الأربعاء، 20 أبريل 2016

الرد على ادلة المحرمون للغناء والموسيقى من الكتاب والسنة

استند المحرمون على أقوال شهيرة، مثل قال رجل لابن عباس -رضي الله عنهما: ماتقول في الغناء، أحلال هو أم حرام؟ فقال: لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله فقال: أفحلالٌ هو؟ قال: ولا أقول ذلك ثم قال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة؛ فأين يكون الغناء؟، فقال الرجل: يكون مع الباطل، قال له ابن عباس: اذهب .. فقد أفتيت نفسك. ومثل قول الإمام ابن القيم رحمه الله: "إنك لا تجد أحدا عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علماً وعملاً، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء". وقال عن الغناء: "فإنه رقية الزنا، وشرك الشيطان، وخمرة العقول، ويصد عن القرآن أكثر من غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه". وقال في نونيته رحمه الله:
حب القرآن وحب ألحان الغنا
في قلب عبد ليس يجتمعان
والله ما سلم الذي هو دأبه
أبدا من الإشراك بالرحمن
وإذا تعلق بالسماع أصاره
عبداً لكـل فـلانة وفلان
التحقيق: إذا كان يوم القيامة فالناس لا تدخل الجنة والنار بحسب سماعها للموسيقى أو الغناء من عدمه! إن هذه المسألة أعلى وأكبر لمن استدلوا بذلك، وإذا صح هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنه فلا يمكن يقصد به أن الغناء يدخل جنة أو ناراً، والعياذ بالله، فهذا يخالف ما يعتقده المسلمون سنة وشيعة وغيرهم؛ فالناس لا تدخل الجنة بأعمالها بل برحمة الله وتفضله، ومن خلال اعتقاد المرء. وإذا كان يوم القيامة فالغناء سيكون مع أهل الحق ومع أهل الباطل، وسيرافق أهل الحق في الجنة، قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) (الروم/15)، أي يغنون. والغناء لا يرافق أهل الباطل إلى النار؛ فالغناء ليس من بيئة النار، ولا من صنيع أهله يوم القيامة، والعياذ بالله، ولكنه من صنيع أهل الجنة. وهذا القول، على أية حال، ضدهم ليس معهم؛ فهذا ترجمان القرآن يقول ليس في كتاب الله ما يحرم!! ولم يحرمه. فحري بمن قال بالتحريم أن يقال عنه أنه خالف ترجمان القرآن الذي قال: لا أقول أنه حرام!
حديث ابن عمر أنه سمع صوت زمارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع، فصنع مثل هذا" (رواه أبوداود).
التحقيق: وهذا من أوهن الحجج. وسمعت مرة شيخاً صديقاً لي في الديوانية يسرد الأحاديث ويطيل في التحريم فذكر هذا الحديث، فسألته: متى يا شيخ تم هذا الكلام؟ في أي عصر؟ فقال: ربما في عصر أبي بكر أو على الأرجح عصر عمر رضي الله عنهم جميعاً. فقلت له: ولم يسع عمر بن الخطاب الخليفة أن يمنع هذه المحرمات في خلافته؟! هل عجز عن منعها أم تهاون فيها؟ أم أنها كانت مباحات لا خلاف فيها. والحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عملها، يعني وضع أصبعيه في أذنيه، ولم ينكر على الراعي، ولم ينكر ابن عمر علي الراعي!! والنبي صلى الله عليه وسلم رسول يعتد بأفعاله وإقراره، وابن عمر معروف في الصدع بالحق حتى مع الخلفاء، فلما توقف عن الإنكار؟! مثله قولهم: سمع ابن مسعود رضي الله عنه في العراق رجلاً يغني (يقصدون مالك بن دينار) فقالك ما أجمل صوته لو كان في تلاوة القرآن. أيقول حاكم العراق هذا الكلام في منكر عظيم؟! فقط؟؟ هذا ما وسعه! أفلا يسعكم إذاً أن لا تحرموا وتقولوا ما يقوله ابن مسعود ويحكم به عمر ويفعله ابن عمر؟!! هذا الحديث حجة علي من حرم الغناء والمعازف، فهو يدل على وجود المعازف بين المسلمين في الخلافة الراشدة وفي العراق تحت حكم الصحابي الجليل اين مسعود الذي قال عنه عمر لآهل العراق: لقد آثرتكم بعبدالله بن مسعود. فهذا والحمدلله يشير لوجود زمارة في عصر الخلافة وعصر النبي صلى الله عليه وسلم دون إنكار على الراعي ولا منع. فمن منع زمارة أو أنكر على عازف أو راعي فقد عمل بخلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة أصحابه. فلا حجة بهذا الأثر وأشباهه من أقوال بعض الأصحاب.
وحديث "بئس الكسب أجر الزمارة"، وفي لفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الزمارة. (رواه البيهقي). قالوا ولفظ "نهى" أو "بئس الكسب" دليل التحريم.
التحقيق: روى الإمام مسلم في (صحيحه): "شر الكسب مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام" وفي رواية: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وكسب البغي وثمن الكلب وعسب الفحل" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. وفي صحيح مسلم وغيره: "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر" .. وفي الباب الكثير. ففقه هؤلاء المحرمين أنالحجامة حرام! لأن النهي ورد في كسبه! والكلب حرام. والنذر حرام. ولا يقول بهذا أحد رغم أن العلماء اختلفوا في كسب الحجامة وثمن الكلب .. الخ. فكون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الزمارة لا يعني تحريم المعازف! هذا فقه معوج.
وعلى أية حال فالزمارة لها معنيان عند العرب وأهل الحديث:المعنى الأول أنها المغنية، فإذا كان هذا المعنى فإنه يعني أنه ورد النهي في التكسب من المغنية، مثل ما ورد النهي في التكسب من الحجامة، وكلا الأمرين مباحان في الأصل، أي المغنية والحجامة؛ لأننا ذكرنا أحاديث المغنيات في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبيوت غيره في وقته وإقراره بل وطلبه من عائشة أن ترسل للعروس مغنية تلهو لأن الأنصار يحبون اللهو، كما ذكرنا في الحديث الصحيح. والمعنى الثاني، وهو ما رجحه أبو عبيد القاسم بن سلام: "قال الحجاج (شيخه ابن محمد المصيصي): الزمارة الزانية"، وهذا لاشك في حرمته، قال تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور/ 33). وكلا المعنيين ذكرهما الجاحظ. وسواء ذهبت مع المعنى الأول أو الثاني فلا دليل على الحرمة ألبته.
هذه أقوى الأحاديث على ما وجدت التي استند إليها من يرى بالتحريم، فقارن بين ما ذكرناه من القوة والوضوح في الحلال وبين التأويلات الصعبة والتركيبات والتي لم تدل على التحريم، بل على فهم هذا الإمام أو ذاك، مع التقدير والاحتزام لآرائهم، لكن لا يلزمنا من كان في قول عالم أو شيخ، ما لم يأتي بالدليل المقنع والواضح، فنحن أحرار نختلف عن جموع كبيرة من أتباع الأديان، بما فيهم غالبية المسلمين اليوم، لا نتبع عمياناً بل ما وجدناه مدعماً في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قبلناه، وما لم نجده حكمنا رأينا ومصلحتنا وقلوبنا، مع تقديرنا لمن رأي الحرمة، ونتأول له صلاحه وحسن نيته وورعه وخشيته، ونرجو الله أن يكافأه على نيته. ولما ذكرنا العلماء في هذه المقالة فإننا لم ولن نقصد أن ننزل من مكانتهم، بل العكس، أنزلناهم منزلتهم، فهم بشر، يخطئون، ويتجاوزون، ويسهون، ولهم بذلك الأجر حتى إذا أخطآوا، ومنزلتهم عالية وكريمة بالذات الشيخ الألباني والإمام بن تيمية وابن القيم، فهؤلاء ممن تأثرت بهم ولا زلت، وتعلمت منهم ولا زلت، وعكفت الساعات والليالي أقرأ لهم ولازلت، لكن كل يؤخذ من كلامه ويرد، وهذا مما يرد، وإلا صاروا، كما هم عند البعض، أنبياء مجردون من الخطأ، فأنزلناهم منزلتهم في الاجتهاد لا التشريع ولا الحق في ذلك. والمشرع هو الله ومن خلال كتبه وأنبياءه، والله أعلم.
حديث الجاريتين عند البخاري ذكرته كأول دليل على حلية الغناء، قالوا: دليل حرمته إنكار أبي بكر وإضافة المزمار إلى الشيطان. وهذا دليل على الحرمة.
التحقيق: ولقد رددنا على من قال بذلك، وهو لو كان يقصد فعلاً أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وحاشاه، يرد على النبي صلى الله عليه وسلم أو يصوبه، فهذا الاعتقاد يخشى فيه على دين المرء! فالنبي صلى الله عليه وسلم رد أبا بكر، ولم يقره بهذا الكلام، وقال له: "دعهما"، وهو الأمر الذي استمر واكملتا المغنيتان الجاريتان غناءهما في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شرحناه بتفصل في الدليل الأول في الجزء الأول. وما عمله النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه عمله مع عمر رضي الله عنه كذلك ولم يقره؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم، إذ دخل عمر بن الخطاب، فأهوى إلى الحصباء يحصبه بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهم يا عمر" (متفق عليه. البخاري (2745)، ومسلم (893))، حتى لا يقال أن عمر لا يلتقي معه الشيطان لكن الشيطان يلتقي مع رسول الله وعائشة!! والعياذ بالله من هذه العقيدة غير السوية.
حديث: "سيكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف"، قال: قلت: فيم يا رسول الله؟ قال: "باتخاذهم القينات، وشربهم الخمور" (رواه ابن أبي شيبة مرسلاً)، وفي رواية: "إذا ظهرت المعازف والخمور ولبس الحرير" (رواه ابن أبي الدنيا واللفظ له، والترمذي، والحديث صححه الشيخ الجديع وذكره الإمام ابن حزم في "المحلى"، والرواية عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقيهة الأمة وركن سنتها.
التحقيق: أولاً لاحظ أن الحديث قلنا ذكره ابن حزم، وقلنا صححه الجديع، والرواية عن عائشة! هل يعقل أن تروي هذا الحديث عائشة وترى حرمة القينات (المغنيات)، وهي التي في بيتها قينات (مغنيات) وبشهادة وإقرار وحضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟! (تقدم في الدليل الأول، صحيح البخاري). لاشك أن في الموضوع أمراً، وهو واضح جليّ، فلفظ الظهور يُقصد فيه الكثرة والانتشار، وإلا فالقينات وشرب الخمور موجودة في كل الأزمان بما فيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة. وموجود في كل زمن منذ زمنه إلى اليوم. فلو أن إنساناً كانت حياته كلها معازف أو كلها فيس بوك وإنترنت أو كلها لعب كرة قدم، وهذا كله صعب في غالب الناس، لكان حراماً لأنه بذلك يضيع مصالحه ومصالح من يعول، ويضيع رسالته. ومن ذا الذي يفعل ذلك من الأكارم الذين سنذكرهم لاحقاً بما فيهم عائشة رضي الله عنها والجديع وابن حزم؟؟!! لم أعرف مغنياً من المغنين الأفاضل ولا من الملحنين الأفاضل، وهم أصحاب الاختصاص، إلا رأيتهم يحترمون أوقات الصلاة ويؤدونها، ويقومون بأعمالهم، ويرعون أسرهم، ويعيشون رسالاتهم في الحياة من صناعة الجمال، وإضافة الرفق واللين، ونشر المعين في الطبائع. ولو كان نص الحديث "باتخاذهم القينات" فقط لقوى، ولكن حتى لو كان نص الحديث "المسخ والقذف إذا ظهرت المعازف" فلا يدل على التحريم. مثل لو قال "إذا تطاول الناس بالبنيان" فلا يعني حرمة تطاول البنيان، بل 90% ممن يرون التحريم مبانيهم طويلة! فلا دلالة على التحريم. ومعنى الحديث أن من أشراط قيام الساعة (المسخ والقذف والخسف) أن ترى انتشار المغنيات وشرب الخمور، وفي أحاديث أخرى تطاول البنيان وتحدث الحديد وكثرة الأموال وكثرة الكتابة .. الخ، وليست كلها حرام، بل بعضها جميل وإيجابي.

هناك تعليقان (2):

  1. اخي حبيب الرحمن -هداني الله واياك-ان الغناء محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((بعثت بكسر المعازف وآلات الطرب)) وقال تعالى ((ولا يضربن بارجلهن ليعلم مايخفين من زينتهن. ..))سورة النور ومعنى هذا انه عندما تغني المراة وترقص وتتغنج وهي لابسة الخلاخل والمجوهرات فيسمعها الرجال فيفتنون وانت تقول حلال
    ولما في الغناء من التهييج الى كل خبيث وخبيثة ويؤدي الى الدخول في المحظور فالغناء داعية الزنى ورقيته واعلم رعاك الله ان من دعى الى ضلالة فعليه اثمه واثم من تبعه الى يوم القيامة قال تعالى ((نحن نحي الموتى ونكتب ماقدموا وآثارهم وكل شيء احصيناه في إمام مبين))سورة يس
    وقال تعالى ((ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم الا سآء مايزرون))سورة النحل الاية 25

    والله الموفق للصواب

    ردحذف
  2. http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=35708

    الى الان لم ارى حجة واضحة على تحليل الغناء .

    ردحذف