توضيحات في موضوع الاختلاف:
أود في البداية أن أقول أنه من الخطأ أن تقول أثبت لي ما يدل على الحلال! السبب أن الأصل في الأشياء والأفعال أنها حلال، إلا ما ورد فيه تحريم صحيح وصريح. كما قلنا موضوع الغناء يصدق فيه ما قاله الإمام ابن حزم: إما صحيح غير صريح وإما صريح غير صحيح. يعني إما شيء غير واضح الدلالة، وإما لا تثبت فيه الأحاديث والأخبار. (أو كما يقول العلماء: لا يوجد دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة في تحريم الغناء والموسيقى). ومع ذلك فقد ذكرنا الأحاديث الصحيحة الواضحة والصريحة التي دلت على مشروعية هذا الأمر الفطري، وسنناقش بإذن الله أدلة من يرون التحريم وننظر فيها وفيما يقول أهل العلم فيها. ونؤكد بأن من يرى بالتحريم بناء على أدلة هو يراها أو تبعاً لعلماء يحترمهم ويجلهم فهذا له الحق في ذلك، بل وله أن لا يرى بالأدلة التي ذكرناها، ويرى بأدلة أخرى، فقط المهم أن يدرك أن الرأي الآخر مبني على الدين كذلك، وفيه دلالات، وفي الأمر متسع. أما من رأى بفسق أو ضلال من رأي برأي الحلة في الغناء والموسيقى فهذا من أهل التطرف والتعصب والخطأ. وما وسعه ما وسع الصحابة والخلفاء؛ فقد وسعهم قبوله في المجتمع فلم يحاربوه ولم يكسروه ولم يمنعوه بقوة الدولة، وما وسعهم يجب أن يسع من هم أدنى ولا يزكوا أنفسهم، فالله أعلم بالمهتدين وهو أعلم بالمعتدين.
أود في البداية أن أقول أنه من الخطأ أن تقول أثبت لي ما يدل على الحلال! السبب أن الأصل في الأشياء والأفعال أنها حلال، إلا ما ورد فيه تحريم صحيح وصريح. كما قلنا موضوع الغناء يصدق فيه ما قاله الإمام ابن حزم: إما صحيح غير صريح وإما صريح غير صحيح. يعني إما شيء غير واضح الدلالة، وإما لا تثبت فيه الأحاديث والأخبار. (أو كما يقول العلماء: لا يوجد دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة في تحريم الغناء والموسيقى). ومع ذلك فقد ذكرنا الأحاديث الصحيحة الواضحة والصريحة التي دلت على مشروعية هذا الأمر الفطري، وسنناقش بإذن الله أدلة من يرون التحريم وننظر فيها وفيما يقول أهل العلم فيها. ونؤكد بأن من يرى بالتحريم بناء على أدلة هو يراها أو تبعاً لعلماء يحترمهم ويجلهم فهذا له الحق في ذلك، بل وله أن لا يرى بالأدلة التي ذكرناها، ويرى بأدلة أخرى، فقط المهم أن يدرك أن الرأي الآخر مبني على الدين كذلك، وفيه دلالات، وفي الأمر متسع. أما من رأى بفسق أو ضلال من رأي برأي الحلة في الغناء والموسيقى فهذا من أهل التطرف والتعصب والخطأ. وما وسعه ما وسع الصحابة والخلفاء؛ فقد وسعهم قبوله في المجتمع فلم يحاربوه ولم يكسروه ولم يمنعوه بقوة الدولة، وما وسعهم يجب أن يسع من هم أدنى ولا يزكوا أنفسهم، فالله أعلم بالمهتدين وهو أعلم بالمعتدين.
ونقول في من رأي التحريم بل ورأى أنه شيء عظيم، نقول: شيء في هذا الحجم الذي يراه المحرمون، هل يُعقل أن يلمح له القرآن ثم يؤتى بتفسيرات غير كاملة أو باردة أو غير ثابتة، أو تلمح له السنة وتخالفه في أحاديث صحيحة؟! حتى ذكر الإمام العلامة ابن قيم الجوزية أن تحريمه أشد من تحريم الخمر!! هل يُعقل هذا الكلام ثم يتناقله النُقال دون تحقيق في الكلام؟! وكلام ابن القيم هذا مردود ومرفوض وهو تعصب في الرأي، مع الاحتفاظ بمنزلة الإمام الكبيرة والعظيمة في سيرة الإسلام. هل بلغ الحد في العقول أن تسيّر بهذه الطريقة دون تحقيق، ثم هم يعيبون على أتباع الكنيسة أن القسيس يقول لهم ضعوا عقولكم في الخارج وادخلوا الكنيسة؟! وفي المقابل لا نقبل كذلك كلام سماحة الإمام الأكبر شيخ الأزهر حسن العطار الذي قال: من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، في ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار!! فلا نقول أن السامع للغناء مخمور العقل ولا نقول أن من لا يطرب للسماع جلف حمار. الأمر يقبل هذا وذاك، وكلاهما في دائرة القبول. ومن ذلك أننا نقبل أن يدافع شخص عن رأيه الآخر ويسند القول بالتحريم، فهذا حقه كذلك في الدفاع والدعوة لرأيه، ولا ينكر عليه ذلك، فللمانعين رأيهم وللمجوزين رأيهم.
القرآن منهج البشرية:
إن المتدبر للقرآن الكريم بصدق يجد أن القرآن الكريم منهج حياة، ودستور عام كبير وعميق، وخط مسار واضح. لكن قلّ أن تجد من يفهم القرآن الكريم حقاً؛ فالفهم عند غالبية المسلمين ممزوج أحياناً بتفسيرات وتشويهات مخلة ومسرفة ومكررة ومبتورة وخالية من الوعي والعمق. تعال انظر ما يقوله القرآن الكربم في أصل الحلال:
إن المتدبر للقرآن الكريم بصدق يجد أن القرآن الكريم منهج حياة، ودستور عام كبير وعميق، وخط مسار واضح. لكن قلّ أن تجد من يفهم القرآن الكريم حقاً؛ فالفهم عند غالبية المسلمين ممزوج أحياناً بتفسيرات وتشويهات مخلة ومسرفة ومكررة ومبتورة وخالية من الوعي والعمق. تعال انظر ما يقوله القرآن الكربم في أصل الحلال:
الدليل الأول: الأصل في الأشياء الحلة:/>
قال تعالي:
1- (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف/32).
2- (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية/13).
3- (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (الأنعام/119).
4- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة/87).
5- (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النحل/116).
6- (وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (الأنعام/140)
7- (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) (يونس/59)./>
1- (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف/32).
2- (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية/13).
3- (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (الأنعام/119).
4- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة/87).
5- (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النحل/116).
6- (وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (الأنعام/140)
7- (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) (يونس/59)./>
إقرأ هذه الآيات ثم استشعر عظمة الله ورحمته وسعته فيها. ثم قارن ذلك بهوس التحريم الذي عم الأمة من ألف سنة إلى اليوم، فبما تشعر؟ وانظر كلمة "المعتدين" في الإشارتين الثالثة والرابعة تذكر في التعدي بالتحريم! والتحريم بغير دلالة صريحة تعدي على من يملك حق التحريم وحده وهو الله. لا يملك هذا الحق سوى الله وحده، وأي تحريم دون بينة تعدي على شرعه ونهجه سبحانه. بل قيل أن تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام! والمحرم مُتقول على الله، ما لم يأتي بالبينة.
إن هذه الآيات تدل على صريح القرآن الكريم ووضوحه، كتاب لا لبس فيه لا يأتيه الباطل من بين يديه، هل غقل، حاشى الله سبحانه، أن يقول "المعازف" أو "الغناء" حرام أو "حرمت عليكم المعازف"، "أو حرم عليكم الغناء". فهم يزعمون أنه مرة يستخدم كلمة حميرية، ومرة يستخدم "لهو الحديث" ليعبر عن غناء .. أليس لدي القرآن الكريم وضوح في تحريم الغناء والمعازف بشكل معلن وواضح وصريح؟!! لو كان كما يقول بعض المحرمين أشد من الخمر فلما تركه الله سبحانه هكذا ملبساً على العباد؟! (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الأحقاف/4). نحن ننتظر كلام الله! هل ممكن آية لا كلام أحد من العباد؟ أتينا هنا بسبع آيات في العموم في الحلال، إئتني بآية واحدة صريحة يفهمها عربي تحرم الغناء أو المعازف.
ورغم أننا سنناقش ما جاء عن المفسرين والصحابة في بعض الآيات ونبين خطأ فهم البعض لها، إلا أنه يجب العلم بأن قول الصحابي والتابعي ليس حجة على الأمة. بل أن الأحاديث دلت على أنه قد يوجد من الأمة من هو أعلم من الصحابي والتابعي؛ ففي الحديث: "ربَّ مُبَلغ أوعى من سامع" (متفق عليه)، والسامع هو الصحابة في خطبة الوداع - رضي الله عنهم - والمُبلغ هم من جاء بعدهم ولو بعد ألفين سنة. ولا يحتاج القرآن الكريم صحابي ولا تابعي يبين عنه مسألة سهلة وبسيطة يجب أن يفهمها كل إنسان بسهولة لا بلبس.
الدليل الثاني: المعازف والغناء في الكتب السماوية:/>
جميع الكتب السماوية السابقة تذكر الغناء جزءاً من تراث الشعوب، بل إن أكبر دلالة هي أن يكون اسم كتاب سماوي "المزامير"!! وهذا الكتاب بالذات ذكره الله في القرآن الكريم قائلاً: (وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا) (النساء/163، الإسراء/55)، وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء/105). وهذه الآية في "المزامير": (الصديقون يرثون الأرض) (المزمور 37 الآية 29). إن هذه الآية الزبورية مصدق عليها من القرآن الكريم. والزبور هو مزامير داود (Psalms)، وهكذا اسمه بالعربية، وهو الكتاب رقم 19 في الكتاب المقدس، ويحتوي علي 150 إصحاحاً كلها عبارة عن أغاني، وأشعار، وترانيم، ولذلك يغنونها من أمد في الكنائس وقبل الكنائس. وداود نبي من أنبياء الله عليه السلام، عُرف بذلك في تسبيحاته وترنيماته، بل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه عندما سمع صوته الجميل بالتلاوة: "لقد أوتيت مزماراً من مزامير داود" (متفق عليه، وتقدم ذكره بالتفصيل). واستدلال بعض العلماء بأن المقصود هو صوت داود الجميل دليل ركيك وبارد، بل وفقدان للبلاغة في اللغة، والنبي صلى الله عليه وسلم أبلغ من ذلك، فهذه ركاكة، ولو أراد ذلك لقال: "لقد أوتيت صوتاً جميلاً كصوت داود"، وهل يعقل أن يقول "مزماراً من مزامير" ويريد حسن صوته؟! والمزامير جمع مزمار، وهو يقول "مزماراً من مزامير" أي واحداً من مجموعة المزامير التي كانت عند داود. والمزمار في الكتاب المقدس اسمه مزمور، والآلات الموسيقية ذكرت بكثرة في التوراة والأنجيل والزبور وصحف أيوب وموسى وميكا وحزقيال وإشعياء ودانيال وآخرين من الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام. وقد ذُكر الغناء في أكثر من ثلاثين موقعاً في هذه الكتب، وذكرت آلات موسيقية كالبوق (Trumpet)، والقرن (Horn)، والدف وهو بالعبرية توف (العربية دُف والعبرية تُف)، وذكر في الزبور والتوراة والكتب الأخرى أكثر من ست مرات، والتمبرين (tambourine) وهي آلة إيقاعية ذكرت أكثر من عشر مرات في التوراة والكتب المقدسة ومنها سفر التكوين أول الكتب السماوية نزولاً على موسى عليه السلام. وهناك مئات الأدلة من الكتب السماوية القديمة في وجود الموسيقى والغناء في حياة الأنبياء وشعوبهم وأتباعهم. وهذه المسألة ليست محل نقاش في التراث المسيحي واليهودي. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" (رواه البخاري وأحمد والحاكم وابن ماجه وغيرهم)، والمقصود اليهود والمسيحيين. وقد ورد استخدام الموسيقى والغناء فيهم بشكل متواتر يستحيل فيه توطأ الكذب.
جميع الكتب السماوية السابقة تذكر الغناء جزءاً من تراث الشعوب، بل إن أكبر دلالة هي أن يكون اسم كتاب سماوي "المزامير"!! وهذا الكتاب بالذات ذكره الله في القرآن الكريم قائلاً: (وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا) (النساء/163، الإسراء/55)، وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء/105). وهذه الآية في "المزامير": (الصديقون يرثون الأرض) (المزمور 37 الآية 29). إن هذه الآية الزبورية مصدق عليها من القرآن الكريم. والزبور هو مزامير داود (Psalms)، وهكذا اسمه بالعربية، وهو الكتاب رقم 19 في الكتاب المقدس، ويحتوي علي 150 إصحاحاً كلها عبارة عن أغاني، وأشعار، وترانيم، ولذلك يغنونها من أمد في الكنائس وقبل الكنائس. وداود نبي من أنبياء الله عليه السلام، عُرف بذلك في تسبيحاته وترنيماته، بل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه عندما سمع صوته الجميل بالتلاوة: "لقد أوتيت مزماراً من مزامير داود" (متفق عليه، وتقدم ذكره بالتفصيل). واستدلال بعض العلماء بأن المقصود هو صوت داود الجميل دليل ركيك وبارد، بل وفقدان للبلاغة في اللغة، والنبي صلى الله عليه وسلم أبلغ من ذلك، فهذه ركاكة، ولو أراد ذلك لقال: "لقد أوتيت صوتاً جميلاً كصوت داود"، وهل يعقل أن يقول "مزماراً من مزامير" ويريد حسن صوته؟! والمزامير جمع مزمار، وهو يقول "مزماراً من مزامير" أي واحداً من مجموعة المزامير التي كانت عند داود. والمزمار في الكتاب المقدس اسمه مزمور، والآلات الموسيقية ذكرت بكثرة في التوراة والأنجيل والزبور وصحف أيوب وموسى وميكا وحزقيال وإشعياء ودانيال وآخرين من الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام. وقد ذُكر الغناء في أكثر من ثلاثين موقعاً في هذه الكتب، وذكرت آلات موسيقية كالبوق (Trumpet)، والقرن (Horn)، والدف وهو بالعبرية توف (العربية دُف والعبرية تُف)، وذكر في الزبور والتوراة والكتب الأخرى أكثر من ست مرات، والتمبرين (tambourine) وهي آلة إيقاعية ذكرت أكثر من عشر مرات في التوراة والكتب المقدسة ومنها سفر التكوين أول الكتب السماوية نزولاً على موسى عليه السلام. وهناك مئات الأدلة من الكتب السماوية القديمة في وجود الموسيقى والغناء في حياة الأنبياء وشعوبهم وأتباعهم. وهذه المسألة ليست محل نقاش في التراث المسيحي واليهودي. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" (رواه البخاري وأحمد والحاكم وابن ماجه وغيرهم)، والمقصود اليهود والمسيحيين. وقد ورد استخدام الموسيقى والغناء فيهم بشكل متواتر يستحيل فيه توطأ الكذب.
يتبع الجزء الثامن في مناقشة أدلة المانعين ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق