتاب (تحريم النرد والشطرنج).
فالنرد هي الثابت تحريمها وقد كانت تستخدم للقمار والميسر أما الطبل فلم يثبت تحريمها في أثر آخر بل إن الدف الذي وردت الآثار الصحيحة قطعية الثبوت صريحة الدلالة بإستخدامه ليس إلا نوعا من الطبول فكلاهما جلد مشدود يقرع عليه باليد أو العصا ولا يكاد الصوت بين الدف و الطبل يتميز بل هو واحد!!
وهذا بخلاف ماجاء من آثار ضعفها البعض وصححها آخرون عن إستخدام الطبل مثل (كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكبر – الطبل- والمزامير, ويتركون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائما على المنبر وينفضون فأنزل الله : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } .) قال عنه الوادعي رجاله رجال الصحيح وصححه الشيخ الجديع وضعفه آخرون.
وكل ماسبق يرجح أن المقصود من حديث الكوبة هي النرد فهي الثابت تحريمها وليس الطبل.
ثالثا : لقد أوتي رسول الله عليه الصلاة والسلام جوامع الكلم و في هذا الحديث تحريم الميسر وتخصيص النرد للتشديد في تحريمها لشهرتها في الجاهلية كنوع معين من القمار أو الميسر يعطي معنى شامل واضح, بل ويتماشى مع نص واسلوب القرآن الكريم الذي تلازم فيه تحريم الخمر والميسر , فلم يرد تحريم الخمر في القرآن الكريم إلاوأقترن به تحريم الميسر****
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) البقرة 219
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) 90-91 المائدة
ووجد هذا التلازم أيضا في لغة العرب وأشعارهم فنذكر كذلك قول القائل : (((لا يزال معه كوب الخمر وكوبه القمر)))
قال الزمخشري في أساس البلاغة ص400 : (وهي النرد والشطرنج ) إنتهى والقمر هو القمار .
إذا فالكوبة هي آلة قمار وميسر تتم معنى الحديث أما إذا أخذنا بالمعنى اللغوي الآخروهو أن الكوبة هي الطبل الصغيرالمخصر تحديدا: فماذا عن باقي أنواع الطبول الكبيره والصغيره وماذا عن باقي الآلات الموسيقية؟؟!!!
ولايقولن قائل ممن يحرم الموسيقى أن (الطبل الصغير المخصر) مجاز عن الآلات الموسيقية فأنتم تتشددون في تخصيص كل شيء و تتابعون حرفية النصوص ((فمثلا سماع ابن عمرالمزمارحادثة عين خاصة والمرأة التي ضربت بالدف عند النبي إستثناء خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم والآلة الوحيدة المباحة هي الدف فقط و لا تستخدم الدف إلا في العرس أو العيد فقط و ولايستخدم الدف الا النساء فقط ...إلخ)), فنرجو منهم الثبات على منهجهم وطبقا له – إن صح تفسيرهم للكوبة - فلا يحرم إلا (الطبل الصغير المخصر) فقط وإن أبو فعليهم قبول العكس أن العود والجيتار والمزمار والإكسيليفون واالطبول وغيرها يجوز إستخدامها ..قياسا على الدف !!.وهذا بالطبع إذا خلت من المحرمات ولكن رغم ذلك فتفسير الكوبة بالطبل في هذا الحديث ضعيف لا يترجح.
والخلاصة أن معنى لفظ الكوبة كما ترجح ليس الطبل بل هو نرد الميسركما إستعمله الصحابة وأهل اليمن ومع ما يتقارب مع إسلوب القرآن الكريم وما يعطي معنى أشمل وأوضح للحديث وعلى أي حال فإن قيل لا بل إن إحتماله يتساوى مع إحتمال انه الطبل ففي هذه الحالة تطبق قاعدة إذا تطرق الإحتمال بطل الإستدلال فلا يستدل بها على تحريم الطبل والله أعلم.
إعتراضات والجواب عنها
- منزلة العلماء الذين أخذوا بتفسير الكوبة :
عبدالله رمضان موسى حاول تأكيد أن الكوبة تعني الطبل عن طريق التأكيد على تعظيم قدر العلماء والأئمة مثل سفيان الثوري وانه طالما أخذ بتفسير على بن بذيمه فهو بكل تأكيد يعرف ماذا يفعل وتوسع كثيرا في هذا الأمر ليس معه فقط بل مع كل من إعتضد برأيه في كتابه, ولا تعليق على هذا الكلام فهو دعوة للتقليد المجرد من الدليل!!
وكل يؤخذ من كلامه ويرد ولولا خطأ العلماء وتنوع إجتهاداتهم لما ظهرت المذاهب الأربعة والثمانية فلا كهنوت في الإسلام أوردنا تفاسير أخرى لمعنى الكوبة وردت عن الصحابة ورواة الحديث وكل منصف يعلم أن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.
- التأسيس أولى من التوكيد:
تمسك أيضا عبدالله رمضان موسى بقاعدة أصولية وهي أن التأسيس أولى من التوكيد بمعنى أنه في حالة تكرار ألفاظ وتردد بين أن يكون المعنى هو مجرد تكرار للتوكيد أم إضافة لمعنى جديد فالأولى تفسير الكلام على أنه إضافة معنى جديد. وبناء علي ذلك فالأولى تفسير الكوبة بالطبل وليس النرد
ويجاب عن ذلك بنقطتين تغلقان باب هذه الشبهة تماما نمهد بالأولى ثم نؤكد بالثانية بإذن الله:
- أن هذه القاعدة لا تجزم بالتوكيد ولكن ترجح أنه أولى فقط عند عدم القدرة على الترجيح ويعرف ذلك بالقرائن وكل القرائن والدلائل السابقة ترجح بجلاء أن المراد هو النرد.
- ورغم ذلك فقد حدث تأسيس لمعنى جديد وليس توكيد حيث أسس الحديث معنا جديدا بالفعل بذكر الكوبة (والقنين كما جاء في رواية أخرى) وهو تخصيص انواع معينة من الميسر فالحديث يحرم الميسر بصفة عامة ثم ينتقل ليتحدث عن نوع مخصوص من الميسر وهو الكوبة أي النرد ربما لشهرته وإنتشاره في الجاهلية, كما ذكرت بعض روايات الحديث بعد تحريم الخمر تحريم الغبيراء وهي نوع مخصوص الخمر المتخذة من الذرة خصوصا بعد تحريم الخمر عموما في بداية الحديث.
وهو من باب عطف الخاص على العام، فعطفه عليه يقتضي مغايرة له، وهو ليس غيرا له، بل هو فرد منه، ولكنه غايره في المفهوم، فهذا مفهومه كلي، وذلك مفهومه جزئي، فساغ التغاير لنكتة تختص بهذا الفرد الخارج عن العام.
كما في قوله تعالى (من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوٌ للكافرين)
فلا يقال: جبريل وميكال معطوفان على الملائكة والعطف يقتضي المغايرة، فجبريل وميكال ليسا من الملائكة ولا من الرسل!!
ولا يقال: إن جبريل وميكال من جنس الملائكة، وهو معلوم بالاضطرار من دين المسلمين، وعليه فتكون قاعدة: العطف يقتضي المغايرة منتقضة أو أغلبية لا كلية.لأن المغايرة حاصلة بين مفهوم العام ومفهوم الخاص، فدلالة الخاص على الفرد قطعية نصية، ودلالة العام على كل فرد له ظنية ظاهرية.ونكتة العطف هنا: أن جبريل وميكال اختصا بصفات أوجبت تخصيصهما بالحكم، مع كونهما داخلين في حكم العام.وهذا التخصيص يعود إما لأفضليتهما على باقي الملائكة وإما لأن اليهود خصوهما بالعداوة دون باقي الملائكة.
بالمثل فالكوبة والقنين هي أنواع من القمار أو الميسر خصها أهل الجاهلية بكثرة الإستخدام والشهرة فكان عطفهما للتحذير منهما من باب عطف الخاص على العام..
وهذه القاعدة مثال على قولنا أن كتاب (الرد على القرضاوي والجديع) مليء بالقواعد المحمولة على غير وجهها
والله اعلم.
- وردت روايات جاء فيها مع الكوبة لفظ القنين وهي تفسر بالبربط أو العود
وهي روايات كلها مثخنه بالجراح فأسانيدها لم تخل من الضعفاء والمجاهيل مثل:
أ‌) في مسند الإمام أحمد جاء حديث ( 3 / 422 ) (حدثنا يحيى بن اسحاق ثنا يحيى ابن ايوب عن عبيد الله بن زحر(ضعيف) عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله حرم علي الخمر والكوبة والقنين وإياكم والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم" قال : قلت ليحيى ما الكوبة؟ قال: الطبل.
وهو إسناد ضعيف فعبيد الله بن زحرضعيف ضعفه عدد من الأئمة وضعفه الألباني في اكثر من موضع من كتبه.
كما أن بكر بن سوادة - توفي سنة 128 كما قال الذهبي في السير- , لم يدرك قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه وقد توفي سنة 59 في نهاية خلافة معاوية رضي الله عنه.
وحاول عبدالله رمضان موسى ترجيح لقائهما وقال (الذي يظهر هو اتصال السند) إنتهى
ولكن هذا لايمكن الجزم به فهو بعيد والله اعلم
ب‌) وايضا في مسند الإمام أحمد ( 2 / 165 و 167 ) حدثنا يزيد أخبرنا فرج بن فضالة (ضعيف) عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع (مجهول) عن ابيه (ضعيف) عن عبد الله بن عمرو
ج) وأيضا في مسند الإمام احمد ( 2 / 172 ) حدثنا يحيى حدثنا ابن لهيعة (ضعيف) عن عبدالله بن هبيرة عن ابي هبيرة الكلاعي(مجهول) عن عبد الله بن عمرو بن العاص
د) وجاء في جامع إبن وهب ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10ِ\222) قال إبن وهب (أخبرني الليث بن سعد و ابن لهيعة (ضعيف) عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد بن عبده عن قيس بن سعد وكان صاحب راية النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله...ولم يذكر الليث القنين) إنتهى
ولفظة (القنين) وهي زيادة ضعيفة تفرد بها هنا ابن لهيعة ولايحتمل تفرده وقد ضعفه جم كثير من الحفاظ ولكن حاول مؤلف كتاب (الرد على القرضاوي والجديع) تصحيح هذه اللفظة التي إنفرد بها لأن عبدالله ابن وهب حديثه عن ابن لهيعة أصح من غيره وبعضهم صححه كما قال بعض الحفاظ لأنهم أخذوا عنه قبل إحتراق كتبه. وبالفعل حديثه عن العبادلة أصح، ولكنه يظل ضعيفا - أيضًا - ؛ قال الذهبي :
( حدّث عنه بن المبارك وابن وهب وأبو عبد الرحمن المقرئ وطائفة، قبل أن يَكْثُر الوهم في حديثه، وقبل احتراق كتبه، فحديث هؤلاء عنه أقوى، وبعضهم يصححه، ولا يرتقي إلى هذا) تذكرة الحفاظ 1 / 238 .
وهذا ما ذهب إليه الدارقطني فقال (يعتبر بما يرويه عنه العبادلة) إنتهى أي ليس للإحتجاج.
وقال الذهبى أيضا في الكاشف ص590: (العمل على تضعيف حديثه) إنتهى
إذا فحتى عن العبادلة حديث إبن لهيعة ضعيف لايصحح ولا يحتج به وإنما يكتب للإعتبار.
والعجيب أن عبدالله رمضان موسى كالعادة تجاهل كل هذا وأورد كلاما مبتسرا من سياق كلام الذهبي رحمه الله في التذكرة بما يوحي أن خلاصة حكمه على إبن لهيعة هي التوثيق وهو نفس ما فعله مع كلام ابي زرعة الرارزي الذي قال عن ابن لهيعة
(ضعيف، وأمره مضطرب يكتب حديثه على الاعتبار، وكان لا يضبط، ولما سئل عن سماع القدماء منه قال: آخره وأوله سواد إلا أن ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله فيكتبان منها) إنتهى.
فلم يذكر عبدالله رمضان موسى من كلام ابي زرعة إلا تتبع ابن وهب لأصوله فقط ولم يذكر باقي كلامه الذي يدل على تضعيفه مطلقا وكذلك أكتفى بما روي عن توثيق الإمام احمد لإبن لهيعة ولم يذكر قول الإمام أحمد بن حنبل عنه: (حديثه ليس بحجة) إنتهى
ولا تعليق على ذلك!
ولكن على أي حال فلو قلنا بتحسن اللفظة بمجموع طرق الحديث فهي ظنية الدلالة أيضا كما سبق عن تفسير القنين
(قال ابن قتيبة لعبة للروم يتقامرون بها. قال الأزهري : ويروى عن إبن الأعرابي قال التقنين الضرب بالقنين, وهو العود والطنبور بالحبشية)
وقيل لعبة يتقامرون بها حكاه الزمخشري في كتاب (الفائق) عن الأعرابي (الشوكاني ص 35)
وهو مثل ما سبق تفصيله في الكوبة.
والحمدلله رب العالمين
ملاحظات
(*) في مسند الإمام أحمد جاء حديث (حدثنا يحيى بن اسحاق ثنا يحيى ابن ايوب عن عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله حرم علي الخمر والكوبة والقنين وإياكم والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم" قال : قلت ليحيى ما الكوبة؟ قال: الطبل.
ويحتمل هنا أن السائل هو الإمام أحمد ليحيى بن إسحق (ت 210) وهو الغالب أو ان يحيى بن إسحق سأل يحيى إبن أيوب (ت 163 ) والله أعلم
(**) مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني (ت 977) - ج 4 - الصفحة 430
http://shamela.ws/index.php/author/1496
(**) إختلاف الصحابة في التفسير والفقه دليل واضح على أن تفسيرهم غير قطعي أو ملزم وإن كان تفسيرهم أولى ويقدم على غيرهم وقد قال ابن عبد البر في التمهيد (4|263): "وفي هذا الحديث من الفقه: أن الصحابة إذا اختلفوا، لم تكن الحجة في قول واحدٍ منهم إلا بدليلٍ يجِبُ التسليم له من الكتاب أو السنة. ألا ترى أن ابن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا، فلم يكن لِواحدٍ منهما حُجة على صاحبه، حتى أدلى ابن عباس بالسنة ففلج".
(***) عبدالله رمضان موسى أورد كلام إبن الأعرابي مبتورا فلم يورد تفسير إبن الاعرابي للكوبة بالنرد!!
(***) مع ملاحظة أن تحريم الميسر ليس من باب دلالة الإقتران بل بدلالة العطف حيث جاء التصريح بالتحريم في المعنى (الخمر فيه إثم والميسر فيه إثم) ومعنى اللآية الثانية (الخمر رجس والميسر رجس فإجتنبوهما)

(سلسلة الرد المفحم على ادلة تحريم المعازف)

الدليل الثانى
الدليل الثانى من ادلة المحرمين حديث المعازف الشهير الذى رواه البخارى (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخرى معلقا
الرد
اولا الحديث لايصح مع التنبيه اولا الى ان العلل التى اعل ابن حزم الحديث بها علل ساقطة ولكننا نضعفه لعلة اخرى لم ينتبه لها ابن حزم ولا الالبانى فالحديث متصل ولكنهم أغفلوا العلة الأهم وهي عطية بن قيس
وعطية بن قيس رحمه الله من القراء الصالحين لكن الكلام هنا عن ضبطه الحديث وليس عن عدالته وصدقه فمعلوم ان درجة الثقة تحتاج كلا من (العدالة والضبط) وتثبت النقاط التالية أنه علة الحديث فبجوار تردده في الحديث الذي هو قرينة واضحة على ضعف ضبطه:
1- هل تم توثيق عطية إبن قيس ام جرحه؟!
قال عنه أبوحاتم الرازي : صالح الحديث
وقال ابن سعد: كان معروفا وله أحاديث
وإبن حبان: ذكره في الثقات
وقال البزار: لا بأس به
وقال إبن حزم: مجهول
وهذا كله يقول أن حديث عطية ضعيف لايحتج به وسنوضح كلام الأئمة- كلام أبوحاتم الرازي قال الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله (ت 277 هـ ) عن عطية بن قيس : (صالح الحديث)
أما عن معنى «صالح الحديث» من كلام ابي حاتم فيفسره كلام الشيخ الألباني رحمه اللّه في السلسلة الضعيفة 3\112 - 1031عن عتبة ابن ابي حكيم إذ يقول «و هذا و إن كان توثيقا في اعتبارالمحدثين ، و لكنه ليس كذلك بالنظر إلى اصطلاح أبي حاتم نفسه ، فقد ذكر ابن ابي حاتم في مقدمة الجزء الأول من " الجرح و التعديل " « ص 27 » ما نصه
«و وجدت الألفاظ في الجرح و التعديل على مراتب شتى ، فإذا قيل للواحد :
إنه ثقة ، أو متقن ، أو ثبت ، فهو ممن يحتج بحديثه،
و إذا قيل : إنه صدوق ، أو محله الصدق ، أو لا بأس به، فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه، و هي المنزلة الثانية
و إذا قيل : شيخ فهو بالمنزلة الثالثة ، يكتب حديثه و ينظر فيه ، إلاأنه دون الثانية،
وإذا قيل : صالح الحديث ، فإنه يكتب حديثه للاعتبار ، و إذا أجابوا في الرجل بلين الحديث ، فهو ممن يكتب حديثه و ينظر فيه اعتبارا »» فهذا نص منه على أن كلمة (صالح الحديث) مثل قولهم (لين الحديث) يكتب حديثه للاعتبار و الشواهد. و معنى ذلك أنه لا يحتج به. فهذه العبارة من ألفاظ التجريح لا التعديل عند أبي حاتم، خلافاً لما يدل عليه كلام السيوطي في التدريب (233)».إنتهى
وأبو حاتم من أئمة هذا الفن وعرف عنه انه متشدد لايتساهل في التوثيق لذا فقد قيل من وثقه ابو حاتم فأعضض عليه بالنواجذ , ولكن غير كلام أبو حاتم – وهو جرح وليس تعديلا كما بيننا- لا يوجد اي توثيق معتبر لعطية بن قيس بل سنرى معنى قول كلام البزار (لا بأس به) وأنه على تساهله يوافق أبوحاتم!
- كلام إبن حبان
عطية بن قيس ذكره ابن حبان في "الثقات" وهو يوثق المجاهيل وهذا معروف مشهور عن ابن حبان فهو يوثق من لايعرف من التابعين.
وقد عنون عبدالله رمضان موسى في كتابه (الرد على القرضاوي والجديع) ص170 مايلي:
(القاعدة السابعة : بيان عدم صحة الاعتماد على مجرد ذكر اسم الراوي في كتاب (الثقات لإبن حبان, إلا إذا صرح إبن حبان بما يدل على معرفته بضبط الراوي) إنتهى
قال الالباني رحمه الله (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (2/ رقم 633/ ص218-219):
(العجلي معروف بالتساهل في التوثيق ، كابن حبان تماماً ، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم)
قال العلامة عبدالرحمن المعلمي رحمه الله في (التنكيل)(1/66)
( و العجلي قريب منه- أي ابن حبان- في توثيق المجاهيل من القدماء).
وقال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في كتابه (المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح)( رقم 32/37-38)
(الذي يوثقه أحدهما أو كلاهما – ابن حبان والعجلي - فقد لا يكون بمنزلة صدوق، ويصلحُ في الشواهد والمتابعات، وإن كان العجلي يعتبر أرفعُ في هذا الشأن، فهما متقاربان).إنتهى
- كلام البزار
وقال البزار عن عطية بن قيس في "كشف الأستار" (1|106): (لا بأس به) .
والبزار كابن حبان متساهل يوثق المجاهيل، كما ذكر السخاوي في "فتح المغيث". بل إن كلمة (لا بأس به) تنزله عن درجة الثقة حتى عند البزار وهو متساهل!.
قال مقبل الوادعي في (المقترح): (أما البزار فقد عرف تساهله). وقال فيه (ص104): (ثم إنه قد عرف تساهل البزار في التوثيق، وكذا في التصحيح).
وقال عنه الألباني (كما في سؤالات أبي الحسن): (متساهل في توثيقه).
ولو غضينا الطرف عن موضوع التساهل فاسمع لهذا الكلام الدقيق من الشيخ أبي إسحق الحويني تعليقا على قول البزار في أحد الرواة ليس به بأسفالشيخ بين دلالته في كتابه (النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة)\113 كالآتي:
(( قلت بل البراء بن يزيد الغنوي ضعيف, ضعفه أحمد وإبن معين والنسائي وغيرهم وقال إبن حبان ((كان هذا الغنوي كثير الإختلاط, كثير الوهم فيما يرويه)) فقول البزار ليس به بأس فيه نوع تساهل كما عرف عنه رحمه الله ونبهت عليه في غير موضع على أن الحافظ نقل عن البزار أنه قال ((ليس بالقوي وقد إحتمل حديثه)) وفي هذا النقل فائدة تبين لنا أن من قال فيه البزار ((ليس به بأس)) يعمل به في الشواهد والمتابعات) إنتهى
مما يعني أن البزار على تساهله يوافق أبا حاتم على أن عطية بن قيس يعمل به في الشواهد والمتابعات ولايحتج به أي جرح أيضا
- كلام إبن سعد
قال ابن سعد عن عطية بن قيس : (وكان معروفاً، وله حديث) وليس في هذا اي توثيق لضبطه فنعم هو معروف بذاته ومعروف بصلاحه ولكن لاشيء عن ضبطه بل إن هذا الإبهام في التوثيق يثير التساؤل.
فالواضح بجلاء أن عطية إبن قيس هو علة الحديث التي تجعله ضعيفا وإن كان يتحسن بمتابعة مالك بن أبي مريم في موضع الشاهد
ولكن قد قيل أن ابن حجر وثق عطية بن قيس في التقريب ص393 فقال : (ثقة مقريء) والواقع أن إبن حجر رحمه الله فهم أن أبو حاتم قواه – أوربما لم ينتبه - فوثقه بناء على ذلك حيث قال في فتح الباري:
(هو شامي تابعي قواه أبو حاتم وغيره) إنتهى
وهذا عكس او خلاف مراد ابوحاتم كما سبق تفصيله وهذا توضيح مهم جدا لأن كثيرا من الناس يقول عند الكلام على عطية بن قيس (ت 121 هـ ) : قد وثقه إين حجر (ت 852 هـ)
وقد اعتمد رحمه الله على تفسير غير صحيح لمراد أبي حاتم , فإن قيل قد قال (ابو حاتم وغيره) فقد ذكرناهم وهم ابن حبان والبزار وابن سعد وليس في أي منهم توثيق معتبر بل جرح كما بيننا....
أخيرا قال إبن حزم في المحلى عن عطية ابن قيس (مجهول)
وبجوار جرح إبن حزم والبزار وأبو حاتم فمن المعاصرين من أشار لعدم توثيق عطية مثل الشيخين شعيب الأرنأؤؤط وبشار عواد حيث أنزلا عطية بن قيس عن درجة الثقة وقالا في كتابهما (تحرير تقريب التهذيب) : صدوق حسن الحديث ولم يؤثر توثيقه عن كبير أحد من الأئمة وروى عنه جمع وذكره إبن حبان في الثقات) إنتهى
وقد حسنا حديثه إعتمادا على ذكر إبن حبان له في الثقات (وقد بيننا عدم كفاية ذلك) وأنه قد روى عنه جمع وهذا ما سيناقش بحول الله فيما يلي.
أيضا ضعف الحديث بعطية من المعاصرين الشيخ حسان عبد المنان وكان له خلاف كبير مع الشيخ الألباني.
ولن تجد إجابة إجابة في كتب المعاصرين ممن يقول بالتحريم إجابة على تضعيف عطية بن قيس سوى تقليد يخالف الدليل.
وفي هذا رد قاطع على من قال أن إبن حزم زل بإعلاله الحديث بالإنقطاع وأنه لو وصل الحديث إلى هشام لصححه , وهذا كلام غير صائب فهاهو إبن حزم يقول بعلة أخرى قادحة في الحديث وهي عطية بن قيس ولكنه إكتفى بالإنقطاع إختصارا.
2- عطية بن قيس ليس من رجال البخاري وقد أوضح عدد من الأئمة أنه إنما جاء إستشهادا وليس إحتجاجاولوصح أن البخاري إحتج به هذا فهو يعتبر توثيقا ضمنيا لعطية إبن قيس فكما قال أبو الحسن المقدسي:
(كل من روى عنه البخاري في صحيحه فقد جاز القنطرة).إنتهى
ولكن كما اوضحنا فالمعلقات الغيرموصولة في موضع آخر ليست من موضوع الكتاب وقد عقد ابن حجر في مقارنة بين موطأ مالك وصحيح البخاري فقال:(والفرق بين ما فيه من المقطوع والمنقطع – الموطأ - وبين ما في البخاريّ مِن ذلك واضحٌ لأن الذي في الموطأ مِن ذلك هو مسموعٌ لمالك كذلك في الغالب، وهو حجّةٌ عنده وعند مَن تبعه. والذي في البخاريّ مِن ذلك قد حذف البخاريّ أسانيدها عمداً ليخرجها عن موضوع الكتاب، وإنما يسوقها في تراجم الأبواب تنبيها وإستشهادا وإستئناسا وتفسيرا لبعض الآيات. وكأنه أراد أن يكون كتابه كتاباً جامعاً لأبواب الفقه وغير ذلك مِن المعاني التي قصد جمعه فيها). اهـوبجوار رأي إبن حجر والإسماعيلي أنها للإستشهاد وليس للإحتجاج فقد أسلفنا كذلك رأي إبن القطان في أن هذه المعلقات ليست على شرط الصحيح ورأي الذهبي في إنقطاع حديث المعازف وتضعيف إبن حزم وتضعيف المهلب لحديث المعازف مما يعني أنهم يرون المعلقات ليست داخلة في الصحيح ولو تتبعنا عطية إبن قيس تحديدا عند محدث الشام المزي (ت 654هـ) في تهذيب الكمال لوجدناه قد رمز لعطية بن قيس برمز التعليق (خت) أي البخاري في التعاليق وقال: (إستشهد له البخاري بحديث واحد) إنتهى
وهو نص صريح في أن البخاري لم يحتج بحديث عطية وإنما إستشهد له بحديث واحد فقط.وكل من سبق ذكرهم هم كبار أئمة الحديث.

3- تبويب البخاري يوضح أنه أورد الحديث إستشهادا وليس إحتجاجا فقد جاء الحديث في باب (باب ما جاء فيمن يستحل الخمر و يسميه بغير اسمه).ففي التبويب جمع البخاري رحمه الله بين
حديث عطية بن قيس
وحديث مالك إبن أبي مريم
حيث أن مقطع (ويسميه بغير إسمه ) هو لفظ غير موجود في حديث عطية وإنما هو من حديث مالك إبن أبي مريم الذي أورده البخاري رحمه الله في كتاب التاريخ الكبير حيث قال في ج1/ص304:
(إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية عمن أخبره عن أبي مالك الأشعري أو أبي عامر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر والمعازف قاله لي سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا الجراح بن مليح الحمصي قال ثنا إبراهيم قال أبو عبد الله- البخاري- وإنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري حديثه في الشاميين
حدثنا عبد لله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)انتهى.
وهذا الحديث أيضا ليس على شرط الصحيح فهو ضعيف ففيه مالك بن ابي مريم (مجهول) وحاتم بن حريث ولكن الملاحظ فيه بوضوح عدم وجود لفظ (يستحلون المعازف) بل إن الوعيد هو على شرب الخمر وتسميته بغير اسمه، وليس بسبب المعازف التي هي مجرد وصف لحالهم يبين تمام إنشغالهم وغفلتهم كما جاء في حديث نهاية الزمان عن وصف (الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان).
والحديث ينعي علي أخلاق جماعة إسترسلوا في الترف والفواحش والليالي الحمراء وشرب الخمور قال ابن حزم في المحلى ج9\ص57: (ليس فيه أن الوعيد المذكور إنما هو على المعازف. كما أنه ليس على اتخاذ القينات. والظاهر أنه على استحلالهم الخمر بغير اسمها. والديانة لا تؤخذ بالظن). إنتهى

والخلاصة أن البخاري رحمه الله لم يحتج بالحديث وإنما إستشهد به فالحديث جاء من روايتين كلاهما لا يبلغ شرط البخاري ولكن الجمع بين الروايتين يحسن ويقوي موضع الشاهد وهو (المعنى المتكرر) فيهما ويؤكد ان لها أصلا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضع الشاهد هو (أن قوما في آخر الزمان أقاموا على الخمر وإستحلوها فعاقبهم الله وخسف بهم).فإستشهد البخاري في صحيحة برواية عطية في هذا الأمر أما لفظ (يستحلون المعازف) فهي شاذة عند عطية فقط ولا يحتمل تفرده.
الحديث عد البخاري في (باب الأشربة ) ولو كان لفظ (يستحلون المعازف) صحيحا عند البخاري لأخرجه في باب منفصل (باب المعازف) كما يفعل من تقطيع الأحاديث التي يحتج بها في ابواب مختلفة ليشمل كتابه المعاني المختلفة الموجودة في الحديث الواحد ولكنه لم يفعل رغم أن الموسيقى والمعازف مما عمت به البلوى وأمر موجود ومنتشر في كل عصر وزمان ورغم أن هذا الحديث (لوصح) هو عمدة في بابه بل هو الحديث الرئيسي الذي يحتج به من يحرم المعازف...ولكنه لم يفعل
وقد إنعقد إجماع الأمة على أن التراجم التي وضعها البخاري في تراجمه تنم عن فهم عميق وفقه ونظر دقيق في معاني النصوص حتى إشتهر بين أهل العلم أن ((فقه البخاري في تراجمه)) فأين ترجمته لتحريم المعازف والحديث بين يديه؟!!!!!!!!!!!!
بل ولو صح الحديث لأخرج الحديث تلميذه ورفيقه مسلم فالحديث معروف وموجود في البخاري ولكن مسلم لم يحتج به بل لم يورده أصلا , وقد بالغ الدارقطني في وصف إقتفاء مسلم أثر البخاري فقال:
( لولا البخاري لماذهب مسلم ولاجاء)
وقال ( وأي شيء عمل مسلم إنما أخذ كتاب البخاري فعمل عليه مستخرجا)
وهذا الكلام رد قاطع على كل بعض من يتقول على البخاري من أنه صحح الحديث بل وجزم بتحريم المعازف!!
وقد ذهب الألباني رحمه الله في كتابه تحريم آلات الطرب إلى تصحيح حديث مالك إبن أبي مريم فقال:
(وقول إبن القيم في موضعين من الإغاثة (1\347 و 361) " وهذا إسناد صحيح" وحسنه إبن تيمية كما سيأتي ..نعم ؛ الحديث صحيح)
وأضاف (فلولا أن البخاري يرى أن مالك بن أبي مريم ثقة عنده لما قدم روايته على روايتي هشام وإبراهيم ، فلعل هذا هو الذي لاحظه ابن القيم رحمه الله ؛ حين قال في حديث مالك هذا: " إسناده صحيح " ، والله أعلم) إنتهى .
وتصحيح الالباني لحديث مالك بن أبي مريم , وتصحيح إبن القيم للحديث لا يفعل شيئا إلا أن يؤكد أن لفظ (يستحلون المعازف) في حديث عطية بن قيس هو لفظ شاذ أو منكر!!
لكنه حديث ضعيف لم يبلغ شرط البخاري كما لم يبلغ حديث عطية شرط البخاري ولكن مجموع الحديثين يتحسن والذي يتحسن ويتقوى هو موضع الشاهد وهو (المعنى المتكرر) فيهما وموضع الشاهد هو (أن قوما في آخر الزمان أقاموا على الخمر وإستحلوها فعاقبهم الله وخسف بهم).فإستشهد البخاري في صحيحة برواية عطية في هذا الأمر (ولم يحتج بها منفردة) أما لفظ (يستحلون المعازف) فهي شاذة بل منكرة عند عطية فقط!!!!!!!!!!
بعض الإعتراضات والجواب عنها:
الإعتراض الأول: مسلم قد إحتج بعطية بن قيس في صحيحه
ويجاب عن هذا في الآتي
- كان هذا في المتابعات والشواهد ولم يحتج بعطية فهو لم ينفرد بأي حديث منها فقد أخرج له مسلم حديثين: الأول حديث رقم454 (باب أجر المفطر في السفر) وتابع عطية في نفس الباب ربيعة بن يزيد والثاني حديث رقم477 عن أبي سعيد الخدري، وقد توبع في الحديث التالي مباشرة رقم 478 عن ابن عباس. - مسلم أخرج لبعض الضعفاء في صحيحه مثل (اسباط بن نصر) و (قطن بن نسير) و(احمد بن عيسى المصري) طلبا لعلو الإسناد (إسناد أقصر وأقرب للنبي عليه الصلاة والسلام) مع كون الحديث ثابتا معروفا عند اهل الحديث من طريق الثقات (لكن من طرق اطول) وقد يفعل ذلك أيضا في المتابعات والشواهد.
ولذا قال إبن الصلاح
(وفيما ذكرته دليل على أن من حكم لشخص بمجرد راوية مسلم عنه في صحيحه بأنه من شرط الصحيح عن مسلم فقد غفل وأخطأ بل يتوقف ذلك على النظر في أنه كيف روى عنه على ما بيناه من انقسام ذلك) - لوكان عطية ثقة لأخرج له مسلم حديث المعازف كما فصلنا سابقا.
الإعتراض الثاني :عطية بن قيس أخرج له الترمذي :
وهذا لايعتمد عليه هكذا مجردا ...فقد إشتملت الكتب الأخرى غير البخاري ومسلم على الضعيف والحسن لغيره والصحيح لغيره فهم يصححون بمجموع الروايات , بل ولو تتبعنا أحاديث عطية بن قيس عند الترمذي تحديدا لوجدنا له حديثين فقط و لم ينفرد بأي منهما أيضا:
الأول حديث رقم 1684 عن أبي سعيد الخدري (باب ماجاء في الفطر عند القتال) توبع في الحديث رقم 712 عن ابي سعيد الخدري ايضا وفي الحديث 714 عن عمر بن الخطاب وأشار الترمذي لذلك في نهاية حديث عطية فقال حديث حسن صحيح وفي الباب عن عمر.الحديث الثاني رقم 2451 أيضا لم ينفرد به عطية حيث قال فيه الترمذي (حدثني ربيعة بن يزيد و عطية بن قيس) عن عطية السعدي.وهذا الحديث الأخير يوضح لماذا إعتقد البعض أن عطية بن قيس من الصحابة ذلك أن بعض الرواة خلطه مع عطية السعدي رضي الله عنه.
كما جاء في كتاب صفوة التصوف (عن عطية بن قيس السعدي وكان له صحبة) وهو وهم من الراوي وخلط منه بين رجلين مختلفين (عطية بن قيس) و (عطية السعدي)كما هو واضح ولكن هذا الكلام يقودنا للإعتراض التالي.
ملاحظة : عن إبن حجر في تقريب التهذيب المرتبة السابعة من مراتب الرواة(****) من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق ، وإليه الإشارة بلفظ : مستور ، أو مجهول الحال.
الإعتراض الثالث عطية من التابعين :
ير صحيح فلاعلاقة لكون عطية من التابعين بتوثيقه وضبطه فمعلوم مثلا أن ميناء مولى عبدالرحمن بن عوف كان من طبقة كبار التابعين وروى عن كبار الصحابة السيدة عائشة وعثمان بن عفان وأبو هريرة ورغم ذلك فترجمته في الجرح والتعديل كمايلي
((ميناء مولى عبدالرحمن بن عوف الذي روى عنه همام بن عبدالرازق ليس بثقة نا عبدالرحمن قال سألت أبي عنه فقال منكر الحديث روى أحاديث في أصحاب النبي مناكير لايعبأ بحديثه, كان يكذب)) إنتهى
وعلى هذا فطبقة عطية ليست كافية لتوثيقه وصلاحه ليس كافيا فلابد من ((العدالة والضبط)) معا وقد جاء في مقدمة مسلم عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه ((لم نر من الصالحين شيء أكذب منهم في الحديث . قال مسلم يجري الكذب على لسانهم ولايتعمدونه)) إنتهى
والمقصود أنهم يروون ما لاأصل له لضعف ضبطهم ... فمعرفة ضبط الراوي شيء فاصل ولانعرف شيئا عن ضبط عطية... وقد تفرد بلفظ (يستحلون المعازف) .. فيكون منكرا ...بل ويؤكد نكارته مخالفته إبن أبي مريم.
الإعتراض الرابع :عطية حافظ للقرآن فكيف يخطيء في حفظ الحديث بل كانوا يصلحون مصاحفهم بقرائته
وهذا أمر معروف بداهة لأئمة الحديث والقراءات ومشهور مستفيض أن حفظ الحديث وضبطه فن وعلم مختلف عن ضبط القراءة فلا يستلزم من كون الإنسان ثقة في علم القراءات أن يكون ثقة في علم الحديث والعكس ، فالقراء قد تفرغوالحفظ القرآن وقراءاته وضبطه ولم يتفرغوا للحديث وضبطه ,والنقول في هذا كثيرة جدا ونكتفي ببعض مما قاله الإمام شمس الدين الذهبي وقدكان إمامًا في علمي الحديث والقراءات:
قال الذهبي في ترجمة أبي عمر الدوري: (وقول الدارقطني ضعيف, يريد في ضبط الآثار, أما في القراءات فثبت إمام, وكذلك جماعة من القراء أثبات في القراءة دون الحديث كنافع والكسائي وحفص فإنهم نهضوا بأعباء الحروف وحرروها, ولو يصنعوا ذلك في الحديث, كما أن طائفة من الحفاظ أتقنوا الحديث ولم يحكموا القراءة, وكذا شأن كل من برز في فن ولم يعتن بما عداه) إنتهى
الإعتراض الخامس : حديث عطية توجد له متابعة عند البخاري في التاريخ:
قال الإمام البخاري رحمه الله في التاريخ الكبير ج1/ص304
إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية عمن أخبره عن أبي مالك الأشعري أو أبي عامر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر والمعازف. قاله لي سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا الجراح بن مليح الحمصي قال ثنا إبراهيم قال أبو عبد الله وإنما يعرف هذا عن أبي مالك الأشعري)
- وهذه المتابعة ضعيفة فالإسناد فيه إنقطاع فهو منقطع ) فلم يصرح بالراوي (عمن أخبره).
- الرواية ليس فيها موضع الشاهد أصلا فليس فيها (يستحلون المعازف) فالمتن كاملا غير مذكور والدين لاتبنى أو تنشأ أحكامه بالظن.
-
الرواية هي من طريق عطية بن قيس , فإبراهيم بن عبد الحميد من طبقة عطية ومعاصر له وكلاهما حمصي وما يؤكد هذا التردد (أبي مالك أو أبي عامر) فمصدره عطية كما قال إبن حجروالتردد غير موجود من طريق مالك إبن أبي مريم في روايته عن إبن غنم مما يثبت أن التردد من عطية فلم يتبق غيره إلا إبن غنم و يستحيل أن يكون التردد منه فهو ثقة روي أن له صحبة وقد روي عنه الحديث بغير تردد!!وكيف لايعرف الشخص الذي يحدثه؟! فلا جدال أن هذه ليست متابعة لعطية بل هي حديث عطية رواه عنه راو آخر.
- يجب التنبه أن كثيرا من العلماء قد صحح الحديث ووثق عطية إبن قيس إعتمادا على ما تم نقاشه سابقا ( توثيق إبن حجر -رأي ابن الصلاح من أن الحديث موصول - أن البخاري ومسلم قد إحتجا به ) وهذا ماوجدناه في كتاب (تحريم آلات الطرب) للألباني رحمه الله وكتاب (الرد على القرضاوي والجديع) لعبدالله رمضان موسى الذي قيل عنه أقوى ما ألف في التحريم حيث كان كامل التركيز على إثبات وصل الحديث وأن هشاما من شيوخ البخاري فمثلا عبدالله رمضان موسى إكتفى في كتابه بذكر أن عطية بن قيس ثقة ولم يفصل ذلك ثم جاء في الهامش ص71 فقال:
( هو ثقة عند الإمام البخاري لأنه إحتج بروايته في الصحيح, وقال الحافظ ابن حجر (عطية بن قيس ..ثقة مقريء).. ولم ينفرد عطية بن قيس بهذا الحديث عند عبد الرحمن بن غنم فد تابعه إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية) إنتهى
ثانيا الحديث لو صح فانه لايدل على تحريم المعازف
لانه ذكر عدة مفردات كالخمر والحرير والحر (الفرج) وعمليا عند تتبع الأدلة الصريحة والقطعية (بعيدا عن هذا الحديث) نلاحظ اختلاف هذه المفردات في أحكامها فمثلا الحرير يختلف حكمه عن الخمر
- فالحرير حلال للنساء حرام على الرجال والخمرحرام مطلقا لا اباحة فيها
- الخمر حد من حدود الله توجب الجلد أما لبس الرجال للحريرفليس حدا ولا يوجب الجلد,
- قليل الخمر ولو قطرة حرام بينما اليسير من الحريرللرجال من الفقهاء من يجيزه
بل وحتى الحر (الفرج) حكمه مختلف عن الخمر فهو حلال بالزواج وحلال بملك اليمين حرام في غيرهما والخمر حرام في كل حال لذا فمن أراد حكم المعازف تفصيليا فعليه بأدلة أخرى كما عرفنا احكام باقي المفردات من أدلة أخرى وليس من هذا الحديث.
وبهذا يكون ذكر المعازف في الحديث ليس لتحريمها ولكن لبيان تمام غفلتهم و إنشغالهم بكل حواسهم وجوارحهم مستخفين بشرب الخمر والزنا والله اعلم.

المعازف والغناء في الكتب السماوية:


جميع الكتب السماوية السابقة تذكر الغناء جزءاً من تراث الشعوب، بل إن أكبر دلالة هي أن يكون اسم كتاب سماوي "المزامير"!! وهذا الكتاب بالذات ذكره الله في القرآن الكريم قائلاً: (وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا) (النساء/163، الإسراء/55)، وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء/105). وهذه الآية في "المزامير": (الصديقون يرثون الأرض) (المزمور 37 الآية 29). إن هذه الآية الزبورية مصدق عليها من القرآن الكريم. والزبور هو مزامير داود (Psalms)، وهكذا اسمه بالعربية، وهو الكتاب رقم 19 في الكتاب المقدس، ويحتوي علي 150 إصحاحاً كلها عبارة عن أغاني، وأشعار، وترانيم، ولذلك يغنونها من أمد في الكنائس وقبل الكنائس. وداود نبي من أنبياء الله عليه السلام، عُرف بذلك في تسبيحاته وترنيماته، بل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه عندما سمع صوته الجميل بالتلاوة: "لقد أوتيت مزماراً من مزامير داود" (متفق عليه، وتقدم ذكره بالتفصيل). واستدلال بعض العلماء بأن المقصود هو صوت داود الجميل دليل ركيك وبارد، بل وفقدان للبلاغة في اللغة، والنبي صلى الله عليه وسلم أبلغ من ذلك، فهذه ركاكة، ولو أراد ذلك لقال: "لقد أوتيت صوتاً جميلاً كصوت داود"، وهل يعقل أن يقول "مزماراً من مزامير" ويريد حسن صوته؟! والمزامير جمع مزمار، وهو يقول "مزماراً من مزامير" أي واحداً من مجموعة المزامير التي كانت عند داود. والمزمار في الكتاب المقدس اسمه مزمور، والآلات الموسيقية ذكرت بكثرة في التوراة والأنجيل والزبور وصحف أيوب وموسى وميكا وحزقيال وإشعياء ودانيال وآخرين من الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام. وقد ذُكر الغناء في أكثر من ثلاثين موقعاً في هذه الكتب، وذكرت آلات موسيقية كالبوق (Trumpet)، والقرن (Horn)، والدف وهو بالعبرية توف (العربية دُف والعبرية تُف)، وذكر في الزبور والتوراة والكتب الأخرى أكثر من ست مرات، والتمبرين (tambourine) وهي آلة إيقاعية ذكرت أكثر من عشر مرات في التوراة والكتب المقدسة ومنها سفر التكوين أول الكتب السماوية نزولاً على موسى عليه السلام. وهناك مئات الأدلة من الكتب السماوية القديمة في وجود الموسيقى والغناء في حياة الأنبياء وشعوبهم وأتباعهم. وهذه المسألة ليست محل نقاش في التراث المسيحي واليهودي. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" (رواه البخاري وأحمد والحاكم وابن ماجه وغيرهم)، والمقصود اليهود والمسيحيين. وقد ورد استخدام الموسيقى والغناء فيهم بشكل متواتر يستحيل فيه توطأ الكذب.

حديث: "سيكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف"

حديث: "سيكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف"، قال: قلت: فيم يا رسول الله؟ قال: "باتخاذهم القينات، وشربهم الخمور" (رواه ابن أبي شيبة مرسلاً)، وفي رواية: "إذا ظهرت المعازف والخمور ولبس الحرير" (رواه ابن أبي الدنيا واللفظ له، والترمذي، والحديث صححه الشيخ الجديع وذكره الإمام ابن حزم في "المحلى"، والرواية عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقيهة الأمة وركن سنتها.
التحقيق: أولاً لاحظ أن الحديث قلنا ذكره ابن حزم، وقلنا صححه الجديع، والرواية عن عائشة! هل يعقل أن تروي هذا الحديث عائشة وترى حرمة القينات (المغنيات)، وهي التي في بيتها قينات (مغنيات) وبشهادة وإقرار وحضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟! (تقدم في الدليل الأول، صحيح البخاري). لاشك أن في الموضوع أمراً، وهو واضح جليّ، فلفظ الظهور يُقصد فيه الكثرة والانتشار، وإلا فالقينات وشرب الخمور موجودة في كل الأزمان بما فيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة. وموجود في كل زمن منذ زمنه إلى اليوم. فلو أن إنساناً كانت حياته كلها معازف أو كلها فيس بوك وإنترنت أو كلها لعب كرة قدم، وهذا كله صعب في غالب الناس، لكان حراماً لأنه بذلك يضيع مصالحه ومصالح من يعول، ويضيع رسالته. ومن ذا الذي يفعل ذلك من الأكارم الذين سنذكرهم لاحقاً بما فيهم عائشة رضي الله عنها والجديع وابن حزم؟؟!! لم أعرف مغنياً من المغنين الأفاضل ولا من الملحنين الأفاضل، وهم أصحاب الاختصاص، إلا رأيتهم يحترمون أوقات الصلاة ويؤدونها، ويقومون بأعمالهم، ويرعون أسرهم، ويعيشون رسالاتهم في الحياة من صناعة الجمال، وإضافة الرفق واللين، ونشر المعين في الطبائع. ولو كان نص الحديث "باتخاذهم القينات" فقط لقوى، ولكن حتى لو كان نص الحديث "المسخ والقذف إذا ظهرت المعازف" فلا يدل على التحريم. مثل لو قال "إذا تطاول الناس بالبنيان" فلا يعني حرمة تطاول البنيان، بل 90% ممن يرون التحريم مبانيهم طويلة! فلا دلالة على التحريم. ومعنى الحديث أن من أشراط قيام الساعة (المسخ والقذف والخسف) أن ترى انتشار المغنيات وشرب الخمور، وفي أحاديث أخرى تطاول البنيان وتحدث الحديد وكثرة الأموال وكثرة الكتابة .. الخ، وليست كلها حرام، بل بعضها جميل وإيجابي.