الثلاثاء، 19 أبريل 2016

مناقشة أدلة من يرى تحريم الغناء والموسيقى

مناقشة أدلة من يرى تحريم الغناء والموسيقى 
من الملاحظ بأن أدلة من يرى التحريم تتصف بالتالي:
خلو ما يستدلون به من التصريح بالتحريم؛ فكلها تأويلات وشروحات وتوضيحات تنم عن فهم من يرى بهذا الرأي وليس الشرع، كما سنبين بإذن الله. لو طالبت أياً منهم بأن يأتيك بلفظ "حرام" أو "حُرم عليكم" فلن يستطيع. هي يثبت فيها أنها صحيحة غير صريحة أو صريحة غير صحيحة. ففي هذا الباب من التحريم جملة ضخمة من الأحاديث الواهية والموضوعة والضعيفة (سنذكر بعضها لاحقاً إن شاء الله). والصحيح منها، والذي سنذكره هنا، غير صريح، هو فهم من المنقول له.
قلة عدد أدلة المحرمين بالمقارنة بما ذكرناه من الأدلة الثابتة والصحيحة في وجود ذلك في بيئة ومجتمع الأنبياء ومنهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
تكرارها بنفس الأسلوب ومن نفس الأشخاص فهي تقريباً كلها تنسب لكتاب السماع لابن القيم - رحمه الله - ما زاد المتأخرون شيئاً جديداً بالمقارنة بأدلة المجوزين الذين يضيفون كل يوم معلومة مبهرة. فقط هذه المقالات شهدت عشرات من الناس يقولون بأنهم ولأول مرة يسمعون هذا الكلام أو الاستدلال، بينما كلام من يرى التحريم هو نفسه سمعه الكل ومن الكل وبنفس الأسلوب.
كل الأدلة التي يستدل بها من يرون بالتحريم والتي سنذكرها قابلة للتأويل المعاكس، بينما ما ذكرناه من أدلة التحليل يستحيل أو يصعب فيها التأويل لغير ما ورد واضحاً بالجواز. ولهذا تلاحظ من يرى التحريم يفغل عن ذكرها لأنها واضحة الدلالة. بينما من يرون بحلية الغناء والموسيقى يظهرون أدلة المحرمين ويناقشونها، وهو بالضبط ما نفعله هنا في بحثنا.
معظم من يرى التحريم منتمي لفكر، لم أقرأ لعالم أو شيخ غير منتمي يرى بالحرمة حتى الآن. وربما تكون هذه ملاحظة دقيقة فلاحظها، وقد تلمس فيهم بعض التعصب والشدة لفكرهم، كما أنهم يزكون أنفسهم دائماً، فيرون أنهم أفضل من الآخرين، وأن الله سيغفر لهم ولكن سيعذب المغنين والرقاصين والملحنين والفنانين، ويهزأون بالمغنين والمغنيات ويغتابونهم ويبهتونهم أحياناً، حتى أني أقول ربما يدخل الله سبحانه وتعالى جميع الفنانين والمطربين الجنة بسبب ما تلقوه من غيبة ونميمة ممن ربما اتصف بالدين أحياناً فضلاً عن من لا يتمسك بأدبيات الدين العالية. وقد شاهدت في اليوتوب وسمعت من الأشرطة مشايخ ودعاة يذكرون المغنين والمغنيات بطريقة خشيت عليهم دينهم وعقيدتهم. كم فيها من التجرؤ على الله! وفيها لغة أنهم قد ضمنوا الجنة لهم وأخلدوا فيها من خالفهم. والله يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (النجم/32). لا ينتبهون بأن الله سبحانه قد يدخل راقصة متعرية الجنة ويدخل شيخ زاهد أفنى عمره في العلم النار! ما يدريك؟! المسألة نية وإخلاص ومصداقية. قال تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد/30). تعرفهم من لغتهم العنيفة، وألسنتهم الغليظة، يضاربون الأدلة ببعضها، يخفون ما يحل ويأتون بما يعتقدون أنه يحرم، يقدمون كلام صحابي على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام تابعي على صحابي، وكلام ابن القيم على ابن الماجشون، وكلام عشرة مشايخ في الجزيرة لم يختلطوا في العالم ولا يعرفونه على مائة شيخ من مصر والأندلس والمغرب والعراق والشام كلهم عاشر الدنيا ولف أطرافها وبلغ من العلم أضعافاً، تختلط عندهم الأمور عندما تربكهم بمجموعة مسائل يحومون حولها مثل الاختلاط والغناء والموسيقى ومس الجن وعمل وخروج المرأة والبراء من كل البشر سوى المسلمين .. ولو كلمتهم بالحجة والديل يتهمونك بدينك! لديهم اعتقاد باطن بأنهم يمتلكون الله ويتحكمون في دينه، كما قالت الكاتبة الأمريكية الفذة، صاحبة واحد من أجمل الكتب المعاصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كارين أرمسترونج، أنهم (أي رجال الدين) يشكلون الله وفق مفاهيمهم (The Case for God).
يندر من تجد فيه اللين فيمن يرون بالتحريم وهذا مؤشر ربما على القسوة والتعصب، وأشد منهم أتباعهم إذ يتصفون - أي الاتباع - بالتقليد وبقلة العلم والوعي والاطلاع وعندهم التكرار مبرمجاً، ونسبة ذكائهم منخفضة كونهم مكررين. ومع ذلك فلا يخلو أن يكون من المشايخ والدعاة والعلماء من فيه لين وهو يرى بأدلة التحريم كالشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين وأمثالهما رحمهما الله، يرون بالتحريم لكنهم ليسوا على تعصب ولا تكفير ولا تفسيق ولا ينكرون على مخاليفهم بعنف بل يناقشون معتقدين أنهم على صواب مع احتمالية الخطأ. وفي الحديث: "إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". (رواه البخاري).
ويتصف المعتقدون بالتحريم بضعف الحجة، فلا يناقشون الأدلة، بل يسردون ما يحفظون، ويشخصنون الردود على المتحدث، ويهزأون به، ويزعمون لهم العلم وليس لغيرهم، لأن صاحب التحريم في غالب الأديان يأخذ مأخذ القوة كونه يتحدث عن الله، أو على وصف الإمام ابن القيم، والعياذ بالله، يُوقعون عن الله!! ولو كنت في زمن الإمام - رحمه الله - لألفت رداً على هذا العنوان الخطير. وقد رأينا بعض أتباعهم أو مريدهم هنا كيف كانوا يُعلقون، بتواضع في المعلومات، وسطحية، تذكر لهم الحديث يذكرون لك قول ابن مسعود رضي الله عنه، تذكر له حديث يقولون لك قال فلان وعلان، مضطربون يخيفهم أن تقول قال الله وقال رسوله إذا كان لا يتوافق مع هواهم. وعندما تذكر لهم الأدلة يقولون "مالك ومال الغناء والموسيقى؟ أليس أفضل لك أن تنشغل بشيء آخر؟"، وتحسبهم على شغل، لا يوجد فيهم مخترع واحد، ولا رجل نفع الدنيا بشيء، ولا إمرأة ربت عالم فضاء أو فيزياء، ولا بنتاً مشغولة بالكيمياء وتجارب الأرض، ولا ولداً قام بتمثيل المسلمين أمام العالم فنال حبهم! يصدق فيهم "ما ترك قوم العمل إلا أتوا الجدل".
ودعنا ندخل في الموضوع مباشرة، وسوف أذكر أشهر الأدلة التي يستند لها العلماء الأفاضل الذين يرون بتحريم الغناء والموسيقى، وسوف أسردها أولاً ثم نناقشها على هدوء كون غالب "أتباع" من يرون بذلك متسرعين لا يصبرون، ولا يعرفون أصول البحث والنقاش، لذا فنسردها لنريحهم أولاً وإذا كان لديهم أي دليل آخر فسوف أيضاً نناقشه وننظر فيه، ولو ثبت لدينا الدليل بالتحريم فأعلن لله أني سوف أتوب وأعلن خطأي وأبين ذلك للناس، والله على ما أقول شهيد. ومن اتهمني بنيتي فالله حسيبه، وهو يتولى أمره، وهو المستعان، والَله أسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أولاً: أدلة من التفسير:/>
قالوا:
١- يقول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/6)، قالوا: قال ابن مسعود رضي الله عنه: هو والله الغناء. ولهذا فالغناء حرام لأنه يضل عن سبيل الله.
٢- ويقول الله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) (الإسراء/64)، قالوا: قال مجاهد: بصوتك: المزامير.
٣- وقال تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (الأنفال/35)، قالوا: كون الله عاب المشركين على صلاتهم التي هي عبارة عن مكاء (صفير) وتصدية (تصفيق) فلذا فهي حرام وما هو أشد منها وهي المعازف حرام.
٤- ويقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان/72)، قالوا: قال مجاهد: لا يشهدون الزور: لا يسمعون الغناء، وروي في الباب نفسه عن الحسن البصري رحمه الله قوله (الغناء والنياحة).
٥- ويقول الله تعالي: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) (النجم/59-61)، قالوا: قال ابن عباس: هو الغناء بالحميرية. وهذا دال على التحريم.
ثانياً: أدلة من أحاديث:/><b>
قالوا:
١- أقوى الأدلة ما رواه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري مرفوعاً: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم "يستحلون" أي هو حرام وهم يحلونه. وهذا دليل على أنه حرام.
٢- وحديث: "سيكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف"، قال: قلت: فيم يا رسول الله؟ قال: "باتخاذهم القينات، وشربهم الخمور"، وفي رواية: "إذا ظهرت المعازف والخمور ولبس الحرير".
٣- وحديث الجاريتين عند البخاري ذكرته كأول دليل على حلية الغناء، قالوا: دليل حرمته إنكار أبي بكر وإضافة المزمار إلى الشيطان. وهذا دليل على الحرمة.
٤- وحديث ابن عمر أنه سمع صوت زمارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع، فصنع مثل هذا" (رواه أبوداود).
٥- وحديث "بئس الكسب أجر الزمارة"، وفي لفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الزمارة. (رواه البيهقي).
<b>ثالثاً: الإجماع وأقوال العلماء:/><b>
١- ادعاء البعض بالإجماع على تحريم الغناء و / أو المعازف.
٢- وقالوا: أن أكثر أهل العلم على تحريم الغناء والمعازف، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة والمشاهير مثل شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله جميعاً.
٣- أقوال شهيرة، مثل قال رجل لابن عباس -رضي الله عنهما: ماتقول في الغناء، أحلال هو أم حرام؟ فقال:لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله فقال: أفحلالٌ هو؟ قال:ولا أقول ذلك ثم قال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة؛ فأين يكون الغناء؟، فقال الرجل: يكون مع الباطل، قال له ابن عباس: اذهب .. فقد أفتيت نفسك. ومثل قول ابن القيم: لا يجتمع كلام الرحمن ومزمار الشيطان في قلب إمرء مؤمن أو اثنان لا يجتمعان حب القرآن وحب الأغان.
هذه أهم الأدلة، ولو عندك غيرها وتعتقد أنها بقوتهم أو أقوى فاذكرها مشكوراً سواء كنت ترى بالتحريم أو لا ترى أو غير محدد، حتى نجمعها ونثري البحث، وننظر فيها وما يقول العلماء فيها. مع الانتباه إلى أننا كمسلمين لا نعتد بالحديث الضعيف في الأحكام، وسوف أسرد أهم الأحاديث المشهورة الواهية والمكذوية مثل حديث "الغناء ينبت النفاق" "ويصب في أذنيه الضنك" .. الخ. وأمثالها. فلا اعتبار لها ويجب التحذر من ذكرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الكذب عليه ونقل الكذب.
يتبع الجزء التاسع .. مناقشة أدلة من يرون بالتحريم ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق