قال الإمام العلامة ابن حزم - رحمه الله -: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرىء ما نوى" فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله فهو فاسق -وكذلك كل شيء غير الغناء- ومن نوى ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق. ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها، وقعوده على باب داره متفرجا، وصبغه ثوبه لازورديا أو أخضر أو غير ذلك" ( المحلى ج٩ ص60).
ويقول الشيخ د. يوسف القرضاوي: "ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس، وتطرب له القلوب، وتنعم به الآذان الغناء، وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم، ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى غير المثيرة"، وقال في الأحاديث المروية في النهي: "كلها مثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث من طعن عند فقهاء الحديث وعلمائه"، (القرضاوي: "الحلال والحرام في الإسلام" ص/273).
إن هذه المادة هي تتمة للبحث حيث عرضنا في الجزء الأول حديث الجاريتين عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحيين وغيرهما.
http://www.facebook.com/note.php?note_id=377115505628
وللجزء الثاني حيث عرضنا حديث بريدة الأسلمى رضي الله عنه في السنن
http://www.facebook.com/notes/salah-al-rashed-l-lrsd/hl-llgn-wlmwsyqy-lq-blrq-wlnf-ljz-ltny/377555605628
http://www.facebook.com/note.php?note_id=377115505628
وللجزء الثاني حيث عرضنا حديث بريدة الأسلمى رضي الله عنه في السنن
http://www.facebook.com/notes/salah-al-rashed-l-lrsd/hl-llgn-wlmwsyqy-lq-blrq-wlnf-ljz-ltny/377555605628
نكمل:
الدليل الثالث:/>
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين، ويقللن:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين، ويقللن:
نحن جوار من بني النجار
يا حبذا محمدٌ من جار
يا حبذا محمدٌ من جار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله يعلم إني لأحبكن" وفي رواية: "اللهم أنتم من أحب الناس إليّ، اللهم أنتم من أحب الناس إليّ" يعني الأنصار (صحيح. رواه ابن ماجه في سننه (1899)، وصحح إسناده البوصيري في "زوائد ابن ماجه"، ورواه الخلال في "الأمر بالمعروف النهي عن المنكر" (رقم 148)، والطبراني في "الصغير" (رقم 72)، والبخاري في صحيحه (رقم 3574 و4885)، ومسلم (رقم 2508)، والرواية الثانية لهما./>
في هذا الحديث الكريم جملة من الفوائد والدلالات. وممكن أن يستفاد من الحديث التالي:
جواز الغناء من قبل النساء.
جواز الغناء من قبل النساء.
جواز الضرب بآلة، وهي هنا تحديداً الدف.
جواز الجمع بين الغناء والعزف معاً.
جواز ذكر الشخص في الغناء، خاصة إذا كان عظيماً؛ "يا حبذاً محمدٌ".
جواز أن يستمع الرجل للنساء تغني.
جواز علو الصوت في الأفراح حتى يسمعه المارة، فهنا سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مار أي في طريقه، ولم ينكر ذلك بل رد عليهم برد جميل جداً يسوى الدنيا.
جواز أن يقول الرجل للنساء "إني أحبكن" وحتى دون زيادة "في الله" إلا إذا ظن أن يساء فهمها من قبل الطرف الآخر.
جواز الاستشهاد بالله لما في الداخل، كما في قوله: "الله يعلم إني لأحبكن" أي الله مطلع على ما في قلبي ويشهد أني أحبكن محبة عامة كريمة غير مشروطة.
جواز التشجيع على الغناء، فكونه يقول لهن هذا الكلام الجميل جداً في الحب ومنه شخصياً صلى الله عليه وسلم ويشهد الله على ذلك دلالة على قبول هذا العمل من الغناء له أو للاحتفال.
وينبغي العلم بأن الجواري هنا لا يقصد بهن الجاريات المستعبدات أو الخادمات من بني النجار لا بل نساء وفتيات بني النجار، والدليل قول الراوي في نهاية الحديث "يعني الأنصار"، فهو لا يقول "اللهم أنتم من أحب الناس إليّ" يقصد الجواري المستعبدات بل يقصد الأنصار الأحرار، وكذلك قوله "إني لأحبكن" في الرواية الثانية أي أنتم يا أخواتي وبناتي من بني النجار لا العبيد!
دعنا نكمل في دليل آخر:
الدليل الرابع:/><b>
<b>عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أهديتم الفتاة؟"، قالوا: نعم. قال: "أرسلتم معها من يغني؟"، قالت: لا. فقال رسول الله عليه وسلم: "إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم" (حسن. رواه ابن ماجه (رقم 1900)، وصحح إسناده البوصيري في "زوائد ابن ماجه"، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح ابن ماجه"، والطحاوي في "شرح المشكل" (3321)، وعن جابر رواه أحمد (391/3)، والبيهقي (289/7)، وعن عائشة رواه الطبراني في "الأوسط" (3289)، وآخرون. وفي رواية البخاري (4765): "يا عائشة: أليس معهم لهو؟ إن الأنصار يعجبهم اللهو"/><b>
<b>عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أهديتم الفتاة؟"، قالوا: نعم. قال: "أرسلتم معها من يغني؟"، قالت: لا. فقال رسول الله عليه وسلم: "إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم" (حسن. رواه ابن ماجه (رقم 1900)، وصحح إسناده البوصيري في "زوائد ابن ماجه"، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح ابن ماجه"، والطحاوي في "شرح المشكل" (3321)، وعن جابر رواه أحمد (391/3)، والبيهقي (289/7)، وعن عائشة رواه الطبراني في "الأوسط" (3289)، وآخرون. وفي رواية البخاري (4765): "يا عائشة: أليس معهم لهو؟ إن الأنصار يعجبهم اللهو"/><b>
والحديث معناه أن عائشة زوجت أحداً من أقربائها الرجال بفتاة من الأنصار، أو، وهو الأصح زوجت فتاة من أهلها كانت يتيمة بأحد من الأنصار. والحديث هذا فيه دلالة عن منهجية حياتية لطيفة. وقد يستفاد من هذا الحديث التالي:
جواز السؤال عن العروس والتأكد من إهدائها شيئاً بهذه المناسبة السعيدة.
جواز السؤال عن العروس والتأكد من إهدائها شيئاً بهذه المناسبة السعيدة.
جواز الدعوة للغناء وطلب عمل ذلك بدليل قوله "أرسلتم معها من يُغني؟" يعني هل فعلتم ذلك؟ وهل ستفعلون ذلك أو معناه افعلوا ذلك.
جواز أن يحتوي الاحتفال على من يُغني بل هو الأوجب بالذات في مناسبة الزواج السعيدة.
جواز وصف القوم بالغزل بدليل قوله "قوم فيهم غزل"، ولاشك أنه كان يقصد الغزل العفيف اللطيف.
جواز أن يقترح رب الأسرة أو الحاكم أو المسؤول بعض الأغاني المعروفة؛ فهذه الكلمات مشهورة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها:
أتيناكم أتيناكم *** فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمر *** ما حلت بواديكم
ولولا الحبة السمرا *** ما سمن عذاريكم
لولا الذهب الأحمر *** ما حلت بواديكم
ولولا الحبة السمرا *** ما سمن عذاريكم
جواز الغناء بالغزل العفيف في مثل هذه المناسبات. والغزل المقبول يُروى كثيراً أمام العظماء ويستخدمونه، كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه كعب بن زهير فأنشد قصيدته الشهيرة عن سعاد التي كان يحبها ودمج معها طلب العفو من النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان قد حُكم عليه بالإعدام، ومنها قوله في القصيدة التي قيلت أمام النبي صلى الله عليه وسلم:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
متيم إثرها لم يفد مكبولُ
متيم إثرها لم يفد مكبولُ
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحولُ
إلا أغن غضيض الطرف مكحولُ
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
لا يشتكى قصر منها ولا طول
لا يشتكى قصر منها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
كأنه منهل بالروح معلولُ
كأنه منهل بالروح معلولُ
شجت بذي شيم من ماء محنية
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه
من صوب غادية بيض يعاليل
من صوب غادية بيض يعاليل
فيا لها حلة لو أنها صدقت
بوعدها أو لو إن النصح مقبول
بوعدها أو لو إن النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها
فجع وولع وإخلاف وتبديل
فجع وولع وإخلاف وتبديل
فما تدوم على حال تكون بها
كما تلون في أثوابها الغول
كما تلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالعهد الذي زعمت
إلا كما يمسك الماء الغرابيل
إلا كما يمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت
إن الأماني والأحلام تضليل
إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
وما مواعيدها إلا الأباطيل
وما مواعيدها إلا الأباطيل
أرجو وآمل أن تدنو مودتها
وما إخال لدينا منك تنويل
وما إخال لدينا منك تنويل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها
إلا العتاق النجيبات المراسيل
إلا العتاق النجيبات المراسيل
إلى أن قال:
وقال كل صديق كنت آمله
لا ألهينك إني عنك مشغولُ
لا ألهينك إني عنك مشغولُ
فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم
فكل ما قدر الرحمن مفعول ُ
فكل ما قدر الرحمن مفعول ُ
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة الحدباء محمول
يوما على آلة الحدباء محمول
نبئت أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمول
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل
أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لظل يرعد إلا أن يكون له
من الرسول بإذن الله تنويل
من الرسول بإذن الله تنويل
حتى وضعت يميني ما أنازعه
في كف ذي نقمات قيله القيل
في كف ذي نقمات قيله القيل
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه
وقيل إنك منسوب ومسئول
وقيل إنك منسوب ومسئول
إلى أن قال:
ولا يزال بواديه أخو ثقة
مضرج البز والدرسان مأكول
مضرج البز والدرسان مأكول
إن الرسول لنورٌ يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلولُ
مهند من سيوف الله مسلولُ
في عصبة من قريش قال قائلهم
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف
عند اللقاء ولا ميل معازيل
عند اللقاء ولا ميل معازيل
شم العرانين أبطال لبوسهم
من نسج داود في الهيجا سرابيل
من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق
كأنها حلق القفعاء مجدول
كأنها حلق القفعاء مجدول
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم
قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم
ضرب إذا عرد السود التنابيل
ضرب إذا عرد السود التنابيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهم
وما لهم عن حياض الموت تهليل
وما لهم عن حياض الموت تهليل
فهذا شعر مليء بالغزل والوصف وقد أسقطت بعضه في وصف سعاد حيث توفرت الإشارة واكتفينا بها. وبهذا الشعر الغزلي تبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم عفا عنه مطلقاً وأنزل فيه العفو العام! فانظر لما تفعل اللطافة وما تجلب لك.
إن الحديث كريم يدلك علي عيش النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في وسط المجتمع ورحمته فيهم وبما تهوى النفوس من المباحات والافراح والإسعاد.
فقط أنبه إلى أن استدلالاتي هذه ليست لها مقصد التحريم أو التحليل بل فقط لتعلم أن أمتنا وهذا يشمل معظم مشايخنا ودعاتنا بل وعلماءنا لا يقرأون وإذا قرأوا لايفهمون وإذا فهموا لا يستنبطون وإذا استنبطوا لا يترفعون عن الميل كل الميل للتقليد والاتباع لغير النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهاهم عن ذلك، بعدما يقرأون كلام النبي ويتأكدون من أفعاله يصدون ثم يقولون قال فلان وأقسم علان .. يحسبون أنهم على شيء.
يتبع الجزء الرابع ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق