الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وبعد:
خلاصة الفتوى:
تحرم الموسيقى التي تستثير الشهوات والغرائز اتفاقا، وكذلك يحرم الغناء الذي يشتمل على فحش القول والمعاصي وهذا ما يصدق على معظم الأغاني الموسيقية على أرض الواقع، وأجاز فريق أهل العلم قديما وحديثا الموسيقى الهادئة التي لا تستثير شهوات ولا غرائز، بضوابط وشروط تتلخص بسلامة مضمون الغناء من المخالفة الشرعية كالأغنية التي تصف المحبوبة والتي تخالف العقيدة والعادات والتقاليد وسلامة طريقة الأداء من التكسر والإغراء، وعدم اقتران الغناء بأمر محرم كالخمر والاختلاط وتجنب الإسراف في السماع ….
فإذا كان الغناء يستثير الشخص ويغريه بالفتنة فعليه أن يتجنبه ويسد الباب الذي تهب منة الفتنة.
وإليك تفصيل الفتوى:
أولا: الغناء هو رفع الصوت وموالاته, وقال الخطابي رحمه الله تعالى: "كل من رفع صوته بشيء ووالى به مرة بعد أخرى فهو غناء عند العرب".
والغناء كلام حسنه حسن وقبيحة قبيح, وهو قد يكون بآلة (أي معازف) وقد يكون بلا آله.
فان كان بغير آلة فهو مباح باتفاق العلماء بشرط ألا يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية ولا إثارة وبشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب.
قال الغزالي في الإحياء: "من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحانية, زائد في غلط الطبع وكثافته على الجِمال والطيور وجميع البهائم, إذا الجمل مع بلادة, طبعه يتأثر بالحداء تأثيرا يستخف معه الأحمال الثقيلة ويستقصر المسافات الطويلة وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه فترى الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها وتصغي إليه ناصبة آذانها وتسرع في سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها".
هذا بالنسبة للغناء بلا آلالات.
ما حكم الغناء الذي يكون مع الآلات؟
إن الآلات تقسم إلى ثلاثة أقسام: آلالات قرع: كالطبل والدربكة والدف وآلات نفخية كالمزمار والشبابة والبوق, وآلات وترية كالعود والكمنجا وما شابهه .
بداية أود أن اذكر: أن موضوع الآلات على اختلاف أنواعها سواء آلات القرع أم النفخ أم الوتر هنالك نقاط اتفاق في التعامل معها وهنالك نقاط اختلاف.
أما محل الاتفاق بين العلماء فهو حرمه الاستماع إلى الآلات التي تشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية وهذا واقع الموسيقى اليوم فإنها لا تكاد تخلو من مجون وهيام وغرام وفحش في الغالب, وأما محل الاختلاف فهو فيما لو كانت هذه الآلات قد تجرد استعمالها من هذه المحرمات والمعاصي.
أولا الدف: يجوز الضرب على الدف سواء أكان مجلجلا أم غير مجلجل وسواء استعمله الرجال أم النساء في كل فرح مشروع وهذا ما ذهب إليه بعض المالكية والأصح من مذهب الشافعية. انظر: (الفواكه الدواني, ج2\ص392 – حاشية لدسوقي, ج1\ص339 – مغني المحتاج ج4\ص429).
ثانيا حكم الطبل والدربكة والصفاقتين :
الطبل: يجوز استعماله بجميع أنواعه وهذا مذهب المالكية إلا أنهم خصوه بالنكاح ولا دليل على التخصيص. انظر: (حاشية الدسوقي, ج2\ 339).
الصفاقتين: (والمقصود بالصفقتين (الصنج) التي تتخذ من نحاس وتضرب مع الطبول) يجوز استعمال الصفاقتين عند بعض الشافعية وعند المالكية في المعتمد إلا أن المالكية قد خصصوها بالنكاح أي الزواج، ولا دليل على التخصيص.
انظر: (إتحاف السادة المتقين, ج6\ص505 – حاشية الدسوقي, ج2\ص339).
ثالثا: حكم العزف على الآلات الوترية والنفخية كالعود والكمنجا والرباب... والمزمار والشبابة...
ذهب أكثر الفقهاء إلى حرمة الآلات الوترية وهو المشهور في المذاهب الأربعة.
انظر: (تبيين الحقائق للزيلعي ج2\ص13 – حاشية الدسوقي , ج2\ص339 – معني المحتاج ج4\ص429 - المغني, ج2\ص39).
بينما ذهب بعض المالكية وابن حزم الظاهري وعبد الله بن الزبير,وعبد الله بن عمر ومعاوية وعمرو بن العاص وحسان بن ثابت وخارجة بن زيد والزهري وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي وابن طاهر إلى جواز العزف على الآلات الوترية وسماعها . انظر: (حاشية الدسوقي,ج2/ص339,إتحاف السادة المتقين, ج7/ص 505,502) كف الرعاع ص 50, المحلي, ج9/ص712, نيل الأوطار ,ج8/ص 100-151).
وحكى الماوردي إباحة العود خاصة عن بعض الشافعية وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي وحكاه الاسنوي في "المهمات" عن الروياني والماوردي ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي وجزم بالإباحة الادفوي.
وذهب سلطان العلماء العز بن عبد السلام إلى جواز الغناء بالآلات وبدونها, فقال: "الطريق في صلاح القلوب يكون بأسباب من خارج, فيكون بالقرآن وهؤلاء أفضل أهل السماع ويكون بالوعظ والتذكير ويكون بالحداء والنشيد ويكون بالغناء بآلالات المختلف في سماعها كالشبابات فان كان السامع لهذه الآلات مستحلا سماع ذلك فهو محسن بسماع ما يحصل له من الأقوال وتارك للورع لسماعة ما اختلف في جواز سماعة". انظر: (التاج والاكليل للعبدري المالكي ج2/ص 62).
ونقل القرطبي في الجامع لأحكام القرار قول القشيري ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله: "دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح" ثم قال القرطبي: وقد قيل أن الطبل في النكاح كالدف وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث".
(انظر: تفسير القرطبي, ج14/ص54).
(انظر: تفسير القرطبي, ج14/ص54).
وكذلك بالنسبة لآلات النفخ (المزمار/الشبابة/البوق) فان كثيرا من الفقهاء على حرمتها وهو ظاهر المذاهب الأربعة إلا أن الحنفية استثنوا النفخ بالبوق للتنبيه وبعض المالكية أجازوا الآلات النفخية للعرس دون غيره ويرى فريق من الشافعية جواز الشبابة (اليراع) بينما ذهب ابن حزم إلى الجواز مطلقا.
انظر: )البحر الرائق, ج8/ص215، حاشية الدسوقي, ج2/ص339, مغني المحتاج, ج4/ص429, المحلى, ج9/ص 713).
خلاصة الرأي في المعازف:
لو نظرنا إلى الآراء السابقة لوجدنا أن الفقهاء متفقون على حرمة المعازف التي تستثير الشهوات والغرائز، وهذا هو واقع الموسيقى اليوم فلو أردنا أن نطبق الأقوال الفقهية السابقة على ارض الواقع لخرجنا بقول واحد وهو حرمة الموسيقى لاحتوائها على المجنون والفسوق والفحش من القول.
أما لو كانت الموسيقى لا تستشير الغرائز ولا تحرك الشهوات فمحل اختلاف بين أهل العلم، ولكن لابدّ من مراعاة الضوابط التالية:
1. سلامة مضمون الغناء من المخالفة الشرعية كالأغنية التي تصف المحبوبة والتي تخالف العقيدة والعادات والتقاليد.
2.سلامة طريقة الأداء من التكسر والإغراء.
3. عدم اقتران الغناء بأمر محرم كالخمر ولاختلاط
4. تجنب الإسراف في السماع.
5.ما يتعلق بالمستمع: وبعد هذا الإيضاح تبقى هناك أشياء خاصة تعلق بالمستمع نفسه لا تحيط بها فتوى المفتين ولا تضبط بل توكل إلى ضمير المسلم ويكون كل مستمع فيها فقيه نفسه ومفتيها, فإذا كان الغناء يستثيره ويغريه بالفتنة فعليه أن يتجنبه ويسد الباب الذي تهب منة الفتنة.
وهذا ما رجحه الدكتور القرضاوي في كتابة (فقه الغناء والموسيقى في ضوء القرآن والسنة, ص157- 194.(
وكذلك الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية, (في كتاب البيان لما يشغل الأذهان, ص353-356).
وغيرهم عدد كبير من المعاصرين.
والله تعالى اعلم.
امانة الفتوى
المفتي: فضيلة الدكتور مشهور فواز
المفتي: فضيلة الدكتور مشهور فواز
أعدت الفتوى للنشر: مرام ابومخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق