الثلاثاء، 19 أبريل 2016

هل الموسيقى حلال ؟ وهل هذه الأحاديث صحيحة ؟

هل الموسيقى فعلاَ حرام قولاً واحداً لا شك فيه ؟  هل كان عبد الرحمن بدوي على حق عندما قال : إن الإسلام عدو للفن ؟ لماذا تبدو آلاتنا الموسيقية بسيطة كمنتجاتنا التراثية اليدوية التي لا ترى فيها الإبداع والجمال بقدر ما ترى أنها كانت محاولة للبقاء على قيد الحياة؟ من سرق منا الجمال؟ من قتل فينا الإحساس به؟ يرى الفقيه الفيلسوف أبو محمد بن حزم صاحب المذهب السني الخامس , أن استماع الموسيقى مباح مثل التَّنَزُّه في البساتين ولبس الثياب الملونة.

الجواب :
الأحاديث التي وردت في النهي عنها فيقول ابن حزم : لا يصح في هذا الباب شيء أبداً وكل ما فيه فموضوع ومنقطع.
و احتج ابن بحديث عائشة أن جاريتين كانتا تغنيان فدخل أبو بكر فنهرهما وقال : أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله فقال الرسول :" دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد". و من المعلوم أن العيد لا يحل الحرام.وقد رد بعضهم الاستدلال بهذا الحديث بأن هذا غناء بلا آلات. وهذا خطأ لقوله : أبمزمور الشيطان , إذن هي مزامير. ولو قبلنا أن المقصود هنا هو الدف لتوجب أن تحمل النصوص التي يحتج بها المحرمون على نفس المحمل.

واستدل ابن حزم بأثر صحيح الإسناد عن عبد الله بن عمر و عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنهما استمعا للعود.
واحتج أيضاً بحديث أن ابن عمر سمع مزمارا فوضع إصبعه في أذنيه و نأى عن الطريق , وقال: يا نافع هل تسمع شيئاً ؟ قال: لا , فرفع إصبعيه وقال: كنت مع الرسول عليه السلام فصنع مثل هذا. قال ابن حزم: فلو كان حراماً ما أباح رسول الله لابن عمر سماعه ولا أباح ابن عمر لنافع سماعه.

غير أني هنا أختلف مع ابن حزم في تصحيح هذا الحديث والصحيح أنه موقوف على ابن عمر.
وأجاب ابن حزم عن الاحتجاج بالآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) قال ابن حزم:هذا ليس عن رسول الله ولا ثبت عن أحد من أصحابه و إنما هو من قول بعض المفسرين ممن لا تقوم بقوله حجة, ثم لو صح لما كان فيه متعلق لأن الله تعالى يقول : ( ليضل عن سبيل الله ) و كل شيء يقتنى ليضل به عن سبيل الله فهو إثم وحرام ولو كان شراء مصحف أو تحفيظ قرآن .

وضعف ابن حزم كل أحاديث التحريم , فحديث عائشة مرفوعاً : إن الله حرّم المغنية و بيعها وثمنها و تعليمها والاستماع إليها. ضعيف في سنده سعيد بن أبي رزين وهو مجهول قاله الذهبي وابن حجر. وأما حديث عليّ : إذا عملت أمتي 15 خصلة حل بها البلاء , ذكر منها :واتخذت القينات والمعازف , ففي سنده مجاهيل و فرج بن فضالة وهو ضعيف. أما حديث معاوية :أن الرسول( ص الله عليه وسلم ) نهى عن تسع منهن الغناء والنوح , ففيه محمد بن مهاجر وهو ضعيف. وأما حديث أبي أمامة مرفوعاً بتحريم تعليم المغنيات وشرائهن و بيعهن بأن فيه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف يخلط. وأما حديث أنس : من جلس إلى قينة صب في أذنه الآنك , فإسناده فيه مجاهيل و روي مرسلاً. وأما حديث النهي عن صوتين ملعونين: صوت نائحة وصوت مغنية, ففيه جابر الجعفي وهو ضعيف. وأما حديث ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب ففيه شيخ لم يسم ولا يعرف. والصحيح أنه موقوف و ابن مسعود رضي الله عنه كان يحرم حتى الدف الذي يتفق معنا مخالفونا على إباحته ويأمر بشقه. و الحق أن ابن مسعود أقرب للاتساق إذ لا فرق بين الدف وغيره من الآلات الموسيقية. ثم ما هي الآلات التي كانت موجودة في عصر النبوة ؟ فالعود لم يعرف فيها إلا بعد عصر الفتوحات الإسلامية.

و يستمر ابن حزم في تضعيفه لهذه الأدلة فيرد الحديث الذي رواه البخاري معلقاً غير مسند : ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير والخمر والمعازف. فهذا اللفظ صريح لكنه معلق أما الروايات المسندة من غير طريق البخاري ففيها : " تغدو عليهم القيان و تروح عليهم المعازف". والذي أعتقده أن ابن حزم أخطأ في تضعيف هذا الحديث , غيرأنه ليس من قبيل السنة التشريعية , فهو وصف لحال أناس يكونون في آخر الزمان ممن يستحق الخسف به في باطن الأرض.
أصحيح ما يقال إنه لم يبح الموسيقى من العلماء إلا ابن حزم ؟
يقول الأوزاعي: ندع من قول أهل الحجاز : استماع الملاهي والجمع بين الصلاتين من غير عذر.( السير 7-131)

من هم علماء الحجاز الذين تحدث عنهم هذا الرجل الذي مات سنة 157 للهجرة؟ إنهم فقهاء مكة عطاء بن أبي رباح وعكرمة وابن جريج وفقهاء المدينة السبعة الذين كانوا هم فقهاء السنة قبل نشوء المذاهب الأربعة.بل قال القفاّل أن مذهب الإمام مالك نفسه إباحة الغناء بالمعازف كما في كتاب "إبطال دعوى الإجماع على تحريم السماع" للشوكاني.وقال ابن طاهر في إباحة العود : هو إجماع أهل المدينة.
وقال الإمام الشافعي في الأم ( 6 – 209 ): ليس بمحرم بيّن التحريم.
وقال أبو حنيفة : من سرق مزماراً أو عوداً قطعت يده ومن كسرهما ضمنهما.
ونقل الماوردي في الحاوي ( 2 – 545) أن أبا حنيفة ومالك و الشافعي لم يحرموه.
وأباحه الأئمة الغزالي وابن دقيق العيد و سلطان العلماء العز بن عبد السلام والشوكاني.
أما ما جاء عن بعض الأوائل أن الغناء لا يفعله إلا السفهاء فليس المقصود به الكاسيت والسي دي فإنهما لم يكونا موجودين ذلك الوقت. وإنما المقصود هو مجالس الطرب وما كان يخالطها من فسق . قال البغوي في شرح السنة
( 4 –322): الغناء بذكر الفواحش والابتهار بالحرام و المجاهرة بالمنكر من القول فهو المحظور من الغناء.
هذا هو موقف الفقهاء والأئمة المعتبرين. فهل سنزايد عليهم في التدين والتقيد بالشرع ؟ و هل سيظل موقفنا من الموسيقى الجميلة موقف الرفض والتنقص والاحتقار؟

فتاوى إباحة الغناء والموسيقى بشروط .

كثير من الناس بدون علم نراه يحكم وينهي ويجيز ويكفر دون علم.

وترى كثير منهم متشدد في موضوع سماع الاغاني.. واحب في هذا الموضوع أن اورد بإختصار رأي  بعض العلماء..كوني كنت حاضرا لبعض إجتماعاتهم  قبل سنوات  في جدة ومكة المكرمة تناقشوا فيما بينهم بإسهاب في جلسات علنية . وأصدروا فتاوي في عدة مجالات من بينها الغناء فيها شيء جديد يختلف عما يتداولة الناس .
واليكم الفتاوي-
اولا ( الغناء اداء واستماعا من الرجل أو المرأه , اذا خلا عما يعرض له أو يترتب عليه من مفاسد مباح في ذاته , سواء صاحبه عزف علي ألات الموسيقي أم لم يصاحبه, لافرق في ذلك بين نوع أو اخر من تلك الآلات).

ثانيا (هناك امور تخرج الأغاني والعزف عن الإباحه إلي احكام اخري , فيكون الغناء مستحبا في المناسبات التي وردت فيها السنه كالزواج والاعياد وقدوم الغائب وما يقاس عليها في الطلب غير الجازم لمايترتب عليها من مصالح تحقق مقاصد الشارع , وللوسائل حكم المقاصد. ويكون مكروها اذا ادي الي مفاسد علم كونها مفاسد بنهي غير جازم, ويكون حراما إذا ادي إلي مفاسد علم كونها مفاسد بنهي جازم).

ثالثا(العزف علي آلات الموسيقي , بكل انواعها في ذاته ودون النظر إلي ما قد يصاحبه او يترتب عليع مباح. سواء صاحب العزف الاغاني او مان منفردا مالم تكن الأغاني حراما).
والضوابط الشرعية لإباحة الغناءمع الموسيقي او بدونها مايلي:-

1_ ألا يمس مضمونه العقيده ولاينافي مقررات الشريعه ,وألايخل بالقيم والاخلاق.

2_ ألا يستغرق الغناء او استماعه وقت الشخص ويطغي علي اهتمامه , بحيث يشغله عن واجباته الدينيه اوالدنيويه.

3_ خلو الاداء عما يثير الغرائز والرغبات المحرمه, حتي لايكون خضوعا بالقول ويطمع الذي في قلبه مرض.

4_ خلو مجالس الغناء من المحرمات والمفاسد كشرب الخمر واختلاط الرجال بالنساء ومراقصة الرجال النساء وما حول ذلك.

الاصول والقواعد التي استند اليها الشيوخ في الفتاوي ثمان اصول.
1- الاصل في الاشياء والافعال الحلوالاباحه.
-2 قاعدة سدالذرائع-
-3 رفع الحرج.
-4 تقديم القطع علي الظن.
-5 الحل اصل والحرمة إستثناء , والإستثناء لايتوسع فيه ولا يقاس عليه.
-6 المحرم لذاته والمحرم لغيره.
-7 المباح بالجزءحرام بالكل.
-8 إعطاء الوسائل حكم المقاصد.



أما العلماء الذين افتوا بهذا  فهم مزيج من علماء افاضل من العالم العربي

منهم العالم الجليل حفظه الله عبدالله المنيع من السعوديه
والشيخ يوسف القرضاوي من مصر
والشيخ عبد الستار ابو غده من سوريا
والشيخ احمدالكبيسي من العراق
والشيخ عبد العزيز المشعل من السعوديه
والشيخ جاسم المطوع من الكويت
والشيخ محمد مختارالسلامي من تونس
والشيخ الدكتورعصام احمد البشير من السودان
والشيخ الدكتور محمد عماره من مصر
حفظهم الله جميعا
وكما أوضحت فقد افتوا للغناء الذي لايخدش الحياء ولا ميوعة فيه ولا تسمع فيه كلمات نابيه والفتاوي مطبوعه في كتاب إسمه "الاصل الفقهي لقضاياالاعلام"
تحرير الدكتور أحمد محي الدين أحمد
مراجعة الشيخ الدكتورعبد الستارأبوغده.

- الشيخ كلباني
وغيرهم كثير 
--------------------------------------------------------------------------------------


ونستكمل وكما هو معروف فإن الأصل في الأشياءالإباحة لقوله تعالى : ( هوَ الَذِي خَلَقَ لَكم مَا فِي الُأَرُضِ جَمِيعَاَ) . (البقرة 29) ،

ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالى ، أو سنة رسوله صلي الله عليه و سلم ) ،

أو إجماع ثابت متيقن ، فإذا لم يرد نص ولا إجماع . أو ورد نص صريح غير صحيح ،
أو صحيح غير صحيح ، بتحريم شيء من الأشياء ، لم يؤثر ذلك في حله ، و بقي في دائرة العفو الواسعة ، قال تعالى : ( وَقَدُ فَصَلَ لَكم مَا حَرَمَ عَلَيُكمُ إِلَا مَا اضُطرِرُتمُ إِلَيُهِ ) .الأنعام 119

وقال رسول الله صلي الله عليه و سلم ) ( ما أحل الله في كتابه فهو حلال، و ما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً )،

و تلا عليه الصلاة والسلام : - ( وَ مَا كَانَ رَبكَ نَسِيَاَ (سورة مريم 64) (رواه الحاكم عن أبي الدر داء و صححه ، أخرجه البزّار) . .

و قال عليه السلام : ( إن الله فرض فرائض فلاتضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، و سكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثواعنها .)
(أخرجه الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني ، و حسنه الحافظ أبو بكر ا لسمعا ني في أماليه ، والنووي في الأربعين) . فإذ كانت هذه هي القاعدة . فما هي النصوص و الأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء ، و ما موقف المجيزين منها ؟


أدلة المحرمين للغناء و مناقشتها..
(أ ) استدل المحرمون بما روي عن ابن مسعود و ابنعباس و بعض التابعين : أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالى : ( وَ مِنَالنَاسِ مَن يَشُتَرِي لَهُوِ الحَدِيثِ لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ الَلهِ بِغَيُرِعِلُمِ وَ يَتَّخِذَهَا هزوًا أولَيكَ لَهمُ عَذَاب مهِين) . ( لقمان 6) ؛ و فسروالهو الحديث بالغناء .قال ابن حزم : « ولا حجة في هذا لوجوه .

اولها : أنه لا حجة لأحد دون رسول الله ( صلي الله عليه و سلم) .

الثاني : أنه قد خالف غير هم من الصاحبة و التابعين .

الثالث : أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها ؛ لأن فيها (وَ مِنَ النَاسِ مَن يَشُتَرِي لَهُوَ الُحَدِيثِ لِيضِلَّ عَن سَبِيلَ اللَهِ بِغَيُرِ عِلُمِ وَ يَتَّخِذَهَا هزوًا ) ، و هذه صفة من فعلها كان كافراً بلا خلاف، إذا اتخذ سبيل الله هزواً .

قال : ( و لو أن امرءاً اشترى مصحفاً ليضل به عن سبيل الله ، و يتخذه هزواً ، لكان كافراً ! فهذا هو الذي ذم الله تعالى ، و ما ذمقط – عز و جل – من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويروح نفسه ، لا ليضل عن سبيل الله تعالى . فبطل تعلقهم بقول هؤلاء ، و كذلك من اشتغل عامداً عن الصلاة بقراءة القرآن، أو بقراءة السنن ، أو بحديث يتحدث به ، أو بغناء ، أو بغير ذلك ، فهو فاسق عاص لله تعالى ، و من لم يضيع شيئاً من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن ) . (المحلى لابن حزم : 9/60) .

(ب) و استدلوا ايضا بقوله تعالى في مدح المؤمنين : ( وَ إِذَا سَمِعواُ اللّغُوَ أَعُرَضواُ عَنُه)
(القصص55) ، و الغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه .
ويجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو : سفه القول من السب والشتم و نحو ذلك ، و بقية الآية تنطق بذلك .
قال تعالى : ( وَ إِذَاسَمِعوُاُ اللَغُوَ أَعُرَضواُ عَنُه وَقَالواُ لَنا أَعُمَالنَا وَلَكمُ أَعُمَالَكمُ سَلَم عَلَيُكمُ لَا نَبُتَغِي الُجَاهِلِيُنَ ) القصص (55) ،
فهي شبيهة بقوله تعالى في وصف عباد الرحمن : - ( وَ إِذَا خَاطَبَهم الُجَاهِلونَ قَالواُ سَلامَا) .
(الفرقان 63)

و لو سلمنا أن اللغوفي الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه تمدحه ، ‌و ليس فيها ما يوجب ذلك. وكلمة (اللغو ) ككلمة ( الباطل ) تعني ما لا فائدة فيه ، و سماع ما لا فائدة فيه ليس محرماً ما لم يضيع حقاً ، أو يشغل عن واجب .

روي عن ابن جريج : أنه كان يرخص فيا لسماع فقيل له : أيؤتى به يوم القيمة فيجملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال : لافي الحسنات و لافي السيئات ؛ لأنه شبيه باللغو ،

قال تعالى : (لايؤَخِذ كم اللَه بِالَلغُو ِفِي أَيُمَانَكمُ ) (البقرة 225 و المائده 89) .

قال الإمام الغزالي :-( إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه و لا تصميم ، والمخالفة فيه – مع أنه لافائدة فيه – لا يؤاخذ به ، فكيف يؤاخذ بالشعر و الرقص )؟
( إحياء علوم الدين ، كتاب السماع ص 1147 – طبعة دار الشعب بمصر)

على أننا نقول : والكلام للغزالي, ليس كل غناءٍ لغواً ؛ إنه يأخذ حكمه و فق نية صاحبه ، فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة ، و المزح طاعة ، و النية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة . باطنه الرياء : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم)
(رواه مسلم من حديث أبي هريرة )، كتاب ( البر و الصلة و الآداب ) ، باب تحريم ظلم المسلم .

و ننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في(المحلى ) ردا على الذين يمنعون الغناء قال : ( احتجوا فقالوا : من الحق الغناء أمن غير الحق ؟ و لا سبيل إلى قسم ثالث )‌
وقد قال الله تعالى : ( فَمَاذَا بَعُدَالُحَقِ إلا الضَلال ). (يونس32) ،

فجوابنا – و بالله التوفيق - : أن رسول الله صلي الله عليه و سلم
قال: -( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرىء ما نوى)
متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب ، أول حديث في صحيح البخاري .

فمن نوى باستماع الغناء ترويح نفسه ، ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل ، و ينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن ، و فعله هذا منالحق ، ومن لم ينو طالعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه ، كخروج الإنسان إلى بستانه ،و قعوده على باب داره متفرجاً و صبغه ثوبه لا زورديّاً أو أخضر أو غير ذلك ، و مدساقه و قبضها ، و سائر أفعاله . (المحلى : 9/60) .

(ج ) استدلوا بحديث : ( كل لهو يلهو به المؤمن فهوباطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله ، و تأديبه فرسه ، و رميه عن قوسه ). (رواه أصحاب السنن الأربعة ، و فيه اضطراب .
قاله الحافظ العراقي في تخريج أحاديث(الإحياء) .والغناء خارج عن هذه الثلاثة .

و أجاب المجوزون بضعف الحديث ، ولو صح لما كان فيه حجة ، فإن قوله ( فهو باطل ) لا يدل على التحريم ، بل يدل على عدم الفائدة . فقد ورد عن أبي الدر داء قوله : ( إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوى لها علىالحق ) . على أن الحصرفي الثلاثة غير وراد ، فإن التلهي بالنظر إلى الحبشة و هم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة ، و قد ثبت في الصحيح ، و لا شك أن التفرج في البساتين و سماع أصوات الطيور ، وأنواع المداعبات مما يلهو به الرحل ، لا يحرم عليه شيء منها ،و إن جاز و صفه بأنه باطل .

(د )كما استدلوا بالحديث الذي رواه البخاري – معلقاً – عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري – شك من الراوي – عن النبي علنه الصلاة والسلام قال : ( ليكو نن قوم من أمتي يستحلون الحر ) الحر : بكسر الحاء و تخفيف الراء - أي الفرج ، و المعنى يستحلون الزنى .  و رواية البخاري -  الخزّ.والحرير والخمر والمعازف». والمعازف: الملاهي ، أوآلات العزف.

و الحديث و إن كان في صحيح البخاري : إلاأنه من (المعلقات ) لا من ( المسندات المتصلة)‌ و لذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده ومع التعليق فقد قالوا : إن سنده و متنه لم يسلما من الاضطراب .

و قد اجتهد الحافظ ابن حجر لوصل الحديث ، ووصله بالفعل من تسع طرق ، و لكنها جميعاً تدور على راوٍ تكلم فيه عدد من الأئمة النقاد ،ألا و هو هشام ابن عمار (النظر تغليق التعليق – للحافظ ابن حجر : 5/17 – 22 – طبعالمكتب الإسلامي و دار عمار ) .

و هو – و إن كان خطيب دمشق و مقرئها و محدثها وعالمها ، ووثقه ابن معين و العجلي – فقد قال عنه أبو داود : حدث بأربعمائة حديث لاأصل لها .

و قال أبو حاتم : صدوق و قد تغير ، فكان كل ما دفعإليه قرأه ،‌ و كل ما لقنه تلقّن . كذلك قال ابن سيار .
و قال الإمام أحمد : طياش خفيف .و قال النسائي : لا بأس به ( و هذا ليس بتوثيق مطلق) .

ورغم دفاع الحافظ الذهبي عنه قال : صدوق مكثر لهما ينكر
( انظر ترجمته في ميزان الاعتدال ( 4/302 ) ترجمة ( 9234 ) ، وفي"تهذيب التهذيب "
( 51/11 – 54 ) . وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدّث إلابأجر ! و مثل هذا لا يقبل حديثه في مواطن النزاع ،و خصوصاً في أمر عمت به البلوى .
و رغم مافي ثبوته من الكلام ،‌ففي دلالة كلام آخر؛ فكلمة المعازف لم يتفق على معناها بالتحديد : ما هو ؟ فقد قيل : الملاهي،وهذه مجملة ، وقيل : آلات العزف .

ولو سلّمنا بأن معناها : آلات الطرب المعروفة‌ بآلات الموسيقى . فلفظ الحديث المعلّق في البخاري غير صحيح في إفادةحرمة المعازف لأن عبارة ( يستحلون ) كما ذكر ابن العربي – لها معنيان : أحدهما : يعتقدون أن ذلك حلال ،
والثاني : أن تكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ؛ إذ لو كان المقصود بالاستحلال : المعني الحقيقي ، لكان كفراً ، فإن استحلال الحرام المقطوع به – مثل الخمر والزنى المعبر عنه ب (الحر ) كفر بالإجمال . و لو سلمنا بدلالتها على الحرمة ، فهل يستفاد منهاتحريم المجموع المذكور من الحر و الحرير و الخمر و المعازف أو كل فرد منها على حدة ؟ و الأول هو الراجح . فإن الحديث في الواقع ينعى على أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف و الليالي الحمراء ، و شرب الخمور . فهم بين خمرنساء ، و لهو و غناء ، و خزّ و حرير .ولذا روي ابن ماجه هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بالفظ ( ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المعنيات ، يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير)،‌
وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه ، و البخاري في تاريخه . والحمد لله لم يمسخ احد من امة رسول الله قردة وخنازير وفي هذا اشارة واضحه.

و كل من روي الحديث من طريق غير هشام ابن عمار ،جعل الوعيد على شرب الخمر ، و ما المعازف إلا مكملة و تابعة .

(هـ ) و استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها ( إنالله تعالى حرم القينة ) أي الجارية بيعها و ثمنها ‌و تعليمها .

و الجواب علي ذلك : -
أولاً : أن الحديث ضعيف ، و كل ما جاءفيتحريم بيع القيان ضعيف (انظر تضعيف ابن حزم لهذه الأحاديث و تعليقه عليها في (المحلى 9/56 – 59) .

ثانياً : قال الغزالي : - المراد بالقينة الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب و غناء‌ الأجنبية للفسّاق و من يخاف عليهم الفتنة حرام ،‌ و هم لا يقصدون بالفتنة إلا ما محذور . فأما غناء الجارية لمالكها ،فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث . بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة ، بدليل ماروي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها.
(الإحياء ص 1148 .)

ثالثاً : كان هؤلاء‌ القيان المغنيات يكون عنصراًهاماً من نظام الرقيق ، الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجياً ، فلم يكن يتفق و إقرار بقاء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي ، فإذا جاء حديث بالنعي على امتلاك القينة ، و بيعها ،‌ و المنع منه ، فذلك لهدم ركن من بناء نظام الرق العتيد .

(و ) و استدلوا بما روي نافع : أن ابن عمر سمع صوت زمارة‌ راع أصبعيه في أذنية ،‌و عدل راحلته عن الطريق ، و هو يقول : يا نافع أتسمع ؟ فأقول نعم ، فيمضي ، حتى قلت : لا . فرفع يده و عدل راحلته إلى الطريق ،‌ وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا .
والحديث قال عنه أبو داود : حديث منكر .

و لو صح لكان حجة على المحرمين لا لهم ، فلو كان سماع المزمار حراماً ما أباح النبي صلي الله عليه و سلم لا بن عمر سماعه ، و لوكان عند ابن عمر حراماً ما أباح لنافع سماعه ، و لأمر عليه السلام بمنع و تغيير هذاالمنكر ، فإقرار النبي صلي الله عليه و سلم لهو الحلال .وإنما تجنب – عليه السلام – سماعه كتجنبه أكثرالمباح من أمور الدنيا ، كتجنبه الأكل متكئاً ،‌ و أن يبيت عنده دينار أو درهم . . . إلخ .

(ز ) واستدلوا أيضاً بما روي : « إن الغناء ينبت النفاق في القلب » ولم يثبت هذا حديثاً عن النبي صلى الله عليه و سلم وإنما ثبت قولاً لبعض الصحابة أو التابعين ، فهو رأي لغير معصوم خالفه فيه غيره .

على أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع ، إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه على غيره ، و يروج صوته عليه ،و لا يزال ينافق ويتودد إلى الناس ليرغبوافيغنائه .
ومع هذا قال الغزالي :- و ذلك لا يوجب تحريماً ، فإن لبس الثياب الجميلة ، و ركوب الخيل المهملجة ، وسائر
أنواع الزينة ، و لا يطلق القول بتحريم ذلك كله ، فليس السبب في ظهورالنفاق في القلب : المعاصي ، بل إن المباحات ، التي هي مواقع نظر الخلق ،أكثر تأثيراً ). (الإحياء : كتاب السماع ص 1151) .

(ح ) و استدلوا على تحريم غناء المرأة خاصة‌ ،‌بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة ،‌وقد كان النساء يسألن رسول الله صلي الله عليه وسلم في ملآء من أصحابه ، و كان الصحابة يذهبون إلى أمهات المؤمنين ليستفتونهن و يفتينهم ويحدثنهم ،‌و لم يقل أحد : إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة‌ يجب أن تستر . مع أن نساء النبي عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن.

قال تعالى : ( وًقلُنَ قَوُلاَ‌ مَّعُروفَاَ) الأحزاب (‌32) .

فإن قالوا : هذافي الحديث العادي لافي الغناء ‌، قلنا : روي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع غناء الجاريتين و لم ينكر عليهما ، و قال لأبي بكر : دعهما ، و قد سمع ابن جعفر و غيره من الصحابة و التابعين الجواري يغنين .

(ط ) و استدلوا بحديث الترمذي عن علًّى مرفوعاً(إذا فعلت أمتي خمس عشرة‌ خصلة، حلّ بها البلاء ... ) ، وذكر منها : ( واتخذت القينات و المعازف ) . و الحديث متفق على ضعفه ‌فلا حجة فيه .


ومن العلماء المعاصرين الذين تطرقوا للغناء الشيخ علي الطنطاوي فقد وردت في كتابه  ( فتاوى علي الطنطاوي ) فتوى عن الغناء .. وقد عرف عنه رحمه الله انه يختلف عن غيره من العلماء فقد كان يفسر الفتوى تفسيراً دقيق ويقرب لها المعنى من الواقع والمجتمع المعاصر .
الفتوى ..
جاءتني رسالة يقول مرسلها : لقد كنت من تلاميذك في كلية التربية في مكة لما جئتها من الكليات والمعاهد ( التي صارت جامعة الإمام ) في الرياض . وذلك سنة 1384 هـ ولم اكتب اسمي لأني لن استفيد شيئاً من كتابته فقد سألتني يومئذ عن اسمي أربع مرات وأنت تنساه ولكنك تميزني من بين مئة من الطلاب وأنا وزملائي لا نزال نذكر دروسك وما استفدناه منك ونذكر " الخ.." ولقد كنت تكتب لنا مذكرات تبين لنا فيها خلاصة الحكم الشرعي بعبارات موجزة واضحة ,وكانت هذه المذكرات تطبع ويتداولها الطلاب . ذكرتها بمناسبة الكلام الآن عن الغناء والموسيقى , ورجائي منك ( ورجاء إخواني أيضاً ) أن تنشر في باب الفتاوى هذه المذكرات لأني فقدتها مع الأسف .
- الجواب : إني اشكر هذا الأخ ( أو الابن ) الفاضل وإذا كنت قد سألته عن اسمه أربع مرات من عشرين سنة ونسيته , فأنا اعتذر إليه الآن , واعترف انه ازداد معي النسيان ولكني لا أنسى بحمد الله المسائل العلمية , بل قد أنسى أين قرأتها أو ممن سمعتها وحين يصل النسيان إليها ( لا قدر الله ) ادع الفتوى . وهذه المذكرات ليست عندي , ولكن عندي ( في ذهني ) خلاصة عما كتبته فيها عن حكم الغناء والموسيقى , اوجزها فيما يلي :
1- ينبغي أن نعرف ما هو الحرام ؟ الحرام عند الحنفيه هو الأمر الذي ثبت النهي عنه بدليل قطعي الدلالة وهو الآية المحكمة التي تدل على النهي دلالة محققة , والحديث المتواتر أو الذي تلقته الآمة بالقبول وكانت دلالته على التحريم محققه , وما اجمع عليه المسلمون الإجماع الصحيح على تحريمه , وما ثبت حرمة بالقياس الصحيح .
2- من المحرمات ما استقبحة الشارع لذاته , كشرب الخمر والربا والزنا , ومنها ما حرم بالنص لأنه يجر إلى المحرم ككشف العورات والنظر إليها اللذين يجران إلى الزنا .
3- القسم الأول ( وهو المستقبح شرعاً لذاته ) لا يجوز ارتكابه إلا في حال الضرورة , والضرورة هل التي تكون مسألة حياة أو موت , أو وقوع أمر مكروه قد يستسهل في سبيل دفعه الموت , كهتك العرض .
والقسم الثاني ( أي الذي يشبه كشف العورة والنظر إليها ) يجوز عند الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة , كدفع المرض .
4- الضرورة تقدر بقدرها , فمن غص باللقمة ولم يجد لأساغتها إلا الخمر جاز له أن يشرب بمقدار ما يدفع الغصة ويسيغ اللقمة , لا أن يشرب القارورة كلها . والحاجة مثلها , فالطبيب له أن يرى من المرأة ما يتوقف العلاج على النظر إليه أو لمسه , حتى لو كان الفرج عند الولادة المتعسرة , لكن ليس له أن يرى أو يلمس اكثر منه , وإذا وجدت طبيبة أنثى تسد مسدة , لم يجز للطبيب النظر ولا اللمس , لأن مضرة كشف المرأة على المرأة أهون من مضرة كشفها على الرجل .
فلنأت الآن إلى الغناء والموسيقى , هل السؤال عنهما باعتبارهما أصواتاً تسر بإيقاعها النفس وتستميل الأذن ؟ وبلفظ آخر :هل حرم الشرع سماع الأصوات المطربة المتناسقة لأنه استقبحها لذاتها ؟.
لا . ولو أن إنساناً جمع في بيته الطيور المغردة : البلابل والشحارير واستمع إليها فطرب لأصواتها لما كان في عمله محظور , فليس الغناء والموسيقى مما استقبحه الشرع لذاته لكن يطرأ عليهما التحريم في حالات .
الأولى : من جهة الكلام الذي يتغنى به فان كان فيه ما يمس العقيدة أو يضل عن سبيل الله أو يدعو إلى محرم أو ينفر من واجب أو كان فيه غزل مكشوف أو غزل بامرأة معينة معروفة لم يجز أما الغزل العفيف فلا مانع منه وبم يتغنى الناس به إن لم يتغنوا بشعر الغزل ؟ هل يكون الغناء بألفية ابن مالك في النحو .
الثانية / حال المغني والسامع فان غنت امرأة للرجال الأجانب لم يجز لأن صوت المرأة بالتطريب ( لا الكلام العادي بالصوت العادي ) يعتبر عورة ولو كان بقراءة القرآن لأنه قد ينقل الرجل من الخشوع لسماع القرآن إلى التطريب المثير للعاطفة لصوت المرأة
الثالثة / وقت الغناء فان كان في وقت أداء واجب ديني أو دنيوي والغناء يشغل السامع عنه لم يجز وان طال الوقت حتى صار سماع الغناء عادة لا يستطيع تركها كان الأولى عدم سماعه
الرابعة / مجلس الغناء فان كان فيه محرم كالخمر أو الاختلاط بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه لم يجز.
الخامسة / أثره في نفس سامعه وهذا مقياس شخصي فمن كان يعلم من نفسه أن الغناء والموسيقى يدفعانه إلى الحرام أو يصرفانه إلى الحرام أو يصرفانه عن واجب لم يجز له أن يسمع كالشاب العزب يسمع الغناء الذي يصف لوعة العاشق وجمال المعشوق فيثير في نفسه طاقه ليس أمامه مصرف لها ( كما يكون أمام المتزوج ) فيفتش عن مصرف حرام فيقع فيه أو يكتم هذه الطاقة في صدره فتؤذيه وتضنيه وتصرفه عن مطالب العيش واسباب الدراسة وما يحتاج إليه من عمل .
وهذا المقياس ينطبق أيضاً على الألحان الموسيقية المجردة عن الكلمات ورب لحن يسمعه المرء يذكره بالمكان الذي سمعه فيه ومن كان معه في ذلك المكان فيسبب له التفكير فيه رغبة في الحرام وشوقاً إليه وربما كان قد سمع اللحن في مكان لا يسمح الشرع بدخوله بل إن من النغمات ما يهيج العاطفة أو يبعث النشاط أو يحزن أو يرقص فمن دفعه اللحن إلى الحرام حرم سماعه
فما لم يكن فيه شئ من ذلك كأن يغني المرء أو يعزف لنفسه في وقت فراغه أو تغني المرأة لزوجها أو للنساء أو أن يغني الرجل للرجال بالشروط التي سبق ذكرها أو يسمع الغناء من الراد بهذه الشروط فهو على الإباحة الأصلية
أما الوضع الحالي للمغنين والمغنيات وما يقترن به من تكشف واختلاط وما ينفق فيه من جليل الأموال وما يكون لهؤلاء من التقدير في المجتمع والتقديم على أهل العلم وعلى الاساتذه والأطباء فلا يجادل مسلم في انه ممنوع في الإسلام
وقد ألف كثير من العلماء كتباً في الغناء ( والموسيقى حكمها حكم الغناء ) وانه ليس حراماً في كل حال عد منهم ( في التراتيب الإدارية ) عشرين كتاباً ( تجدون أسماءها في الجزء الثاني منه ص 132 منها :
1- كتاباً لأبن قتيبة اسمه : الرخصة في السماع
2- كتاب ابن حزم وهو معروف.

3- كتاب محمد بن طاهر المقدسي ومما قاله فيه انه لا فرق بين سماع الأوتار وسماع صوت البلبل والهزار
4- احمد الغزالي ( وهو أخو حجة الإسلام الغزالي مؤلف الإحياء ) له كتاب اسماه : بوارق الالماع في تكفير من يحرم مطلق السماع
5- كتاب الشوكاني : إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع
6- كتاب إيضاح الدلالات في سماع الآلات وقد أعيد طبعه حديثاً في دمشق بإشارة مني ومؤلفه فقيه محقق وصوفي محترف
7- كتاب ابن رجب الحنبلي : نزهة الأسماع في مسألة السماع وفي نيل الاوطار وفي إحياء علوم الدين كلام في الموضوع معروف
وفي أحكام القرآن لأبن العربي أن الرخصة في الأعراس ليست قاصرة على الدف بل تشمل جميع آلات الطرب ( الجزء 3 ص 1494 )
قال : وليس في القرآن ولا في السنة دليل على تحريمه ( 3- 1053 )
والاختلاف اليوم في أمر الغناء والموسيقى ناشئ ( كما أرى ) عن أمرين :
أولهما : أن من يقول بالإباحة ومن يذهب إلى المنع لا يتكلمان عن شئ واحد مع أن من الواجب قبل المناظرة تحديد موضوعها
فالذين يحرمون يتكلمون عن الغناء والموسيقى بوضعهما الحاضر ولا شك انه على هذه الحال ممنوع غالباً لأنه يقترن بمحرمات ويؤدي إلى محرمات ويشغل عن واجبات ويهدر امولاً الآمة أحوج إلى ريعها فيما هو انفع لها وأجدى عليها منهما وفتح المدارس للعلم واعداد الجيش للدفاع أولى من الطرب بالغناء
والذين يبيحون يتكلمون عن الغناء والموسيقى من حيث انهما أصوات موزونة مطربة تسلي ولا تؤذي ويضعون لهذه الإباحة حدوداً ويشترطون لها شروطاً
ومن حقق رأي الاختلاف في كثير من الحالات لفظياً لا حقيقياً
ثانيهما : أن الطريق الصحيح للاجتهاد هو أن نجمع الأدلة الثابتة ونفهمها ونتبعها فحيثما انتهت بنا وقفنا إما إلى التحريم أو الإباحة
وبعض الناس يقلبون الوضع فيضعون النتيجة التي يريدونها إما التحريم المطلق واما الإباحة ثم يأخذون من الأدلة ما يؤدي بهم إلى هذه النتيجة ومنهم من يدع الصحيح ويأخذ ما لم يصح وقد يفسر اللفظ على معنى يحصره فيه مع إمكان فهم معنى غيره
هذا ملخص ما كتبته في ( المذكرة ) التي أشار إليها الأخ السائل وقد بقيت هذه المذكرات تطبع ويتداولها الطلاب في الجامعة في مكة اكثر من عشر سنين من نحو سنة 1384 إلى سنة 1394 هـ
( فتاوى علي الطنطاوي - الطبعة الرابعة - دار المنارة للنشر والتوزيع - جده - (صفحه 106 – 111 )

الخلاصة:-

أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إماصحيح غير صريح ، أو صريح غير صحيح . و لم يسلم حديث واحد مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح دليلاً للتحريم ، و كل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية و الحنابلة و الشافعية .
قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب - الأحكام - لم يصح في التحريم شيء . و كذلك قال الغزالي وابن النحوي في العمدة .

و قال ابن طاهرفي كتابه في - السماع » لم يصح منها حرف واحد .

قال ابن حزم : و لا يصح في هذا الباب شيء ، و كل ما فيه فموضوع . و والله لو أسند جمعية ، أو واحد منه فأكثر ،من طريق الثقات إلى رسول الله صلي الله عليه و سلم ،‌ لما ترددنافي الأخذ به
. (انظر المحلى 9/59) .

الغنــــــاء والموسيـــــقى بين التحليـــــل والتحريـــــم

الغنــــــاء والموسيـــــقى بين التحليـــــل والتحريـــــم



في حضارتنا لم يعرف أن هناك مشكلة حول كثير من الأمور الفرعية التي نختلف حولها اليوم .. وذلك لأن التكامل والتوازن والانسجام بين عناصر الحياة كانت سمات واضحة في تصور كل مسلم ، وهو يرى دينه ناضحاً بها مترجماً عنها في كل تشريعاته .</p><p>فلما اختلطت المفاهيم ، وأسقطت على التصور الإسلامي الصحيح نزعات وأهواء ؛ جنح بعضهم إلى التفريط مسايرةً للأوضاع ، ومال آخرون إلى التحريم سداً للذرائع ، حتى ولو أدى ذلك إلى إفساد التصور الإسلامي للحياة ، وتحويله إلى مجرد ممنوعات ومحرمات ..</p><p>والإسلام (بناء تام الصنعة) ـ كما وصفه بعضهم ـ وهو يقوم على هندسة محكمة ونسب متوازنة؛ تُعطي كل شيء حقه وحجمه وإطاره الذي لا يتجاوزه ... ولو راعى الفقهاء والمفتون هذا البناء الدقيق وطبيعته المتوازنة ، وقدرته على تغذية كل الجوانب: العقلية ، والعاطفية والنفسية والفردية والاجتماعية ، .. لو فعلوا ذلك لوجدوا أنفسهم ـ في نهاية المطاف ـ لا يختلفون إلا في المصطلحات ، وفي "تحديد الحالات" موضوع البحث .... وهم متفقون ـ فيما سوى ذلك ـ لأنهم يصدرون عن دين واحد؛ يعتمد على مصادر يؤمن بها الجميع وينطلق منها الجميع ، ويهدفون إلى غاية واحدة ، وهي معرفة حكم الله . ففيم الخلاف إذن؟ !!</p>وهذا الملف الفقهي عن الغناء والموسيقى واحد من أقوى الأدلة على سلامة هذا المنهج الذي نأمل أن يصل فكرنا الفقهي إليه .
*******************
أدلة المحرمين للغناء:
في القديم والحديث وجد من ذهبوا إلى تحريم الغناء والموسيقى تحريماً أقرب إلى أن ينتظم كل أنواع الغناء وضروب الموسيقى؛ اللهم إلا ما كان من الغناء دينياً أو حماسياً وبدون آلات .
أما الغناء في غير هذين البابين فهو لا يباح عند هؤلاء إلا في الأعراس ـ لضرورة إعلان النكاح ولإشاعة السرور في هذه الليالي المخصوصة ـ كما يبيحونه ـ استثناءً أيضاً ـ في الأفراح الشرعية كالأعياد الإسلامية ، وربما في مواليد الأطفال وما يشبه ذلك من مناسبات احتفل الشرع بها ، وأقرّ الاحتفاء بها ؛ فقد روى الخمسة إلا أبا داود قولـه صلى الله عليه وسلم : "فصل ما بين الحلال والحرام الدفّ والصوت في النكاح"...
وروى ابن ماجة قوله صلى الله عليه وسلم : "أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال" .
وفي لفظ أنس بن مالك رضى الله عنه قال : "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة لقدومه فرحاً بذلك" .. إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذه الحالات المخصوصة .
وباستثناء هذه الحالات ـ ونظائرها ـ لا يبيح هؤلاء الغناء ، ويرون أنه محرم ، مستندين على تفسيرهم لآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) (لقمان "6" ) ، بأن المقصود باللهو هو (الغناء) ؛ وهو تفسير اعْتُرِضَ عليه كثيراً في القديم والحديث ، ثم إنه مربوط بالإضلال عن سبيل الله ، وكل وسيلة تتخذ للإضلال عن سبيل الله حرام ... حتى ولو كانت حلالاً في ذاتها...
كما اعتمد هؤلاء المانعون للغناء على عدد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى آراء كثير من فقهاء المذاهب الذين ربطوا بين الغناء وبعض الموبقات المرتبطة به كالاختلاط وتعري النساء وإشاعة المباذل ، ووجود المسكرات . 
وكان لهؤلاء عذرهم ـ في القديم والحديث ـ فقد ارتبط هذا الفنّ بهذه الوضعية وأصبح لصيقاً بها ، كما أن المشتغلين به عرفوا بالتحلل في جلّهم إن لم يكن كلهم ...
لكن ما نبحث عنه هنا هو الحكم الشرعي الأصلي في الموسيقى والغناء ، دون أن نربط بين الغناء والموسيقى وما يتعورهما من أوضاع ، فهذه الأوضاع تجعل التحريم تحريماً لغيره ، لا لذاته . ونحن هنا نبحث عن حكم الغناء في ذاته.

<p>ومن الأحاديث التي اعتمد عليها القائلون بالمنع الأحاديث التالية:</p><p>1ـ روى البخاري في صحيحه عن ابن مالك الأشعري رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر (الفروج) ، والحرير ، والخمر ، والمعازف".</p><p>2ـ وروى أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر والميسر والكوية والغبيراء وكل مسكر حرام" (والكوية : هي الطبل الصغير).</p><p>3 ـ وروى الترمذي في سننه من حديث علي رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء ، فذكر منها : إذا اتخذت القينات والمعازف" .</p><p>4 ـ وروى الحميدي في مسنده عنه صلى الله عليه وسلم قولـه : "لا يحل ثمن المغنية ، ولا بيعها ، ولا شراؤها، ولا الاستمتاع بها" .</p><p>5ـ وروى ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يتغنى من الليل فقال : "لا صلاة له ، لا صلاة له ، لا صلاة له" .</p><p>6 ـ وذكر القرطبي في تفسيره : (الجامع لأحكام القرآن)  من رواية مكحول عن عائشة</p><p>ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه" .</p><p>7 ـ وروى ابن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من جلس إلى قينة (مغنية) يسمع منها صب؛ في أذنيه الأنك يوم القيامة" .</p><p>8 ـ روى الترمذي الحديث في (نوادر الأصول) مرفوعاً من حديث أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين" ، فقيل : ومن الروحانيون يا رسول الله ؟ قال : "قراء أهل الجنة".</p><p>وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير" ، قالوا يا رسول الله أليس يشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ؟ قال : "بلى ، ويصومون ، ويصلون ، ويحجون" ، قيل : فما بالهم ؟ قال : اتخذوا المعازف والدفوف والقينات ، فباتوا على شربهم ولهوهم ، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير".</p><p>وعن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة ـ رضي الله عنها ـ ورجل معه ، فقال لها الرجل :</p>يا أم المؤمنين ، حدثينا عن الزلزلة . فقالت : إذا استباحوا الزنا ، وشربوا الخمور ، وضربوا بالمعازف؛ غار الله في سمائه ، فقال : تزلزلي بهم ، فإن تابوا وفزعوا وإلا هدمتها عليهم . قال : قلت : يا أم المؤمنين : أعذاب لهم ؟ قالت : بل موعظة ورحمة وبركة للمؤمنين ، ونكال وعذاب وسخط على الكافرين . قال أنس " ما سمعت حديثاً بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ   أنا أشدّ به فرحاً مني بهذا الحديث" .
وإلى جانب هذه الأحاديث يعتمد الذين يمنعون الغناء على آراء فقهية وردت عن كثير من الأئمة والفقهاء ؛ فقد روى عن الإمام أبي حنيفة أنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب ، وقد صرّح أصحاب أبي حنيفة بتحريم سماع الملاهي ، وصرحوا بأنه معصية ، ونسب إلى سفيان ، وحماد والشعبي القول بالتحريم ، وكذلك سئل الإمام مالك عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفسّاق ، ويرى الإمام الشافعي أنه مكروه ، ويرى أن الاستكثار منه (سفه) ، والإمام أحمد بن حنبل يجعل الغناء ينبت النفاق في القلب ، وهو لا يعجبه ، ونصّ أحمد على كسر آلات اللهو  ... ويرى التحريم كذلك (ابن القيم ) والطرطوشي ، ومن المعاصرين الشيخ /
أبو بكر  الجزائري ، والشيخ صالح الفوزان، ويميل إلى ذلك الشيخ أحمد بن يحيى النجمي ، وكثير من علماء السلف.
***********************
أدلة المبيحين للغناء:
من المعروف في علم الأصول ، ومن حديث الرسول الصحيح أن ما سكت الله عنه ، فهو حلال، والله لم ينس شيئاً ، و لا ينسى ، فالمسكوت عنه إنما سكت عنه تخفيفاً ... وهذه قاعدة لا يختلف فيها اثنان.
وبناءً على هذا الأصل المعروف من أصول التشريع اعتمد الذين ذهبوا إلى (إباحة) الموسيقى والغناء ، عندما تمكنوا من ردّ الأحاديث والآراء التي تذهب إلى التحريم القاطع ـ من وجهة نظرهم ـ فابن حزم وهو من الأئمة الذين يميلون للإباحة ، يتتبع الأحاديث التي اعتمد عليها الذين ذهبوا إلى التحريم القاطع .. وهو يحمل  عليها من جهة سندها ورواتها ، كما يطعن فيها من ناحية فهم المانعين ، ومثله ـ في هذا المنهج ـ أبو الفضل المقدسيّ .. وبعد أن ينتهي ابن حزم الأندلسي ، وأبو الفضل  المقدسيّ من تتبع الأحاديث سنداً ومتناً .. يريان أن النتيجة الطبيعية هي الرجوع إلى (الأصل) وهو (الإباحة) ما دام لم يصح فيها تحريم ، ويقول ابن حزم الأندلسيّ في ذلك : (إنه لم يصح في باب تحريم الغناء حديث ، وكل ما فيه فموضوع) .. ثم يقول : "ووالله لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تردّدنا في الأخذ به" .
ومن ثم يتدرج ابن حزم ـ بعد الانتهاء من تتبع أحاديث التحريم ـ إلى المرحلة الثانية التي يقوم عليها الرأي القائل بالإباحة ، وهي تقديم عدد من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تفيد إباحة الرسول ـ قولاً ، أو فعلاً ، أو تقريراً ـ للسماع.
ـ فعن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسْجى بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ، وقال: "دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد" ...
وفي حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كانت جارية من الأنصار في حجري ، فزففتها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع غناءً فقال : "يا عائشة ألا تبعثين معها من يغني ؛ فإن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء؟ ...
وعن جابر رضى الله عنه "نكح بعض الأنصار بعض أهل عائشة ، فأهدتها إلى قباء ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أهديت عروسك؟" قالت نعم : قال : "فأرسلت معها بغناء فإن الأنصار يحبونه" ؟ قالت : لا ، قال : "فأدركيها يا زينب ـ وهي امرأة كانت تغني بالمدينة ـ" .
ويروي المقدسي بسنده إلى خالد بن ذكوان عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوّذ قالت : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليّ صبيحة  بُني عليّ فجلس على فراشي كمجلسك مني ، فجعلت جويريات يضربن بدف لهن ، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إلى أن قالت إحداهن : وفينا نبيٌّ يعلم ما في غد ، فقال : "دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين قبله". وهذا حديث صحيح أخرجه البخاري" !!
ويذكر عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر سفراً طويلاً فنذرت جارية من قريش لئن ردَّه الله تعالى أن تضرب في بيت عائشة بدفّ ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت الجارية فقالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : فلانة ابنة فلان نذرت لئن ردّك الله تعالى أن تضرب في بيتي بدف ، قال : "فلتضرب" قال أبو الفضل : وهذا إسناده مفصل ، ورجاله ثقات ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا نذر في معصية الله" فلو كان ضرب الدف معصية لأمر بالتكفير عن نذرها أو منعها من فعله .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراش ، وحول وجهه ، فدخل أبو بكر فانتهرني ، وقال لي : أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعهما"
ويروى عن طريق أبي داود عن نافع مولى ابن عمر قال : سمع ابن عمر مزماراً فوضع إصبعيه في أذنيه ، ونأى عن الطريق ، وقال لي : يا نافع ، هل تسمع شيئاً ؟ قلت: لا . فرفع إصبعيه من أذنيه ، وقال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وسمع مثل هذا ، وصنع مثل هذا (ولو كان الغناء حراماً لما اكتفى الرسول بوضع يديه على أذنيه تنزيهاً لنفسه ؛ بل كان نصّ على التحريم).
وعن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ قالت : جاء حبش يزقنون في يوم عيد في المسجد، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضعت رأسي على منكبه ، فجعلت أنظر إلى لعبهم ، حتى كنت أنا التي انصرفت عن النظر.
ويروى من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عامر بن سعد البجلي أنه رأى أبا مسعود البدري ، وقرظة بن كعب ، وثابت بن يزيد ، وهم في عرس وعندهم غناء فقلت لهم: هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : إنه رخص لنا الغناء في العرس ، والبكاء على الميت من غير نوح.
وكما اعتمد المانعون للغناء على بعض الآراء الفقهية ، كذلك اعتمد المبيحون له على بعض الآراء الفقهية.
فإلى جانب ـ ابن حزم الأندلسي ، وأبي الفضل المقدسيّ ـ اللذين دافعاً بقوةٍ عن السماع ، يرى هؤلاء أن الشافعي لم يقل بالتحريم ، وإنما هو ضد الإكثار منه ، كما يرون أن كثيراً من آراء الفقهاء لا تفيد التحريم بإطلاقه .
ـ ومذهب أحمد ومالك أقرب إلى الكراهية منهما للتحريم ، فهما كالشافعي أقرب إلى التوسط ؛ بل وأباح الشافعي سماح الحداء والرجز وإنشاد الشعر ، وقراءة القرآن بالترنّم حدرًا وتحزيناً ، ومن هؤلاء ابن حجر العسقلاني ، والماوردي ، وابن قدامة الحنبلي ، ونسب إلى بعض الحنابلة الإباحة.
ـ ومن الذين يبيحون بوضوح كامل ـ على غرار ابن حزم والمقدسيّ ـ أبو حامد الغزالي ، وأبو الطيب الطبري ، والشيخ أبو إسحاق ، وابن الصباغ ، ومن المحدثين كثيرون ـ بشروط ـ وسنذكرهم فيما بعد.
رأي أبي حامد الغزالي: نموذج للرأي الوسط :
والحق أنه ـ من بين الآراء المطروحة ـ كان لرأي (أبي حامد الغزالي) الذي بسطه في كتابه (إحياء علوم الدين) قيمة خاصة.
فلقد امتاز هذا الرأي بكثير من الاستقصاء للنصوص ، والتفصيل في الموضوع، والموضوعية والحياد ، والموازنة بين الملابسات والمواقف التي تميل بالرأي إلى الأصل وهو الإباحة ، أو إلى العوامل الطارئة التي تجعله حراماً ... فليس كل غناء حلالاً وليس كله حراماً . كما أن (أبا حامد الغزالي) كان متحفظاً في إطلاق التحريم ـ لأن الواجب هو ذلك ـ وكان ـ مع ذلك ـ محافظاً في ضرورة الالتزام بشروط وآداب حتى نسدّ الذرائع ..
والأكثر من ذلك كله أن (أبا حامد) حدَّد مناطق بعينها يجوز فيها السماع ، وحدّد مناطق يحرم فيها السماع ـ فأضاء لنا أبو حامد ـ بالتالي كثيراً من المناطق التي كانت تتسم بالغموض والالتباس.
يقول أبو حامد الغزالي : اعلم أن قول القائل السماع حرام؛ معناه أن الله تعالى يعاقب عليه، وهذا أمر لا يعرف بمجرد العقل ؛ بل بالسمع ومعرفة الشرعيات محصورة في النص ، أو القياس على المنصوص ، وأعني بالنص : ما أظهره صلى الله عليه وسلم بقولـه أو فعله ، وبالقياس : المعنى المفهوم من ألفاظه وأفعاله ، فإن لم يكن فيه نص ، ولم يستقم فيه قياس على منصوص ، بطل القول بتحريمه ، وبقى فعلاً لا حرج فيه ، كسائر المباحات ، ولا يدل على تحريم السماع نص ولا قياس ، ويتضح ذلك في جوابنا على أدلة المائلين إلى التحريم ، ومهما تمَّ الجواب عن أدلتهم ، كان ذلك مسلكاً كافياً في إثبات هذا الغرض .. ولكننا نقول : لقد دل النص والقياس جميعاً على إباحته.
ـ ثم يقول الغزالي : أما النظر فيه من حيث إنه محرك للقلب ، ومهيج لما هو الغالب عليه؛ فإن الحيوان يؤثر فيه السماع ، ولذلك قيل : (من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره ؛ فهو فاسد المزاج ليس له علاج).
ويحدد الغزالي المواضع التي يباح فيها الغناء كما يحدد أنواعه المباحة فيقول :
والترنّم بالكلمات المسجعة الموزونة معتاد في مواضع لأغراض مخصوصة ترتبط بها آثار في القلب ، وهي سبعة مواضع:
الأول :  غناء الحجيج ؛ فإن فيه التهييج إلى حجج بيت الله ، وهم يدورون بالطبل والشاهين والغناء ، وينظمون أشعاراً في وصف الكعبة ، والمقام والحطيم ، وذلك مباح ، وكل ذلك جائز ، ما لم تدخل المزامير والأوتار.
الثاني : ما يعتاده الغزاة لتقوية القلوب ، والتحريض على الغزو ، وذلك مباح .
الثالث :  الرجزيات التي يستعملها الشجعان وقت اللقاء ، وفيها التمدح بالشجاعة ، فإن كان القتال مباحاً فهو مباح.
الرابع : أصوات النياحة ونغماتها وتأثيرها ، والمذموم منه النياحة على ما فات والتسخط لقضاء الله .
الخامس : السماع في أوقات السرور تأكيداً للسرور ، وتهييجاً له ، وهو مباح إن كان ذلك السرور مباحاً كالغناء في أيام العيد ، وفي العرس ، وفي وقت قدوم الغائب ، وفي وقت الوليمة والعقيقة ، وما أشبه ذلك.
السادس : سماع العشاق تحريكاً للشوق ، وتهييجاً للعشق تسلية للنفس ، وهذا حلال إن كان المشتاق إليه ممن يباح وصاله : كمن يعشق زوجته أو سريته ، وإذا أنزل ما يسمعه على ما لا يحل له فهذا حرام.
السابع : سما ع من أحب الله وعشقه واشتاق إلى لقائه.
ومن زاوية أخرى يحدد أبو حامد الغزالي الحالات التي يحرم فيها الغناء فيقول :
العارض الأول : أن يكون المُسْمِع امرأة لا يحل النظر إليها ، وتخشى الفتنة من سماعها ، وكذلك الأمرد الذي تخشى فتتنه ، أما كلام النساء العادي ، وصوتهن فليس بعورة ، فما زالت النساء على عهد الصحابة يكلمن الرجال ، غير أن الغناء فيه تحريك للشهوة ، فيحرم إذا خيفت الفتنة ، وكذلك إذا خيفت الفتنة على الرجل .
العارض الثاني : في الآلة ؛ بأن تكون من شعار أهل الشرب ، والمخنّثين ، وهي المزامير والأوتار وطبل الكوية .
العارض الثالث : في نظم الصوت وهو الشعر ، فإن كان فيه كذب على الله ورسوله، وصحابته ، أو فيه شيء من الخنا والفسوق ، والهجو حرم .
العارض الرابع : في المستمع وهو أن تكون الشهوة غالبة عليه ، فالسماع حرام عليه ؛ فإنه إذا سمع حرك ذلك من شهوته.
العارض الخامس : أن يكون الشخص من عوام الخلق ، لم يغلب عليه حب الله ، فيكون السماع له محبوباً ، ولا غلبت عليه شهوة فيكون في حقه محظوراً ؛ ولكنه أبيح في حقه كسائر المباحات ؛ إلا أنه إذا اتخذه ديدنه، وقصر عليه أكثر أوقاته ؛ فهذا هو السفيه الذي ترد شهادته ؛ فإن المواظبة على اللهو جناية ، وبعض المباحات بالمداومة تصير صغيرة، فما كل حسن يحسن كثيره ، ولا كل مباح يباح كثيره.
وهذا هو خلاصة رأي أبي حامد الغزالي أورده في كتابه المشهور (إحياء علوم الدين)، وأورد فيه نصوصاً كثيرة من السنة ، ومن آراء الفقهاء ... لكننا تركناها لورودها معنا في مواضع أخرى استشهد بها المانعون أو المبيحون أو الناهجون نهجاً موضوعياًَ وسطاً .
لكن أبا حامد الغزالي ـ كما ألمعنا سلفاً ـ بسط القضية من جميع جوانبها ، فكان رأيه نموذجاً للاعتدال والحياد ، ولهذا اخترناه ممثلاً للمدرسة الموضوعية المعتدلة ـ الواقفة عند حدود النصّ ، وفقهه الفقه الموضوعي ، لا أن تسقط على النصوص الكريمة من خلفياتها المتشدّدة ، ولا من خلفياتها المتفلتة المفرطة .. فالحق أحق أن يتبع دون إفراط أو تفريط .
تحرير محل النزاع بين المبيحين والمانعين :
إن الباحث في أمر الموسيقى والغناء يجد تناقضاً بين الطرفين اللذين يتصوران أمر الغناء ويحكمان عليه ... وبما أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره .. فلابد من تحديد موضع النزاع ، والاتفاق على صورة الغناء .. تدرجاً في عملية الوصول إلى الحكم عليه.
فالذين يذهبون إلى إباحة الغناء يتكلمون ـ غالباً ـ عن صورة ليست في مخيلة الذين يحرمون الغناء .. فصورته التي يحكمون عليها .. هي صورة امرأة تغني لزوجها أو لنفسها أو لأولادها... أو صورة رجل يغني لنفسه أو لأولاده ولأسرته أو لرفقائه في الرحلة ، أو لمجتمع من الرجال في حالات فراغ ، وفي ظل شروط كريمة ، وقد تغنى المرأة للنساء ، أو تغني ـ دون تحنث ـ في الأفراح للنساء والأطفال , وللمحارم .. وهلمّ جرا من هذه الصور التي تفتح على الحياة نوافذ من الراحة ، وتغير من كآبة الحياة ، وترقى الوجدان ، وتخفف من حدة الصراع العقلي.
أما الذين ذهبوا إلى التحريم فصورته عندهم مختلفة تماماً .. فالغناء عندهم امرأة (أجنبية) تتمايل ، وكئوس تتداول ، واختلاط ومباذل ، ورقص وتصفيق ، وسقوط في الكلمات عميق ، وهو عندهم ـ أيضاً ـ سهر حتى الصباح ، ونوم طول النهار على مزمار الشيطان .. بينما هو عند الأول ، سويعة من الزمن لا تمنع عن الفرائض أو السنن .. ولا تطغى على بقية الواجبات ,
ولا تفسد صياغة الإسلام للحياة ..
فهكذا يتبين لنا أن (الموضوع) الذي يتصوره الطرفان للغناء مختلف ، وللأسف فإن كلاً منهما يحكم ـ (بالجملة) ـ على الغناء من وجهة النظر التي يتخيلها له ... مع أن الأمر يحتاج إلى تفصيل...
وهذه نقطة أساسية من نقاط تحرير محلِّ النزاع بين الطرفين .
والنقطة الثانية هي أن (الزمان) موضع خلاف بين الطرفين أيضاً ، ويجب الاتفاق عليه .. فحتى لو كان الغناء حلالاً كله (بالشروط الإسلامية بالطبع) فإنه يمكن أن ينقلب إلى التحريم إذا هو استغرق وقت المسلم أو جل وقته، أو إذا طغى على واجباته الأساسية ما كان منها دنيوياً أو أخروياً .
فإذا كانت بعض الإذاعات الإسلامية والعربية تعطي الغناء ـ من وقت إرسالها ـ نصف الوقت المخصص للإرسال ، فهذا إسراف لا يرضي به الله ، ولا يقره أحد. وهذا يدفعها إلى إذاعة الخبيث والطيب ... فيرفض الناس الغناء بالجملة ، ولا سيما وأنَّ تأثير الخبيث أمكن من تأثير الطيب ، فالسقوط أسهل من الصعود.
وبالتالي ، فلابد من الاتفاق على أنَّ إباحة الغناء هي إباحة مقيدة بزمان محدود لا يطغى على البرنامج الإسلامي للحياة.
وأما النقطة الثالثة التي لا بد من الاتفاق عليها ، فهي أن هناك شروطاً يقول بها المبيحون ، وهي شروط تنفي عن الغناء كثيراً من صوره الماجنة التي نراها اليوم ، والتي لا يتحقق فيها إلا المباذل والمناكر ؛ بل هي ليست من الفن الصحيح في شيء . فلو توافرت الشروط والضمانات ، فلا امرأة أجنبية في أوساط الرجال ، وليس هناك تخنّث ، ولا يوجد في الكلمات دعوة إلى الفسق أو الكفر ، وليس ثمة تضييع للفرائض ، ولا خمور أو ما ينتسب إليها .. إلى غير ذلك من الشروط .. لو توافرت هذه الشروط فإن الرأيين سيقتربان ، وسيمكن التعرف على مواطن الإباحة والتحريم في الموسيقى والغناء .. لأن الأمر لا يمكن أن يؤخذ بالجملة.
تحقيق حكم الغناء والموسيقى في تراثنا الفقهي القديم :
ها قد سردنا الآراء في الغناء بين المنع والإباحة ـ في فقهنا القديم ـ ولقد وجب أن نمحِّص الرأي فيما ذهب إليه هؤلاء وهولاء ـ ( على ضوء تحرير محل النزاع) ـ !!
ولنستعرض الآن رأي أحد العلماء المعاصرين في هذا الموضوع وهو الدكتور/ "عبد الفتاح محمد الحلو" الذي يقول :
ـ لقد أصاب أكثر الذين ناقشوا فكرة السماع ، سواء منهم من حكم بكراهيته ، أم من حكم بحرمته ، أم من حكم بحلّه فلكل رأيه؛ ولكن واجب البحث يحتم علينا أن نناقش بعض المسائل التي أثاروها ، ويمكن أن يقال : إن رأي الشافعي رضى الله عنه لا يتيح فرصة للمناقشة ، فهو محايد إلى حد كبير ، وأما ما قرره الحافظ ابن قيم الجوزية وغيره من الذين ذهبوا إلى التحريم ، فقد رأينا أن الأحاديث التي استدلوا بها ضعَّفها الحفّاظ وأهل البصر بالحديث مرة من جهة السند ، وأخرى من جهة المتن ، ولم يسلم إلا حديث البخاري عن هشام بن عمار ، وأيضاً فهذا الحديث لم يسلم من الطعن ، فلم يقبله بعض الفقهاء ؛ لأن البخاري لم يتصل ما بينه وبين صدقة بن خالد.
وأما ابن حزم فلم يُفـْصِّلْ في السماع الحلال تفصيلا شافياً يمكن أن يستند عليه ، وكان كل همِّه إثبات (حِلّيته) ، وكذلك فعل أبو الفضل المقدسي . وأما الغزالي رحمه الله  فقد فصل تفصيلاً مقبولاً إلى حد كبير ، وإن كان قد رخص لنفسه وأوسع من صدر كتابه (الإحياء) لقصص التواجد عند الصوفية وقت السماع ، وبعضها ؛ بل وكثير منها خارج عن حدِّ الاعتدال ، ولم يناقش
أبو حامد إلا الأحاديث التي تحرم الغناء أو الدف والطبل والشاهين ، وقد اقتنع بالأحاديث التي تحرم المزامير والأوتار والملاهي ، وعلـَّل تحريمها.
ويمكن أن نقول : إن كل الأحاديث الواردة في النهي عن الغناء وما يصحبه من آلات أو أكثرها ـ وعلى الرغم من تضعيف المحدثين لها ـ يمكن أن يقال بأنها ترسم صورة مكتملة لقوم تفشت بينهم الإباحية ، وهمتهم فوضى الشهوات ، وصرخت في دمائهم شياطين الفساد؛ فاجتمعوا على غناء داعر ، وشراب مسكر ، ولهو مستنكر مذموم ، وقد خرجوا بذلك كله عن محيط الحياة وما فيها من إلزام وجد رصين ، فلا عجب أن يصيبهم المسخ ، سواء أكان ذلك على حقيقته أم كان هذا على التشبيه والمقارنة ، ولا يجب أن ندخل في قضية جديدة أثارت الفقهاء وأثاروها.
ومما لا شك فيه أن أحداً ممن يعرف فكرة الإسلام في الحفاظ على المجتمع والذود عن حياضه يدرك تماماً أنه لا يقرّ هذه الصورة المرذولة.
ولو نظرنا الآن إلى الفنون عامة ـ وإلى السماع بنوع خاص ـ وقارنا بين ماضيها وحاضرها لأمكن أن يقال : إن أكثرها كان قديماً ، وقبل أن تترقى الإنسانية؛ مجالاً رحباً لإرضاء الشهوات ، وإشباع الغريزة الجنسية ، أو على الأقل التنفيس عنها، ويوضح هذا ما نقله الغزالي عن
الشافعي رضى الله عنه : من أنه ـ أي السماع ـ ليس من عادة ذوي المروءة والدين؛ بينما نحس الآن أن السماع لو وُجّه وجهةّ فطريةً طيبةً لكان من العوامل الهامة في ترقية مدارك الناس ، ثم لحملهم على السمو بغرائزهم ، ولدفعهم في الأعم الأغلب إلى مثل عليا ، لا يفيد في الدعوة إليها حالياً خطب الخطباء، ولا روائع الكتاب.
وعلى ذلك فيحسن بنا أن نحدد على ضوء الدراسة المنهجية ، وعلى ضوء ما أدركنا في فهم النصوص وتصحيحها، الحدود التي يلتزمها السماع؛ حتى يمكن أن يفيد معنويات الأمة ، وحتى لا يجافي روح التشريع وقداسته.
فالسماع يجدر بنا أن نحكم (بحلّه) ، فقد تضافرت النصوص التي تؤيد ذلك ، ولكن هذا الحكم يجب ألاَّ يكون على إطلاقه ، ذلك أن هناك من الملابسات والأمور التي قد تحرمه وتجعله وزراً ، ولا نكاد نستشعر فرقاً بين آلة وترية وغير وترية حتى نحكم بحل السماع بالدفّ ، ونحكم مرة أخرى بحرمة السماع بالعود ؛ لأن تأثير الآلات واحد . والتعليل الذي قدمه الغزالي يمكن أن يقبل بالنسبة لوضع مدمن الخمر أو سابق العهد بها ، أما بالنسبة لجمهور المسلمين ، فلا يمكن أن يقبل هذا التعليل.
وللسماع الآن أكثر من صورة ، وأكثر من شكل ، وأكثر من موضوع ، ويمكن أن نحكم بحل السماع إذا وضعنا نصب أعيننا الأشياء الآتية :
أولاً : مكان السماع : فإذا كان السماع في حفلات صاخبة مثل هذه الحفلات التي تقام له فتراق فيه الخمر ، وتكشف فيها النساء عن مفاتنهن ، أو تكشف المرأة المغنية فيها عن مفاتنها وما لا يحل لها كشفه من جسمها ، فإن ذلك حرام ، وما كان للمسلمين ، ولا لأحد من الفقهاء أن يحكم بحل السماع على هذا الشكل.
ثانياً : اللحن والصوت اللذان يؤدى بهما الغناء : فإن كان فيهما خروج عن الآداب ، أو ميل إلى إثارة الغرائز الدنيّا ، أو كان في الكلام الذي يتألف منه اللحن ما يؤدي إلى ذلك فما من شك في أن ذلك غير جائز.
ثالثاً : الوقت الذي يضيع في هذا اللهو : يجب أن لا يجني على المقومات الأصلية للتكوين الفردي ، والتكوين الجماعي ، فإذا ما أصبح السماع دَيْدَنَ الناس ، وتلهوا به عن مقومات حياتهم وعن فروض دينهم ، وعن تكوين أمتهم وبناء صرحها ، فإن الإسلام لا يبيحه ولا يرضى به ، وإنما يعتبر هذا العمل جرماً يسقط المكانة الأدبية للمرء ، ويمنعه في المشاركة في المظهر الأدبي للأمة فيسقط منه حق الشهادة أمام القضاء.
رابعاً : يجب أن يراعى في السماع ألا يجني على النشء الجديد: وأن نلاحظ الطبقات التي تتكون منها الأمة ، فمما لا شك فيه أن بعض أنواع السماع تؤثر في المراهقين المولعين بالشهوات تأثيراً أضخم مما تؤثره في الأشخاص العاديين .
هذا .. وقد أصبح الآن جهاز السماع ومقوماته:"الإذاعة" و "التلفاز" بيد الدولة ، كما أن الدولة يمكن أن تراقب محلات الأشرطة وأسواقها ، وهذا بدوره يلقي عليها عبئَا ثقيلاً يجب أن تنهض به، ومن واجب الدولة أن تمحص الأمور ، فتراعي الفكرة الإسلامية الأخلاقية في صياغة الأغنية وتلحينها وأدائها ، وتوجه الأغنية والبرامج الغنائية وجهة إصلاحية نافعة . كذلك يمكن للأجهزة الحكومية الأخرى ـ في كثير من بلدان العالم الإسلامي ـ أن تمنع هذه الحفلات الصاخبة ؛ حفلات العرس وأشباهها ، التي يستغل فيها ذلك النوع من الفن استغلالاً سيئًا يتلف الأخلاق ، ويذهب بالمثل العليا . هذا هو صوت التشريع ، وهذه هي أحكامه ، وهي بلا شك أحكام واعية رشيدة تبين حرص الإسلام على الأمة وجهده في بنائها ... وهذا هو تحقيقي لأمر الغناء .
وبهذا ينتهي رأي للدكتور/ عبد الفتاح محمد الحلو في هذا الشأن.
الغناء والموسيقى في الفقه المعاصر:
واستكمالاً لوجوه الرأي ، ووصولاً إلى الاجتهاد الجماعي ، وتوفيراً لعنصر المعاصرة ـ كان لابد لنا من أن نستعرض (قضية الغناء والموسيقى) نعرف آراء أولى الفقه والرأي من مختلف المدارس الفقهية ... ولنبدأ الآن بمعرفة رأي أبي عبد الرحمن عقيل الظاهري في قضية الغناء؛ لنعرف هل يراه مباحاً أم يراه غير ذلك .. وهو يرى :
 (أن الإباحة والتحريم إنما هما للشرع ، وتلمس الإباحة من الشرع تعطينا يقينا بأن كثيراً من الغناء العربي والغربي في هذا العصر لا يحل شرعاً ، لا لأنه غناء فقط ؛ وإنما لأجل اعتبارات أخرى صاحبته  !
وهذه الاعتبارات راعى بعضها القاضي (أبو بكر بن العربي) فاعتبر غناء زوجة الرجل أو ملك يمينه بشتَّى المثيرات من القرب والطاعات ؛ لأنها تثيره في شيء يثاب عليه. وكلمة يثاب عليه أكثر من قولنا: إنه مباح.
والإمام (ابن حزم) كتب رسالته في الغناء وهي ضميمة موجزة جداً وتناوله في كتاب البيوع، ودعواه صحيحة في جملتها ، ولكن استدلاله واعتراضه على المحرمين لا يتسق مع كثير من أصول المسلمين الصحيحة ، مثال ذلك قدحه في حديث هشام بن عروة ، وهو في صحيح البخاري، فضلاً عن زعمه انقطاع الحديث وهو غير صحيح .
والخلل في كلام ابن حزم أنه (أولاً) لم يحقق القاعدة في معلقات البخاري ، رغم أنه شرح أبواب البخاري ، وأجاب عن بعض الاستشكالات على الصحيح .
والخلل (الثاني) أنه لم يتتبع الأصول التي وصلت حديث هشام .. ولهذا كان (الحافظ
ابن حجر) أكثر توفيقاً في هذا الأمر ؛ لأنه اطلع على أصول لم يطلع عليها ابن حزم كصحيح الإسماعيلي .
وعلى أية حال فدعوى ابن حزم في إباحة الغناء بالشروط التي ذكرها صحيحة وذلك في كتابيه : (رسالة الغناء ، والمحلى).
إلا أنه في كتيِّبه الموسوم باسم (الجامع) .. عاد فقرر أن الغناء حلال وترك سماعه أفضل ... فهذا تناقض .. لأن المباح في عرف أهل اللغة والفقهاء والقانونيين والعرف العام للناس أنه ما كان مستوى الطرفين .. فلا يوصف بأفضل أو أسوأ.
فإن ترك الإنسان "المباح" وشغل وقته بالجديات ففي هذه الحالة نقول : فعله أفضل ، وهو الأخذ بالجدّيات ... أما المباح ذاته الذي تركه فلا يوصف بأفضل ولا أسوأ ... لأنه إن وصف بالأفضل كان مستحباً ، وإن وصف بالأسوأ كان مكروهاً (وحقيقة المباح غير هذين) ...
وهذا تقرير لمذهب ابن حزم نفسه ، وما له أو عليه فيه ...
ـ أما ما أراه شخصياً (والكلام لأبي عبد الرحمن الظاهري) فهو أن الغناء حلال في ذاته ، وقد يكون حراماً لغيره كأن صحبه قيان وخمر ، وكأن يكون الغناء بصوت شاب متكسر مثير للغدد الجنسية .. أو أن تكون الكلمات تشتمل على ما لا ينبغي شرعاً ، من التلفظ بفاحشة
أو اعتراض على قدر الله (ولا أرضى بالمكتوب) أو تهكم بالغيب كقول : (الهادي آدم) الذي غنته أم كلثوم (قد يكون الغيب حلواً ـ إنما الحاضر أحلى) ... وإنما قلت (الغناء حلال لذاته ، حرام لغيره) مراعاة لناحيتين :
أولاهما :  تحاشي تفسيق أئمة فضلاء استباحوا وأباحوا غناءً معيناً باجتهادهم الشرعي .. وهم أئمة في الفقه والحديث كبعض أصحاب الشافعي .. وبعض فقهاء المدينة ،
وابن طاهر القيسراني الحنبلي وابن حزم ... وغيرهم.
وثانيتهما : أنني تأملت النصوص الشرعية الواردة في الغناء .. فوجدتها على أربعة أقسام :
الأول : نصوص قطعية الدلالة والثبوت على التحليل والتحريم .
الثاني : نصوص غير قطعية الدلالة وغير قطعية الثبوت على التحريم أو التحليل.
وثالثها : نصوص قطعية الدلالة غير قطعية الثبوت على التحليل أو التحريم ...
ورابعها : نصوص غير قطعية الدلالة ، ولكنها قطعية الثبوت على التحريم أو التحليل.
فالأقسام الثلاثة الأخيرة لا تقوم بها الحجة ؛ لأن النص لا تقوم حجته حتى يكون قطعياً في دلالته وثبوته ، ولست أريد بالقطع البرهان المنقطي أو الرياضي .. أعني اليقيني ، وإنما أريد بالقطع ، ما تتعين به الحجة في مصطلح الشرع بأن يكون راجحاً .. لأن ترك الرّجحان سفه وعناد، وترجيح المرجوح مكابرة .. والترجيح بلا مرجح تحكم ، فبقيت الحجة في القسم الأول ، وهو قطعي الدلالة والثبوت. على التحليل والتحريم ، فتأملنا النصوص المبيحة للغناء ، فوجدناها غير معلّلة ولا محددة بآفة تصحبها .
أما النصوص المحرمة بالإضافة إلى تعليلات المجتهدين من (المحرِّمين) فقد أضافت إلى الغناء شيئاً حُرِّم الغناء لأجله ، كالنماذج السابقة (القيان والخمور).
لهذا لزم القول بأن الغناء (حلال لذاته حرام لغيره) وهذا خلاصة ما انتهى إليه اجتهادي !!
ـ ويرى الدكتور(يوسف القرضاوي عميد كلية الشريعة بقطر) أن الغناء والموسيقى من اللهو الذي تستريح إليه النفوس ، وتطرب له القلوب ، وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش
أو تحريض على إثم ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى غير المثيرة .
وهو يستحب في المناسبات السارة ، إشاعةً للسرور ، وترويحاً للنفوس ، وذلك كأيام العيد والعرس وقدوم الغائب ، وفي وقت الوليمة ، والعقيقة وعند ولادة المولود.
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
يا عائشة : "ما كان معهم من لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو" .
وقال ابن عباس : زوجت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "أهديتم الفتاة" ؟ قالوا : نعم ، قال: "أرسلتم معها من يغني؟" قالت : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الأنصار قوم فيهم غزل ، فلو بعثتم معها من يقول : أتيناكم ، أتيناكم ، فحيانا وحياكم" ؟
ويستشهد الدكتور/ القرضاوي بما ذكره الإمام الغزالي في كتاب (الإحياء) من أحاديث غناء الجاريتين ولعب الحبشة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وتشجيع النبي لهم بقوله : "دونكم يا بني أرفدة" .
وقول النبي لعائشة : "تشتهين أن تنظري" ووقوفه معها حتى تملَّ هي ، ولعبها بالبنات مع صواحبها ، ثم قال : فهذه الأحاديث كلها في "الصحيحين" وهي نص صريح في أن الغناء واللعب ليسا بحرام ، وفيه دلالات على أنواع من الرخص منها :
الأول : اللعب ، ولا يخفى عادة الحبشة في الرقص واللعب.
الثاني : فعل ذلك في المسجد.
الثالث :  قولـه صلى الله عليه وسلم : "دونكم يا بني أرفدة" وهذا أمر باللعب ، والتماس له فيكف يقدر كونه حراماً ؟
والرابع :  منعه لأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ عن الإنكار والتعليل والتغيير وتعليله بأنه يوم عيد .
والخامس : وقوفه طويلاً في مشاهدة ذلك وسماعه.
والسادس : قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة ابتداء : "أتشتهين أن تنظري" ؟
والسابع : الرخصة في الغناء ، والضرب ، والدف من الجاريتين ..
وقد روى عن كثير من الصحابة والتابعين ـ رضي الله عنهم ـ أنهم سمعوا الغناء ولم يروا بسماعه بأساً, أما ما ورد في تحريمه من أحاديث نبوية فكلها مثخنة بالجراج، لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه ، وقال القاضي أبو بكر بن العربي : لم يصح في تحريم الغناء شيء ، وقال ابن حزم : كل ما روى فيها باطل موضوع.
وقد اقترن الغناء والموسيقى كثيراً بالترف ومجالس الخمر والسهر مما جعل كثيراً من العلماء يحرمونه أو يكرهونه ، وقال بعضهم : إن الغناء من "لهو الحديث" ولهذا كان لابد لإباحة الغناء من قيود تراعى عند السماع وهي :
 1ـ أن يكون موضوع الغناء مما لا يخالف أدب الإسلام وتعاليمه .
2ـ وطريقة أداء المغني له غير الكريمة فتنقله من دائرة الحل إلى دائرة الحرمة ، وذلك بالتكسر والتمييع وتعمد الإثارة للغرائز والإغراء بالفتن والشهوات .
3 ـ كما أن الدين يحارب اللغو والإسراف في أي شيء حتى في العبادة فما بالك في الإسراف في اللهو ، وشغل الوقت به ، والوقت هو الحياة ؟!
4 ـ وتبقى هناك أشياء يكون كل مستمع فيها مفتي نفسه ، فإذا كان الغناء أو لوناً خاصاً منه يغريه بالفتنة ، ويطغى فيه الجانب الحيواني على الجانب الروحاني ، فعليه أن يتجنبه حينئذ ، ويسدّ الباب الذي تهبّ منه رياح الفتنة على قلبه وخلقه فيستريح ويريح.
5 ـ ومن المتفق عليه أن الغناء يحرم إذا اقترن بمحرمات أخرى كأن يكون في مجلس شرب، أو تخالطه خلاعة أو فجور ، فهذا هو الذي أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله بالعذاب الشديد حين قال : "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، ويعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير" .
ومن ثم ؛ فإن الدكتور/ يوسف القرضاوي يرى أنه إذا تحققت هذه الشروط؛ فإن الغناء يعود إلى الأصل وهو الإباحة !!
أما الشيخ(محمد الغزالي) فقد عبر عن رأيه في هذا الموضوع ، وهو يقول : على أي أساس يريد بعضهم تعميم تحريم الموسيقى والغناء؟
ـ إن التحريم يحتاج إلى نص والأصل (الإباحة) والنبي سمع المغنيين والمغنيات ووجدت بعض الأدوات الموسيقية في بيته ، فكيف أحرّم شيئاً لم ير الرسول حرجاً في وجوده
أو الاستماع إليه؟ ومعروف أنه اقترح في أحد أعراس الأنصار أن يرسل في هذه الأحفال من يغني ، فكيف تقول إن الغناء هنا حرام؟ وأنا أعرف أن هناك ناساً يتأولون بعض الآيات لتحريم الغناء كقولـه تعالى:{ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (لقمان - 6 ).
---------------------------------
المراجع :
<p>اعتمدنا في هذا البحث على آراء الأساتذة :</p><p>1ـ د/ عبد الفتاح محمد الحلو.</p><p>2ـ الشيخ / أبو عبد الرحمن الظاهري.</p><p>3 ـ يوسف القرضاوي.</p><p>4 ـ الشيخ/ محمد الغزالي.</p>وهي آراء حية نشرت في جريدة الشرق الأوسط السعودية (انظر الملف الفقهي لجريدة الشرق الأوسط).

الغناء و العزف أصل ثابت عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فى صحيح البخارى بلا خلاف


أجاز الرسول صلّى الله عليه و سلّم الغناء و العزف و من خلفه الصحابة و من وراءهم التابعين و الأئمّة الأربعة نقلًا عنهم بالسند الصحيح .. !!

فالغناء و العزف أصلًا ثابت عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فى صحيح البخارى بلا خلاف و كذلك ثابت عن صحابة رسول الله شراءهم للقينات و سماعهم للأغانى و إستعمالهم للآلات بالأسانيد الصحاح التى لا خلاف على صحّتها بشيئ .. !!


أولًا .. إثبات سماع رسول الله للقينات و الأغانى و المعازف من الأحاديث الصحاح ..

- روى البخارى فى صحيحه عن عائشة .. (أنّ أبا بكر دخل عليها و النبى صلّى الله عليه و سلم عندها يوم فطر أو أضحى و عندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر " مزمار الشيطان ؟ " مرتين فقال النبى صلّى الله عليه و سلّم " دعهما يا أبا بكر إنّ لكل قوم عيدًا ، و إنّ عيدنا اليوم ").

- روى أحمد و الطبرانى و الهيثمى و الإشبيلى و الشوكانى و الإدفوى بسندٍ صحيح عن النبىّ (أنّ امرأة جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال "  عائشة تعرفين هذه .. ؟!! .. قالت " لا يا نبى الله " قال " هذه قينة بنى فلان تحبين أن تغنيك .. ؟!! قالت " نعم " فأعطتها طبقًا فغنتها فقال النبى صلّى الله عليه و سلّم " قد نفخ الشيطان في منخريها ").

- روى البخارى و مسلم فى صحيحهما و ابن ماجه فى سننه و غيرهم عن عائشة رضى الله عنها قالت (دخل أبو بكر و عندي جاريتين من جوارى الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث - قالت " و ليستا بمغنيتين " فقال أبو بكر " أمزامير الشيطان فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ؟!! " و ذلك فى يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا بكر إنّ لكلّ قوم عيدًا و هذا عيدنا).

- روى البخارى فى صحيحه عن الربيع بن معوّذ عن عائشة قالت (جاء النبى صلى الله عليه و سلّم فدخل حين بنى على فجلس على فراشى كمجلسك منى فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف و يندبن من قتل من ءابائى يوم بدر إذ قالت إحداهن " و فينا نبى يعلم ما فى غد " فقال " دعى هذا و قولى بالذى كنت تقولين ").


ثانيًا .. ذكر سماع الصحابة للغناء و بالآلات ..

- الصحابىّ (عبد الله بن جعفر) الذى قال فيه النبى صلّى الله عليه و سلّم  أشبهت خلقى و خلقى) و قال فيه أيضًا (اللهمّ بارك له فى صفقة يده) فيقول عنه الحافظ الذهبي (إنّه كان يستمع الغناء و كان يصوغ الألحان لجواريه) و ذلك فى زمن على بن أبى طالب و معاوية و عمرو بن العاص و غيرهم و ذكر عن ابن عبد البر مثل ذلك و كذا فى المستدرك (أنّ سماعه للغناء مشهور مستفيض) و ذكرت قصص كثيرة عن سماعه و عن شرائه للقيان المغنيات و كانت صفقات مباركة لدعاء النبى له.

- سمع المعازف عبد الله ابن عمر و معاوية و عمرو ابن العاص و ابن الزبير ذكرهم الشوكانى فى كتابه (إبطال دعوى الإجماع ) و البغدادى الشافعى و الفاكهى فى (أخبار مكة).

- إمام الحرمين نقلًا عن صاحب أخبار مكة (أنّ الأثيات من أهل التاريخ نقلوا أنه كان لعبد الله بن الزبير جوار عوّادات و أنّ ابن عمر دخل عليه فرأى عودًا فقال " ما هذا يا صاحب رسول الله .. ؟!! " فناوله إياه فتأمّله ابن عمر و قال " هذا ميزان شامى " فقال ابن الزبير " توزن به العقول ")

- و ذكر أبو عمرو الأندلسى أنّ عبد الله بن عمر دخل على عبد الله بن جعفر فوجد عنده جارية فى حجرها عود فقال لابن عمر ( هل ترى بذلك بأسًا .. ؟!!) قال (لا بأس به).


ثالثًا .. ذكر سماع الغناء و الموسيقى من التابعين ..

- نقل ابن عبد البر فى التمهيد ونقل الكتانى فى التراتيب الإدارية أن علم الموسيقى كان فى الصدر الأول عند من يعلم مقداره من أجل العلوم ولم يكن يتناوله سوى أعيان العلماء وأشرافهم.
- سئل مالك عن اللهو يكون فيه البوق فقال (إن كان كبيرًا مشتهرًا فإنّى أكرهه و إن كان خفيفًا فلا بأس به) ذكر فى حاشية الخراشى على مختصر الخليل.
- ذكر أبو منصور البغدادى الشافعىّ أنّ شريحًا و سعيد بن المسيب و عطاء و الزهرى و الشعبى قالوا بجوازه.
- ذكر الرويانى عن القفال أن مذهب مالك إباحة الغناء.
- قد ترجم الحافظ فى الإصابة لزينب و ذكر أنّها كانت تغنّى بالمدينة و ترجم لحمامة المغنية من جوارى الأنصار.
- حكى الماوردى فى الحاوى إباحة العود عند بعض الشافعية وحكاه ابن الطاهر عن الشيرازى صاحب المهذب.
- القاضى عياض الحنفى أجاز.
- النووى الشافعى أجاز.
- ابن حزم الظاهرى أجاز.
- الإمام الغزالى أجاز.
- الماوردى الشافعى أجاز.
- أجاز كلًا من هؤلاء نقلًا عن المغيرة رضى الله عنه فلقد نقل الكتانى و الغزالى و أبو طالب المكى و الشوكانى و النابلسى أنّ المغيرة رضى الله عنه كان يبيح السماع.
- الحافظ الذهبى أجاز.
- ابن حبّان فى صحيحه أجاز.
- ناهيك عن أنّ الأصل فى الأمور هو الإباحة .. !!


رابعًا .. كتب مفصّلة فى حكم حلّ الغناء بالمعازف و الآلات بالأدلّة من كبار العلماء ..

هذا بعضًا من كثير من كتب مخصّصة فى إجازة الغناء و العزف .. !!

1- إبطال دعوى الإجماع فى تحريم مطلق السماع .. الشوكانى.
2- إفتناص السوائح .. ابن دقيق العيد.
3- إيضاح الدلالات .. النابلسى.
4- رسالة السماع .. العز بن عبد السلام.
5- الرخصة فى السماع .. ابن قتيبة.
6- كتاب السماع .. ابن طاهر المقدسى.
7- الرخصة فى الغناء والطرب .. الحافظ الذهبى.
8- إحياء علوم الدين .. الغزالى.
9- المحلى .. ابن حزم.

حكم الحديث الذي أورده البخاري والذي يستدلون به لتحريم الغناء .


 نظر معى حكم هذا الحديث الذى تستدلّ به و راجع من خلفى لتتأكّد من صدق كلّ كلمة .. !!
 الحديث الذى أورده البخارى (ليكونن من أمتى أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف).

هذا الحديث هو من معلّقات البخارى و ليس على زمّة الإمام البخارى بل أورده دون إثبات فقط لا غير و بالتالى إثبات صحّته من ضعفه ليس من البخارى نفسه بل من الروايات الأخرى ..

- قال ابن حجر في هدى الساري ص17 إذ يقول (مالا يوجد فيه إلا معلقًا و لا يلتحق بشرطه مما قال فيه ((قال)) لكونه لم يحصل عنده مسموعًا أو سمعه وشك فى سماعه له من شيخه أو سمعه من شيخه مذاكرة ممّا رأى أن يسوقه مساق الأصل .... قال و مالا يلتحق بشرطه قد يكون ضعيفًا لا من جهة قدح فى رجال بل من جهة انقطاع يسير فى إسناده) انتهى كلام ابن حجر .. إذن فالبخاري باستخدامه للفظه (قال) و وضعه فى معلّقات الباب إنّما حكم عليه بالتعليق و هذا المعلّق قد يكون صحيحًا على شرط غيره أو ضعيفًا أو حسنًا صالحًا للحجة و لكنه ليس على شرطه.

- الحديث مضطرب من حيث السند لأنّ رواياته على عبد الرحمن بن غنم و روى بعضها بالشك في الصحابى و البعض الآخر قال بالجزم عن الصحابى رغم أنّ الراوى واحد .. فقال الحافظ العينى (و هذا تناقض يوجب إطراح الحديث و البحث عن دليل أخر إن وجد).

- رواية هشام للحديث التي ذكرها البخارى لم تأت كاملة فى أيًا من الروايات الأخرى بل إنّ رواية أبى داوود للحديث فيها كلمة الخز بالمعجمتين بدلًا من الحرّ بالمهملتين و هو معنى مختلف تمامًا خاصةً و أنّ الخزّ عند جمهور العلماء مباح و قد لبسه جلّ أصحاب النبى صلى الله عليه و سلم فهل يُعقل أن راوٍ واحد يروى الحديث بمثل هذه الاختلافات و بتحريم شيئ حلال أصلًا مثل الخزّ .. ؟!! .. فضلًا عن أنّ كلّ الروايات الأخرى لم تخلو من تضعيف فالحديث ليس له دليل صحيح يقوّيه و يصحّحه .. !!

- الحديث أيضًا مضطرب المتن فحذف بعض أجزاء الحديث كثيرًا ما غيّر معناه و أحدث خللًا فيه و خرج به من موضوع إلى موضوع ءاخر ممّا قد يصل به إلى الشذوذ أو حتى النكارة كما شهد أبو داود لرواية الخمر فقط هذا فضلًا عن أنّ هذه الروايات جميعاً ضعيفة لأسباب مختلفة و كثيرة.

- تضعيف علماء الجرح و التعديل فى هشام بن عمّار الذى عليه مدار نصف هذه الروايات و منها رواية البخارى ..
1- ذكر الحافظ المزى فى تهذيب الكمال و الذهبى و ابن حجر أنّ أبا داوود قال (قد حدّث بأرجح من أربعمائة حديث ليس لها أصل مسنده كلها) .. و أضاف الذهبى (فأظنّ أنّها مما لقن) و يشير إلى قول أبى حاتم فيه (هشام صدوق و لما كبر تغير حفظه وكل ما دفع إليه قرأه و كان كلما لقن تلقن وكان قديما أصح).
2- قال أحمد عنه (كان طياشًا خفيفًا) و رماه بالتجهم و قصد ما نسب إليه من قوله (إنّ قولى بالقرءان مخلوق) و قال أحمد (قاتله الله) و أمر بإعادة الصلاة خلفه.
3- قال الذهبى (كان يدور على أحاديث أبى مسهر و غيره يلقنها هشامًا فيحدثه بها و كنت أخشى أن يفتق فى الإسلام فتقا).
4- لم يخرّج له مسلم و لا أكثر أهل السنن و لم يخرّج له البخارى بعد هذا الحديث إلا حديثين أحدهما فى البيوع و الثانى فى مناقب أبى بكر و أحد الحديثين في الشواهد و عليه فأقصى ما يمكن قبوله فى مثل هذا الحديث أن يقال أنه حسن لغيره و هى رتبه لا ترقى لإنشاء حكم شرعى منفردة بل الأدلة الصحاح على خلاف ذلك.


و لو افترضنا أنّ الحديث صحيح سأثبت لك عدم تحريمه المعازف أصلًا .. !!

حديث الإمام البخارى يجمع بين المحرّمات المختلفة الدرجات فى لفظٍ عام و هذا لا يؤخذ به فى الفقه إذ أنّ الفقه فى التحريم قائم على التأكيد و الثبوت لا على الظنّ و المجاهيل من الأحكام لذلك نعيد كلّ مسألة لأصلها فنعرف حكمها إمّا محرّمة و إمّا مباحة فنجد التالى ..

1- ((((حرام عام كما فى الزنا)))) لا يحلّ الزنا للمسلمين كلّهم و لا يُرخّص لهم فى الأوضاع الطبيعية.
2- ((((حرام مقيّد على الجنس و الظرف كما فى الحرير)))) لا يحلّ الحرير على الرجال لكن يُستثنى من ذلك لباس الحرب إستنادًا لشهادة الرسول لأبو دجانة و كذلك لمن يُعانى من شيئًا فى جلده مثل عثمان بن عفّان.
3- ((((حرام مقيّد على الحالة كما فى الخمر)))) الخمر لا يحلّ شرابه لكن يحلّ فى التداوى و الطبّ و قال أهل العلم بأنّه جائز فى الإستعمالات المُختلفة التى لا علاقة لها بالشرب و أجاز البعض أنّ يحوّل الخمر لخلّ فيصبح جائز.


فبالتالى ((((العطف هنا العطف للإشراك اللفظى فقط لا للإشراك الحكمى و اللفظى)))) و هذا معناه أنّ كلمة يستحلّون ليس معناه حرام فى المُطلق بل فى حالة معيّنة يجب أن نعرفها من الأدلّة الأخرى لأنّ الربط بين الأمثلة المُختلفة هنا هو ربط باللفظ لا بالحكم .. !!

بالتالى نرجع حكم المعازف للأصل الذى بين أيدينا من القرءان و السنّة فلا نجد دليلًا واحدًا صحيحًا صريحًا فى التحريم بل العكس هو الصحيح بالإضافة إلى أنّ الأصل فى الأشياء هو الإباحة لا التحريم .. !!

خطورة التساهل فى التحليل والتحريم !!!


 
خطورة التساهل فى التحليل والتحريم 
     .إن الإسلام حدد السلطة التي تملك التحليل والتحريم فانتزعها من أيدي الخلق، أيا كانت درجتهم في دين الله أو دنيا الناس، وجعلها من حق الرب تعالى وحده. فلا أحبار او رهبان، ولا ملوك أو سلاطين، يملكون أن يحرموا شيئا تحريما مؤبدا على عباد الله...
  
السؤال: ما حكم الإسلام فى العامة الذين يتجرؤن على الإفتاء بالتحليل والتحريم؟.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...

إن الإسلام حدد السلطة التي تملك التحليل والتحريم فانتزعها من أيدي الخلق، أيا كانت درجتهم في دين الله أو دنيا الناس، وجعلها من حق الرب تعالى وحده. فلا أحبار او رهبان، ولا ملوك أو سلاطين، يملكون أن يحرموا شيئا تحريما مؤبدا على عباد الله. ومن فعل ذلك منهم فقد تجاوز حده واعتدى على حق الربوبية في التشريع للخلق، ومن رضي بعملهم هذا واتبعه فقد جعلهم شركاء لله واعتبر اتباعه هذا شركا " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" (الشورى:21).

وقد نعى القرآن على أهل الكتاب (اليهود والنصارى) الذين وضعوا سلطة التحليل والتحريم في أيدي أحبارهم ورهبانهم، فقال تعالى في سورة التوبة: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا، لا إله إلا هو، سبحانه عما يشركون" (التوبة:31).

وقد جاء عدي بن حاتم إلى النبي - وكان قد دان بالنصرانية قبل الإسلام - فلما سمع من النبي هذه الآية، قال: يا رسول الله! إنهم لم يعبدوهم. فقال: "بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم".

وفي رواية أن النبي عليه السلام قال تفسيرا لهذه الآية: " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه".

ولا زال النصارى يزعمون أن المسيح أعطى تلامذته -عند صعوده إلى السماء- تفويضا بأن يحللوا ويحرموا كما يشاؤون، كما جاء في إنجيل متى 18:18 "الحق أقول لكم، كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء".

كما نعى على المشركين الذين حرموا وحللوا بغير إذن من الله؛ قال تعالى: "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا، قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون" ( يونس:59).

وقال سبحانه " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب: هذا حلال وهذا حرام، لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون" (النحل:116).

ومن هذه الآيات البينات، والأحاديث الواضحات عرف فقهاء الإسلام معرفة يقينية أن الله وحده هو صاحب الحق في أن يحل ويحرم، في كتابه أو على لسان رسوله وأن مهمتهم لا تعدوا بيان حكم الله فيما أحل وما حرم "وقد فصل لكم ما حرم عليكم" (الأنعام:119). وليست مهمتهم التشريع الديني للناس فيما يجوز لهم وما لا يجوز. وكانوا - مع إمامتهم واجتهادهم- يهربون من الفتيا، ويحيل بعضهم على بعض، خشية أن يقعوا – خطأ - في تحليل حرام أو تحريم حلال.

روى الإمام الشافعي في كتابه " الأم " عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: "أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتيا، أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير. حدثنا ابن السائب عن الربيع ابن خيثم -وكان من أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه! أو يقول: إن الله حرم هذا، فيقول الله: كذبت، لم أحرمه ولم أنه عنه". وحدثنا بعض أصحابنا أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه قالوا : هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن نقول: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا!!

هذا ما نقله أبو يوسف عن السلف الصالح، ونقله عنه الشافعي وأقره عليه، كما نقل ابن مفلح عن شيخ الإسلام ابن تيمية: أن السلف لم يطلقوا الحرام إلا على ما علم تحريمه قطعا.

وهكذا نجد إماما كأحمد بن حنبل يسأل عن الأمر فيقول: أكرهه أو لا يعجبني، أو لا أحبه، أولا أستحسنه.

ومثل هذا يروى عن مالك، وأبي حنيفة وسائر الأئمة رضي الله عنهم.

والله أعلم.

 جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:

سماع الأغاني و مسألة الغناء بآلة (أي مع الموسيقى) وبغير آلة، (( فتوى ))


مسألة الغناء بآلة (أي مع الموسيقى) وبغير آلة، مسألة ثار فيها الجدل بين فقهاء المسلمين منذ الأعصر الأولى ، فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى.. اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فسق أو تحريض على معصية، واتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك...
- السؤال: يحرم بعض الناس سماع الأغاني - أيًا كان لونها- مستدلين بقوله تعالى: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا أولئك لهم عذاب مهين". واحتجوا بأن بعض الصحابة قالوا: إن لهو الحديث في الآية هو الغناء، كما يحتجون بآية أخرى هي قوله تعالى:(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) والغناء من اللغو فهل هذا الاستدلال بالآيتين صحيح؟ وما رأيكم في سماع الأغاني؟أفتونا في هذه المسألة الخطيرة، فإن الناس تنازعوا تنازعًا شديدًا وفي حاجة إلى حكم بيِّن وقول فصل، ولكم منا الشكر ومن الله الثواب .- فتوى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي: الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله،
 وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:مسألة الغناء بآلة (أي مع الموسيقى) وبغير آلة، مسألة ثار فيها الجدل بين فقهاء المسلمين منذ الأعصر الأولى ، فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى.. اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية، إذ أن الغناء ليس إلا كلامًا فحسنه حسن وقبيحه قبيح. وكل قول يخالف أدب الإسلام فهو حرام ، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم وقوة التأثير؟واتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك في مواطن السرور المشروعة كالعرس، وقدوم الغائب وأيام الأعياد، وقد وردت في ذلك نصوص صحيحة صريحة. واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينًا، فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة،
 ومنهم من منعه منعًا باتًا، بل عده حرامًا.والذي نفتي به ونطمئن إليه من بين تلك الأقوال: إن الغناء - في ذاته - حلال فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح بحرمتها، وكل ما ورد في تحريم الغناء فهو إما صريح غير صحيح أو صحيح غير صريح. ومن ذلك الآيتان المذكورتان في السؤال.فأما الآية الأولى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) لقمان:6 الخ . فقد استدل بها بعض الصحابة والتابعين على حرمة الغناء وخير جواب لنا عن تفسيرهم هذا ما ننقله عن الإمام ابن حزم في المحلى: قال:
 لا حجة في هذا لوجوه: أحدهما أنه لا حجة لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين.والثالث أن نص الآية يبطل احتجاجهم، لأن الآية بها وصف (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، ولو أن امرءاً اشترى مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوًا لكان كافرًا، فهذا هو الذي ذمه الله تعالى، وما ذم قط عز وجل من اشترى لهو الحديث ليتلهى به، ويروح نفسه، لا ليضل عن سبيل الله تعالى. وكذلك من اشتغل عن الصلاة عامًدا بقراءة القرآن أو بقراءة السنن أو بحديث يتحدث به أو بغناء أو بغير ذلك فهذا فاسق عاص لله تعالى، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن. أهـ .وأما الآية الثانية (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)القصص:55 فالاستدلال بها على حرمة الغناء غير سليم أيضا، فإن الظاهر من الآية أن اللغو هو سفه القول من السب والشتم ونحو ذلك. وبقية الآية تنطق بذلك، قال تعالى (وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) فهي شبيهة بقوله تعالى في عباد الرحمن:
(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا) .ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الأعراض عن سماعه وتمدحه وليس فيها ما يوجب ذلك. وكلمة اللغو ككلمة الباطل تعني ما لا فائدة فيه، وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرمًا ما لم يضيع حقًا أو يشغل عن واجب. روي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له : أيؤتى به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات لأنه شبيه باللغو، وقال تعالى:(لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).قال الإمام الغزالي:"إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء عن طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم والمخالفة فيه على أن لا فائدة فيه-لا يؤاخذ به، فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص؟"على أنا نقول: ليس كل غناء لغوًا، أنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه، فالنية الصالحة تجعل اللهو قربة والمزح طاعة، والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في المحلى ردًا على الذين يمنعون الغناء قال:"واحتجوا فقالوا:
أمن الحق الغناء أم من غير الحق؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث" وقد قال الله تعالى(فماذا بعد الحق إلا الضلال) الفرقان:63فجوابنا وبالله التوفيق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل أمرئ ما نوى) فمن نوى باستماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق. ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستان متنزهًا ، وقعوده على باب داره متفرجًا وصبغة ثوبه لازورديًا أو أخضر أو غير ذلك، ومد ساقه وقبضها وسائر أفعاله . (المحلى)وأما الأحاديث التي استدل بها المحرمون فكلها مثخنة بالجراح، لم يسلم منها حديث دون طعن في ثبوته أو دلالته أو فيهما معًا. قال القاضي أبوبكر بن العربي في كتابه "الأحكام": لم يصح في التحريم شيء، وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة، وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل موضوع.وإذا سقطت أدلة التحريم بقي الغناء على الإباحة الأصلية،
 فكيف وقد جاءت نصوص ثابتة تفيد حل الغناء. نكتفي منها بما ورد في الصحيحين أن أبا بكر دخل على النبي في بيت عائشة وعندها جاريتان تغنيان فانتهرهما أبو بكر وقال: أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال النبي عليه السلام: (دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد) ولم يرد ما ينهى عن الغناء في غير العيد، وإنما المعنى أن العيد من المواطن التي يستحب فيها إظهار السرور بالغناء وغيره من اللهو البريء.ولكن لا ننسى في ختام هذه الفتوى أن نضيف إليها قيودًا لابد من مراعاتها:( أ ) فلابد أن يكون موضوع الأغنية مما يتفق وتعاليم الإسلام وآدابه.. فالأغنية التي تقول: "الدنيا سيجارة و كأس" مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان ويلعن شارب "الكأس" وعاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل.
والأغنية التي تمجد صاحب "صاحبة العيون الجريئة" أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)، (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)..ويقول رسول الله: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وعليك الثانية) وهكذا .. (ب) ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به، ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في آدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلى إيقاظ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة -ينقل الأغنية من دائرة الحلال إلى دائرة الحرام من مثل ما يسمعه الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تصرخ بـ "ياه" و "يوه" "ييه" الخ.ولنذكر قول الله لنساء النبي:
 ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).(جـ) هذا إلى أن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتى في العبادة، فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحًا، أن هذا دليل على فراغ القلب والعقل من الواجبات الكبيرة والأهداف العظيمة، ودليل على إهدار حقوق أخرى كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود، وما أصدق وأعمق ما قاله ابن المقفع: "ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع".( د ) على أن المستمع -بعد الحدود التي ذكرناها- يكون فقيه نفسه، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة ويسبح به في شطحات الخيال الحسي فعليه أن يتجنبه ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح. ولا ريب أن هذه القيود قلما تتوافر جميعًا في أغاني هذا العصر بكمها وكيفها وموضوعها وطريقة أدائها والتصاقها بحياة أقوام بعيدين كل البعد عن الدين وأخلاقياته و مثله. فلا ينبغي للمسلم التنويه بهم، والمشاركة في نشر ذكرهم، وتوسيع نطاق تأثيرهم إذ به يتسع نطاق إفسادهم.ولهذا كان الأولى بالمسلم الحريص على دينه أن يأخذ بالعزيمة لنفسه وأن يتقي الشبهات وينأى بنفسه عن هذا المجال الذي يصعب التخلص فيه من شائبة الحرام إلا ما ندر.ومن أخذ بالرخصة فليتحر لنفسه وليتخير ما كان أبعد عن مظان الإثم ما استطاع، وإذا كان هذا في مجرد (السماع)
فإن الأمر في (الاحتراف) بالغناء يكون أشد وأخوف، لأن الإندماج في البيئة "الفنية" كما تسمى خطر شديد على دين المسلم يندر من يخرج منه سالمًا معافى.. وهذا في الرجل، أما المرأة فالخطر منها وعليها أشد، ولذا فرض الله تعالى عليها من التصون والتحفظ والاحتشام في لبسها ومشيتها وكلامها ما يباعد الرجال من فتنتها وما يباعدها من فتنة الرجال ويحميها من أذى الألسن وشره الأعين وطمع القلوب المريضة كما قال تعالى: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وقال: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) .واحتراف المرأة المسلمة للغناء يعرضها لأن تَفتن أو تُفتن ويورطها في محرمات قلما تستطيع التغلب عليها من الخلوة بالأجنبي للتلحين أو التسجيل أو التعاقد أو غيرها، ومن الاختلاط بالرجال الأجانب عنها اختلاطًا لا تقره الشريعة، بل الاختلاط بالنساء المتبرجات "المتحررات" من المسلمات بالوراثة ومن غير المسلمات هو محرم أيضًا .

 ) الشيخ يوسف القرضاوي