الأربعاء، 20 أبريل 2016

حديث الجاريتين ماله وما عليه ,,,

قرأت بعض الردود في صفحتنا هنا أو في أماكن أخرى في حديث الجاريتين ا في مقالتي عن الغناء في الاسلام
بادئ بذي بدء، الحديث في البخاري ذكرت سنده ومجموعة ممن رووه، ومنهم مسلم وأحمد وابن ماجه وآخرون، ولم يعهد على معتبرين في التاريخ نكرانه، فهو حديث لا شبهة فيه ومتفق عليه. فكون الحديث لم يوافق منهج الشخص لا يجوز رده بهذه الطريقة؛ فالسنة مكملة وشارحة للقرآن
أما من غير معناه وحرف محتواه ولف مغزاه فآود أن أفتح لهم باباً للنقاش، وارجوهم ان لا يكرروا الكلام الذي نسمعه نفسه في 90,000 موقع و200,000 كتاب ومليون ديوان وجلسة، قل شيئا من عندك او فقط اذهب وانشر مذهبك ومنهجك في التقليد في هذه المواقع والكتب والدواوين. انا لما اقول برأي يجب آن تدرك اني قرات هذا الذي تنقله من التاريخ. آحب لك أن تعرف أني قرات كل كتب الامام ابن القيم وفتاوى ابن تيمية وجملة كبيرة جدا من فتاوي المشايخ ابن باز وابن عثيمين رحمهم الله وأقر بمعظمها واحترمها كلها واعتبر نفسي أحد تلاميذهم، لكني لا اتبع واحدا منهم ولا اقلد. لذا قل شيئا جديداً آو في نفس الموضوع او لن ينفعنا هنا كلامك
دعنا اولا نذكر الحديث لمن لم يقرأه او للتذكرة
عن هشام عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها والنبي صلى الله عليه وسلم عندها يوم فطر أو أضحى وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر مزمار الشيطان مرتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وإن عيدنا هذا اليوم. هذا لفظ الحديث للامام البخاري، وعند الامام احمد ليس فيه "مزمار الشيطان". والحديث رواه آخرون من الصحابة كذلك منهم أبوبكرة رضي الله عنه. (وقينتان يعني مغنيتان
اعتراضاتهم تقول:
أن ابا بكر رضي الله عنه مثل الغناء والعزف بالدف بأنه مزمار الشيطان.
أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على هذا التشبيه، ونقلوا كلام ابن القيم وغيره في ذلك.
أن عائشة رضي الله عنها والجاريتين كانوا صغاراً أطفالاً.
أنه لم يحل من المعازف الا الدف.
أن هناك مناسبة لذلك وهي العيد.
١- الاعتراض الاول: ان أبا بكر رضي الله عنه مثل الغناء والمعازف بمزامير الشيطان، ولذا فالمعازف مزامير الشيطان، وهي طبعاً منبوذة. هذا المأمول من الكلام. صح؟
الرد: أولا يجب ان ننظر في المقصود، كن منتبهاً؛ لان معظم من ينقلون الكلام يكررون كلام شخص واحد فقط منذ مئات السنين، لا ينظرون في الحديث، فقط يكررون الكلام نفسه وقد لا يعونه. اولاً ما المقصود بمزامير الشيطان؟ من سياق الحديث كما في رويات عدة أن ابا بكر دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وانه سمع جاريتين تغنيان وتدففان - اي تعزفان بالدف باغاني فيها مخالفة قيمية اذا فيها قذف. فرد عليهما بشدة وقال: مزمار الشيطان في بيت رسول الله؟! هنا ثلاثة احتمالات بالمقصود بمزمار الشيطان: (١) الغناء، (٢) آلة الدف، (٣) الكلام المخل الداعي للقبلية والتراشق بالالفاظ
اما كونه الغناء فهناك ما يخالف هذا القول من السنة كون أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الغناء، بل وحرض باستخدامه في تلاوة القرآن للتجميل. الدليل على الاول قوله في حديث الربيّع بنت معوذ بن عفراء جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بنى علي (أي تزوجت) فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قُتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين. (رواه البخاري وغيره). هذا مؤشر على إقراره للغناء، بل وسماعه والسماح به، ولما قالت منكراً عنه صححها وطلب منها العودة للغناء لكن باللفظ واللغة المقبولتين عقدياً؛ لان الغيب لا يعلمه الا الله، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب. وفي رواية الترمذي لفظ جاريات وليس جويريات؛ لأن هنا فيه تعمد بتصغير العمر، وكن منتبهاً أنه لا يمكن لطفلة ان تعزف الدف وتحفظ الشعر وتحسن الغناء وتنظم الابيات الارتجالية، كما من سياق الحديث، ربما صغيرات لكن لسن أطفالاً. ومن العجب أن يعنون الامام ابن القيم في كتابه عون المعبود باب هذا الحديث عند ابي داود: "باب: في النهي عن الغناء"!! هل رأيت أي دلالة من هذا الحديث المذكور فيه نهي عن الغناء؟! أم رأيت أنه يقول "وقولي بالذي كنت تقولين". عجب. ثم كثير من المقلدة أخذوا نفس الكلام فاثبتوا كلام ابن القيم وغفلوا عن كلامه صلى الله عليه وسلم! وهي عادة عند أصحاب هذا المنهج يناصرون المنهج وينسون الأصل. مثل لما قلت لهم في مقابلة الوطن أن الثبات بالعموم خطأ فالله يقول: (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) قالوا أنكر الثبات وجاءوا بالأحاديث وتجاهلوا الآية. لما أقول لهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون أنكر أبوبكر! لما أقول لهم قال عمر يقولون فسر الآية ابن مسعود! لما أقول لهم يقول الشافعي يقولون قال ابن القيم!! هل رأيت خللاً أعظم من هذا في المرجعية
أما كون المقصود في المزمار الدف الذي كان يعزف في بيت النبي وبحضرته فأيضاً مخالف للسنة؛ لان عزف الدف من السنة المأمور بها بالذات في المناسبات مثل الأعراس، وفي ذلك أحاديث مستفيضة، وحديثنا هذا يدل على مشروعية وحسن ذوق من غنى أو جاء بمغنيتين واحتفل في العيد بالدف. والدف آلة موسيقية إسلامية دعى لها المصطفى صلى الله عليه وسلم وهجرها المقلدة والمتنطعون
وأما كون المقصود بالمزمار الكلام فهو أدل وأقرب لحكمة أبي بكر وعلم عائشة ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم. في شرح الحديث من موسوعة الأوقاف السعودية في الانترنت: قَوْله : ( بِمَا تَعَازَفَتْ ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي أَيْ قَالَتْهُ مِنْ الْأَشْعَار فِي هِجَاء بَعْضهمْ بَعْضًا وَأَلْقَتْهُ عَلَى الْمُغَنِّيَات فَغَنَّيْنَ بِهِ، وَالْمَعَازِف آلَات الْمَلَاهِي الْوَاحِدَة مِعْزَفَة، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ عَزْف اللَّهْو وَهُوَ ضَرْب الْمَعَازِف عَلَى تِلْكَ الْأَشْعَار الْمُحَرِّضَة عَلَى الْقِتَال، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْعَزْفِ أَصْوَات الْحَرْب شَبَّهَهَا بِعَزِيفِ الرِّيَاح وَهُوَ مَا يُسْمَع مِنْ دَوِيّهَا، وَفِي رِوَايَة " تَقَاذَفَت " بِالْقَافِ وَالذَّال الْمُعْجَمَة أَيْ تَرَامَتْ بِهِ. يعني ثلاثة أقوال في المعازف: الأشعار، الغناء، والآلآت
فلعل الخليفة أبا بكر - رضي الله عنه - أراد هذا المعنى، وهو أن مزمار الشيطان هو الكلام المخالف هذا، المعزز للقبلية والعنصرية. وهذا يتوافق مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الربيع المشار له، ورده للكلام لا الغناء بل طلبه بالعودة للغناء دون الكلام المخل بالعقيدة من معرفة الغيب
اذاً، الاحتمال الأكبر أن أبا بكر رضي الله عنه أنكر الكلام بأنه مزمار الشيطان؛ لأنه كما سيأتي بيانه أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه صوت أبي موسى الأشعري بأنه من مزامير داود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد جمال صوته ويريد مدحه. والحديث الآخر يدل على رفض النبي صلى الله عليه وسلم للكلام المنكر لا الغناء ولا المعازف (الدف هنا)، وهو يتوافق مع قول الامام الشافعي في كتاب "الأم" في كون الغناء بدلالة كلامه فحرامه حرام وحلاله حلال، أي اذا كان الكلام حلالاً فالغناء كذلك، واذا كان حراماً فالغناء فيه كذلك
وحتى على افتراض أن أبا بكر رضي الله عنه أراد المعازف والغناء التي كانت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فسيأتي بيانه في الاعتراض الثاني
٢- بالنسبة للاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره فهذا من التحريف والفهم المعوج. كيف أقره وهو يقول له: "دعهما" أي اتركهما وما يفعلان. أي هذا الكلام غير صحيح يا أبا بكر بل إن ما يفعلانه جيد، كما في بعض الرويات "ليعلم الناس أن لنا عيداً". دعهما حتى لا يظن الناس أننا قوم بؤس وتعاسة لا غناء عندنا ولا فن ولا رقة ولا متعة، حتى لا يظنون أننا قوم مقاطعة وكراهية ونقد وبغض وحسد وتفضيل أنفسنا على الآخرين وشعب الله المختار .. "دعهما" .. قل لي بالله عليك يا من تقول بأنه أقره كيف أقره وهو يقول له "دعهما"؟!! العكس صحيح تماماً وهو أنه أنكر عليه إنكاره وصوبه، أو أنه طلب منه أن يتركهما يكملان مع ملاحظة أبي بكر رضي الله عنه في كون الكلام مخل قيمياً. هذا التوفيق جيد. وفيه دلالة خاصة وانهما كما في الروايات كملا الغناء والعزف لحين جاء عمر رضي الله عنه. فكيف يقره وهما مستمران في الغناء؟!!
ويجب القول بأن القول بان أبا بكر رضي الله عنه رد المنكر في بيت النبي صلى الله عليه وسلم قول فيه من قلة التادب مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع السيدة عائشة رضي الله عنها وارضاها، وههنا بعض الابانة
إن مقولة ان النبي صلى الله عليه وسلم اقر آبا بكر رضي الله عنه - مرة أخرى - مقولة خطآ من عشرين وجهاً آذكر قليلاً منها هنا: أولها: أنه رد قوله فقال له: "دعهما"، كما ذكرنا، وأدنى شخص يفهم العربية ولو كان اجنبياً لا يقول ان هذا اقرار، بل هذا رد وتصحيح ولربما ردع. ثانيها: ان القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم اقر كلام أبي بكر يعني أنه كان هو في الخطأ آو السيدة عائشة وكانا هما - والعياذ بالله - يستمعان لمزمار الشيطان!! فجاء أبوبكر رضي الله عنه فنبههما وصوبهما!! ومن يقول بهذا فهو. في منهج الإسلام، منحرف شاذ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم اكرم من أبي بكر رضي الله عنه رغم علو منزلته. وعائشة على صغر سنها - وليست طفلة كما سنبين - عالمة كبيرة وجليلة قال عنها الامام ابن حجر: "عائشة أعلم نساء الأرض إطلاقاً". ثالثاً: يريد المنحرفون في السيرة اثبات أن السيدة عائشة رضي الله عنها وراء هذا الموضوع، كما تعرض لنا بذلك أحد المشايخ الشيعة في الكويت - مع احترامي للشيعة الغالبية فهم أكارم وعقلاء لا يقولون بهذا الهراء - ليبرأ النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مردود لا نطيل فيه الكلام هنا؛ فالسيدة عائشة رضي الله عنها أشرف مني ومنك ومن كل من يقرأ هذه الكلمات. ورابعاً: فإن عائشة رضي الله عنها كما بينا في مقالات كثيرة لم تكن غير بالغة بل كانت في العشرينيات أو الثلاثينيات، وهي بعمر علي رضي الله عنه، وهي ممن شهد بداً ولم تكن متزوجة وقتها، ولم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم بحضور الصبيان الذين هم في السادسة عشر فكيف يسمح لبنت في العاشرة من عمرها!! وهذا ايضا دليل علي البغبغاءات الذين يكررون كلام الخطب والدوس ويقلدون دون التفحص، بل هذا يطعن في نزاهة وانسانية النبي الكريم، ان يكون يعاشر طفلة. فعائشة كبيرة هنا وتدرك. خامساً: أن النبي صلى عليه وسلم لم يقر كلمة أبي بكر بأن الدف أو الغناء مزمار، وان المزامير هي للشياطين، لانه امر بضرب الدف في المناسبات، وامر بالتغني بالقرآن، فاللفظ لا يقبل ان يأمر بشيء ويأتي مثله! سادساً: المزامير هي كتاب مقدس نزل على داود عليه السلام وهو موجود في الكتاب المقدس قبل الانجيل وبعد التوراة، والقرآن ذكره وسماه الزبور، وهو موجود حتى اليوم باسم "مزامير داود" يتكون من 150 اصحاحاً، وفيه 2,439 آية، و21,902 كلمة!! والآية التي استدل فيها القرآن بقوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) موجودة في كتاب مزامير داود بلفظ (الودعاء يرثون الأرض) ولفظ (الصديقون يرثون الأرض)، فدل على أن الزبور المقصود هو ما يسميه أهل الكتاب "مزامير داود" وهم يتغنون به في الكنائس حتى اليوم. سابعاً: لا يعقل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يقر بأن المزامير - جمع مزمار، آلة موسيقية - هي من أدوات الشيطان وهو يقول لصاحبه كما في حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لأبي موسى وكان حسن الصوت بالقرآن لقد أوتي هذا من مزامير آل داود. (واللفظ للدارمي). فهل يقصد أن صوت أبي موسى من أدوات الشيطان؟! أم أنه يقصد أن هناك مزامير مذمومة ومزامير محمودة؟ والثاني واضح. ثامناً: وهي من السفه، أن يقال كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً ويستمع من وراء ظهره وعائشة مستمتعة مع المغنيات النساء أو البنات فجاء أبوبكر رضي الله عنه وأنكر المنكر في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبوجود النبي!! أولاً هذا انحراف عقدي وفكري وخلل قيمي أن يعتقد ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أكرم وأعظم وعائشة أكرم من أن يقال فيهما ذلك. ماذا تركتم للدنمارك ليقولوا؟! واخشيتاه أن يرسم هذه الفكرة رسام دنماركي! والاسوأ من ذلك ما قاله شيخ مرة في ديوان صديقي قيس البشر بأن عمر عندما دخل هربت الجاريتان؛ لأن الشيطان يفر من عمر!!! واخزيتاه! الشيطان جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة ثم مع أبي بكر فلما جاء عمر فر!! من علمكم العقيدة؟! والحديث يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجلس في مجلس فيه شياطين. إن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم كريم قبل دخول أبي بكر وعمر، وشريف، وليس فيه شياطين. من يقول هذا الكلام هو الذي عنده شياطين! اكتفي بالرد على هذا الكلام المغلوط والمعوج
٣- كون عائشة رضي الله عنها والجاريتين رضي الله عنهما كانوا صغاراً. فما الذي يعنيه ذلك؟ حلال على الصغار حرام على الكبار؟! طيب، تتبع منهج هؤلاء القوم تجدهم لا يسمحون للصغار بسماع الموسيقى أو الغناء بل لا يسمحون لهم بالغناء، وأتمنى أن أرى واحداً منهم يأتي لأهله الصغار سواء زوجته أو بناته بمغنيتين حتى ولو صغيرتين يغنون في بيته ولو في عيد!! لو وجدت أحد منهم عمل بهذه السنة فأخبرني حتى اتراجع عن منهجي هذا. لا يفعلون. لأن الأمر لا علاقة له بالدين. لا يغشونك. هم قالوها حتى صدقوها! وأما كون عائشة كانت صغيرة فهذا من الخلل الذي وقعت فيه الأمة وضحكت منه علينا الشعوب ووضعت النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة البشعة. ما فيني لوم على الدنمارك! ومرة أخرى ليس صحيحاً أن الغناء للصغار فقط وإن كنت آقبل هذه المرحلة فهي أهون من الجماعة التي ترفضه جملة وتفصيلاً وترد الأحاديث وتأولها وتلي الأدلة فيها. وحديث الربيع واضح من كونهم كانوا يغنون في عرسها وينشدون الأشعار ويترجلونها. ولا يمكن لبنت صغيرة تدفف أي تعزف الدف وتغني وتنشد وتترجل الشعر. ولو وجدت واحدة لا يوجد كثير
٤- اعتراضهم بأنه لم يحل من المعازف إلا الدف. أولاً نرجو أن يعدد أهل هذا القول الآلآت الموسيقية المحرمة الموجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. لم يعرف العرب في مكة والمدينة سوى الدف (وهو الطار اليوم) والطبل وربما الناي والعود إلا قليلاً؛ فالعود يقال أن أول من أدخله الجزيرة سلمان الفارسي رضي الله عنه، غير أن هذا القول الشهير لا دلالة عليه رغم أنه يدرس في معاهد الموسيقى، ونقله أبوالفرج الأصفهاني، لكنه عرف في زمن الخلفاء واستنكره كثير من الصحابة، لكنه كان مقبولاً من الخلفاء، ولهذا لم يمنعوه أو يكسروه أو يخرجوه من مكة والمدينة، ويقال أن أول من ضرب العود في مكة هو ابن سريج، وكان ذلك في صدر الاسلام، وأن أول من سوق لتعليم العود في مكة هو ابن حارث (توفى 624م في زمن النبي صلى الله عليه وسلم)، ويقال في تاريخ الموسيقى أن المعازف شاعت في مكة حتى عزفت مائة قينة مرة (يعني سيمفونية متكاملة؛ لأن السيمفونية الصحيحة هي بمائة آلة؛ فالعرب سبقوا بها). وصار للفن قيمة في زمن عبدالملك بن مروان، اذ كان يعزف العود جيداً ويلحن وهكذا كان ابناوه سليمان ويزيد (يزيد بن عبدالملك ليس بن معاوية). وازدهر في زمن الخليفة العادل والملك المبجل الذي كان يحج عاماً ويجاهد عاماً وهو هارون الرشيد اذ اعز في حكمه ابراهيم الموصلي شهير العرب الموسيقي المعلم صاحب المقامات. ومن الخلفاء العباسيين مجموعة كذلك تعزف وتلحن
وكان اشهر العازفين العرب هو اسحاق الموصلي، المتقن، القدير، ومات في زمن المتوكل ونعاه الخليفة المتوكل قائلاً: ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته. والخليفة المتوكل هذا قال عنه الامام احمد بعد أن أخمد فتنة خلق القرآن الشهيرة: "المتوكل في بني العباس كعمر بن عبدالعزيز في بني أمية". وأشهر علماء العزف المسلمين هو زرياب، صاحب الفن الرفيق، تتلمذ على يدي ابراهيم الموصلي وابنه اسحاق، وهو أول من أدخل الوتر الخامس في العود، واستمر حتى فريد الأطرش الذي أدخل الوتر السادس، وكان زرياب عالماً، فقيها، شاعراً، أديباً، حجة في علمه، لما قدمه ابراهيم للخليفة هارون الرشيد أعجب فيه وقربه له، فغار منه اسحاق، قيل فهدده بالاغتيال فغادر الى قرطبة حيث كان استاذ أوربا الأول، ومنه كل فن أوربا الحالي، فلم تعرف أوربا الأوتار إلا به؛ لأن المسلمين كانوا يتقدمون الأمم في كل شيء، مثل ما تتقدم أوربا وأمريكا اليوم في كل شيء تماماً، وأخذ الغرب الفكرة وعملوا الهارب والقيثارة ثم القيتار ثم البيز وعشرات الآلآت الوترية
إن الدف بالنسبة للموسيقين اليوم والأمس هو آلة موسيقية لها نوتة وتدرس وتعزف، وهي التي كثير من الأحيان تضبط وزن الأغنية، كما كان في القرن العشرين بالذات مع المغنيين الأوائل وأم كلثوم. والعرب في مكة والمدينة أستوردوا الدف والطبل، وقبله النبي صلى الله عليه وسلم بل وأمر بضربه بالذات في المناسبات كما في حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن
نحن جوار من بني النجار
يا حبذا محمد من جار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الله إني لأحبكن. (اللفظ لابن ماجه). هذا الحديث فيه عشرات الفوائد والمؤشرات كقولك لبنت أو امرأة (بتأدب) إني أحبكن، ومنها جواز ذكر القائد مدحاً والتغني له، ومنها جواز سماع الرجل للمرأة وهي تغني، ومنها جواز التغني في العلن، ومنها العزف بالدف، ومنها جواز غناء المرأة، ومنها جواز الغناء الجماعي .. الخ. نكمل، وحديث الربيع رضي الله عنها المتقدم وفيه أن النبي الأكرم جلس بالقرب منهن، واستمع، وصلح لهن لما أخطاوا بالإعتقاد (البخاري)، وفي حديث القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالغربال (اللفظ لأحمد). وقوله في حديث الترمذي عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف. وجملة كبيرة من الأحاديث. وحديث عائشة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد (صحيح البخاري). قارن هذا الكلام في زواجات المتدينين اليوم تجده أبعد ما يكونون عن السنة، زواجاتهم أشبه بزوجات الهندوس، تسليم وعشاء ومحاضرة. صحيح أنه ما ترك قوم السنة إلا استبدلوها ببدعة
وغالب من يحرم الموسيقى لا يعمل بهذه السنة؛ لأن عداءه مع الموسيقى وليس تمسكاً بالسنة في الغالب. فهم غالباً يقلدون واتباع لمنهجية تسببت بجفوة وخشونة وعنف، ولو سمعوا الموسيقى، او عزفوا دفاً على الأقل أو سمعوا بنات تغني لخفت جفوتهم وترحموا بالناس، وما شغلوا أنفسهم بالحكم على عباد الله، وشغلوا صفحات النت بالقيل والقال وكثرة السؤال واضاعة المال، ولما صاروا في مؤخرة الشعوب، وأعظم من ذلك اقناعهم الناس بان ذلك سببه البعد عن الدين، ويقصدون بالدين منهجهم، ووالله لقد صدقوا بان سبب ذلك بعد الناس عن الدين، لكن ليس دينهم بل دين محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة الذين كانوا يغنون وجواريهم او بنات حيهم يطربون ويدففون (لفظ صحيح البخاري) ويفرحون ويعلنون الأعراس التي هي عندنا في الكويت والسعودية اليوم مآتم، وكانت قبل ما يسمى بالصحوة على السنة، بفطرة الناس السليمة
٥- تحديد الغناء والمعازف بالمناسبات. وأنا شخصياً أرضى منهم ذلك، ومشكلتهم نصيون إلا في منهجهم يصبحون ظاهريين، أنكروا علي العلامة ابن حزم رحمه الله رده لرجم المحصنة يوم قال لهم وما نصف الموت في قوله تعالى (فنصف ما على المحصنات من العذاب) ما نصف الموت؟ إذا كان الرجم للمحصنة فما نصف الموت للجارية؟! الموت لا يجزأ. وكان رحمه الله أكثر الناس تمسكاً بالسنة ومع ذلك يقول على فراش الموت لابنه وجدت في كتاب الله كل مسألة إلا الإجارة، متأنب أن أموت وما وجدتها، فقال له ابنه: يا أبتي، ما أحلاك وأنت في هذا وتفكر في العلم، يا أبتي الإجارة من البيع المؤجل، والله يقول: (وأحل الله البيع وحرم الربا)، فابتسم ابن حزم وقال: الحمدلله، ثم مات بعدها مستريحاً! هذا الامام الذي كان يرى في كتاب الله ما يرى، هو الذي قال ما صح حديث في تحريم المعازف، وهو الذي أحل المعازف والغناء، مات وما على الأرض أحد بعلمه
وعلى كل فالمعازف أصلاً كلها بمناسبات، فهل الجنادرية مناسبة؟ هل العرس والزواج والخطوبة وكتب الكتاب مناسبة؟ هل الأعياد مناسبة؟ هل التحرير مناسبة؟ هل الاستقلال مناسبة؟ هل النجاح مناسبة؟ أليست كل هذه مناسبات؟! وتستحق الفرح والاعلان؟
وأنا أقول ما قلته لبعض المشايخ لما جعل من تحريم الموسيقى كتحريم القتل، قلت له: ألا يسعك ما وسع الخلفاء الراشدون والخلفاء الأمويون والعباسيون؟ هم سكتوا أفلا يسعك أن تسكت؟ بدلاً من شتم الناس والحكم عليها .. ألا يخيفك أن الله سبحانه غفر لعاهر من بني إسرائيل أشفقت على كلب وأحبط عمل عابد متكبر حكم على أخيه وقال له: لن يغفر لك وأنت في غيك؟! ألا يخيفكم أن أول الناس تسعر به النار يوم القيامة رجل قرأ القرآن، ورجل تصدق، ورجل مات وهو يقاتل، كلهم فعلوها ليقال لا لله، ألا يخيفكم أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى فعل ثلاثة متدينيين متنطعين استقللوا عمله فقال: من اعرض عن سنتي فليس مني
كفوا ألستنكم عملاً بما فعل الصحابة الذين حكموا مكة والمدينة والعراق والشام والأندلس وفارس وكلها آلآت من أولها لأخرها ولو وسع المقام لذكرت لك عشرة أضعاف من كبار الخلفاء والعلماء والمفكرين المحبين للغناء والمعازف أو يعزفون (ذكرتها في كتيبي "الغناء في الإسلام"). قل لهم: لماذا فعل ابن عمر هكذا بأصبعيه في زمن الخلافة الراشدة والخليفة تاركاً هذا المنكر الكبير؟ قل لهم: لماذا دخل ابن مسعود العراق يقول ما أجمل صوته لو كان في تلاوة القرآن ولم يكسر العود عليه وهو حاكم العراق؟ قل لهم لماذا يعمل هارون والمتوكل وعبدالحميد الثاني، وهم أقوى خلفاء الدول وأشرفهم، المسابقات والحفلات ويشجعون الفن .. لماذا فعل هؤلاء ذلك وهذا المنكر الكبير في حكمهم؟!
إن منهجم هذا أثمر القاعدة والسلفية الجهادية والتكفير والهجرة والحوثيين .. و(من ثمراتهم سوف تعرفهم) (الأنجيل) وهي في القرآن: (ومثلهم في الأنجيل كزرع أخرج شطآه فآزره فاستغلظ فاستوي على سوقه) (الفتح)، ثمراتهم: ١١ سبتمبر، أفغانستان، أحداث اليمن، العراق وغزو أفغانستان والعراق وقريباً الصومال واليمن، لا سمح الله. عدد ثمراتهم! احسب كم اختراعاً لهم في اليوم؟ أقصد في القرن؟ كم عمارة شيدوا؟ كم أرضاً آمنوا؟ كم تكنولوجيا ابدعوا؟ كم طفلاً أنفذوا في هايتي؟ كم بيتاً عمروا بعد سونامي؟ سؤالهم طوال الوقت: ماذا لنا؟ متى تحررونا؟ متى يا أوباما تنصر فلسطين؟ دعاؤهم على الناس بالهلاك أن يحصيهم الله عددا ويقتلهم بددا ولا يغادر منهم احدا .. من ثمراتهم سوف تعرفهم
أنا أقول: آن الأوان .. أن نعمل شيئاً .. إذا لم يكن الآن .. فمتى؟ إذا لم يكن نحن .. فمن؟؟
حبي وتقديري لموافقي ومخالفي .. للمخترعين والمخربين .. للمحبين والكارهين .. سواء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق