الثلاثاء، 19 أبريل 2016

فتوى : لا مانع من سماع الغناء البريء،ولو بآلات الموسيقى المصاحبة لذلك بعض الأحيان،مادامت قد خلت من الشطط الزائد عن الحد،ولا يكن هذا الأمر مثارًا لاختلاف المسلمين،فلو كان فيه رأي واحد يجمع الأمة،هو الصواب بعينه،لاجتمع عليه الأسبقون ،ولكن حكمة الله اقتضت الاختلاف ،لاختلاف الناس وطبائعهم

حكم الموسيقى

حكم الموسيقى
س: نرى المنتمين لجماعة المسلمين الأمريكان لا يضيرهم إن استخدموا الموسيقى و المعازف في إعلاناتهم أو مؤتمراتهم و كأن استماع الموسيقى و الأغاني حلال بينما أنه معروف عند أهل العلم أن الموسيقى حرام و بعض أهل العلم قال بإجماع العلماء على تحريم الموسيقى:
ج: موضوع الموسيقى و المعازف و الغناء أمر خلافي كتب فيه الكثير من العلماء القدماء و المعاصرين و ليس أمر مجمع عليه. فيه مساحة متفق على تحريمها و مساحة متفق على تحليلها و بينها مساحة اختلف علماء السلف و الخلف بالحكم عليها . و هذا بحث حول الموضوع و مجموعة من الفتاوى المتعلقة به.
موضوع الغناء وآلات الموسيقى ممااختلف فيه الفقهاء حديثًا وقديمًا،وسيظل الفقهاء مختلفين فيه إلى أن يقوم الناس لرب العالمين،والذي يفتى به مع اطمئنان النفس له هو الموقف الوسط في ذلك ،وهو أن هذه الآلات إن اصطحبها مجون وفجور،فهي من المحرمات،وإن لم تكن كذلك،فلا يمكن الحكم عليها بالحرمة ،والذي نوصي به في حالات الإباحة هو عدم كثرة السماع،بل يملأ المرء قلبه بسماع القرآن ،ولكن لا مانع من سماع الغناء البريء،ولو بآلات الموسيقى المصاحبة لذلك بعض الأحيان،مادامت قد خلت من الشطط الزائد عن الحد،ولا يكن هذا الأمر مثارًا لاختلاف المسلمين،فلو كان فيه رأي واحد يجمع الأمة،هو الصواب بعينه،لاجتمع عليه الأسبقون ،ولكن حكمة الله اقتضت الاختلاف ،لاختلاف الناس وطبائعهم .
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله 
سؤال يتردد علي ألسنة كثيرين في مجالات مختلفة وأحيانًا شتي.سؤال اختلف جمهور المسلمين اليوم في الإجابة عليه، واختلف سلوكهم تبعًا لاختلاف أجوبتهم، فمنهم من يفتح أذنيه لكل نوع من أنواع الغناء، ولكل لون من ألوان الموسيقي مدعيًا أن ذلك حلال طيب من طيبات الحياة التي أباح الله لعباده.
ومنهم من يغلق الراديو أو يغلق أذنيه عند سماع أية أغنية قائلا: إن الغناء مزمار الشيطان، ولهو الحديث ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة وبخاصة إذا كان المغني امرأة، فالمرأة -عندهم- صوتها عورة بغير الغناء، فكيف بالغناء؟ ويستدلون لذلك بآيات وأحاديث وأقوال.ومن هؤلاء من يرفض أي نوع من أنواع الموسيقي، حتي المصاحبة لمقدمات نشرات الأخبار.
ووقف فريق ثالث مترددًا بين الفريقين؛ ينحاز إلي هؤلاء تارة، وإلي أولئك طورًا، ينتظر القول الفصل والجواب الشافي من علماء الإسلام في هذا الموضوع الخطير، الذي يتعلق بعواطف الناس وحياتهم اليومية، وخصوصًا بعد أن دخلت الإذاعة –المسموعة والمرئية- علي الناس بيوتهم، بجدها وهزلها، وجذبت إليها أسماعهم بأغانيها وموسيقاها طوعًا وكرهًا.
والغناء بآلة -أي مع الموسيقي- وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولي، فاتفقوا في مواضع واختلفوا في أخري.
اتفقوا علي تحريم كل غناء يشتمل علي فحش أو فسق أو تحريض علي معصية، إذ الغناء ليس إلا كلامًا، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل علي حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير ؟ 
واتفقوا علي إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة، كالعرس وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها.وقد وردت في ذلك نصوص صريحة – سنذكرها فيما بعد.
واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينا: فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة، بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة، ومنهم من منعه منعًا باتًا بآلة وبغير آلة وعده حرامًا، بل ربما ارتقي به إلي درجة الكبيرة.
ولأهمية الموضوع نري لزامًا علينا أن نفصل فيه بعض التفصيل، ونلقي عليه أضواء كاشفة لجوانبه المختلفة، حتي يتبين المسلم الحلال فيه من الحرام، متبعًا للدليل الناصع، لا مقلدًا قول قائل، وبذلك يكون علي بينة من أمره، وبصيرة من دينه.
الأصل في الأشياء الإباحة: ـ 
قرر علماء الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالي: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا) (البقرة: 29)، ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالي، أو سنة رسوله –صلي الله عليه وسلم- أو إجماع ثابت متيقن، فإذا لم يرد نص ولا إجماع. أو ورد نص صريح غير صحيح، أو صحيح غير صريح، بتحريم شيء من الأشياء، لم يؤثر ذلك في حله، وبقي في دائرة العفو الواسعة، قال تعالي: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه). (الأنعام: 119).
وقال رسول الله –صلي الله عليه وسلم-: “ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسي شيئا”، وتلا: (وما كان ربك نسيا) (مريم: 64). رواه الحاكم عن أبي الدرداء وصححه، وأخرجه البزار.وقال: “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها” أخرجه الداراقطني عن أبي ثعلبة الخشني. وحسنه الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه، والنووي في الأربعين.وإذا كانت هذه هي القاعدة فما هي النصوص والأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء، وما موقف المجيزين منها.
أدلة المحرمين للغناء ومناقشتها 
استدل المحرمون بما روي عن ابن مسعود وابن عباس وبعض التابعين: أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالي: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين). (لقمان: 6) وفسروا لهو الحديث بالغناء.قال ابن حزم: ولا حجة في هذا لوجوه:أحدها: أنه لا حجة لأحد دون رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين.والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها؛ لأن الآية فيها: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، إذ اتخذ سبيل الله هزوًا.
ولو أن امرأ اشتري مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذه هزوا لكان كافرًا ! فهذا هو الذي ذم الله تعالي، وما ذم قط عز وجل من اشتري لهو الحديث ليتلهي به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالي. فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا وكذلك من اشتغل عامدًا عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن، أو بحديث يتحدث به، أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك، فهو فاسق عاص لله تعالي، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن. (المحلي لابن حزم (9/60) ط المنيرية). أ هـ.
واستدلوا بقوله تعالي في مدح المؤمنين: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) (القصص: 55). والغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه.ويجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو: سفه القول من السب والشتم ونحو ذلك، وبقية الآية تنطق بذلك. قال تعالي: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (القصص: 55)، فهي شبيهة بقوله تعالي في وصف عباد الرحمن: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا). (الفرقان: 63).ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه، وليس فيها ما يوجب ذلك.وكلمة اللغو ككلمة الباطل تعني ما لا فائدة فيه، وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرمًا ما لم يضيع حقًا أو يشغل عن واجب.
روي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له: أيؤتي به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات؛ لأنه شبيه باللغو، قال تعالي: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). (البقرة: 225، والمائدة: 89).قال الإمام الغزالي: (إذا كان ذكر اسم الله تعالي علي الشيء علي طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم، والمخالفة فيه، مع أنه لا فائدة فيه، لا يؤاخذ به، فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص ؟!). (إحياء علوم الدين. كتاب السماع ص 1147 ط دار الشعب بمصر).علي أننا نقول: ليس كل غناء لغوا؛ إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه، فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة، والمزح طاعة، والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء: “إن الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم”. (رواه مسلم من حديث أبي هريرة، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم).
وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في “المحلي” ردًا علي الذين يمنعون الغناء قال: (احتجوا فقالوا: من الحق الغناء أم من غير الحق ؟ ولا سبيل إلي قسم ثالث، وقد قال الله تعالي: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) (يونس: 32). فجوابنا وبالله التوفيق: أن رسول الله –صلي الله عليه وسلم- قال: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي” (متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب، وهو أول حديث في صحيح البخاري). فمن نوي باستماع الغناء عونًا علي معصية الله فهو فاسق وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوي به ترويح نفسه ليقوي بذلك علي طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك علي البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق. ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلي بستانه، وقعوده علي باب داره متفرجًا، وصبغه ثوبه لازورديًا أو أخضر أو غير ذلك ومد ساقه وقبضها، وسائر أفعاله). (المحلي. 9/60).
جـ- واستدلوا بحديث: “كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة: ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه” رواه أصحاب السنن الأربعة، وفيه اضطراب، والغناء خارج عن هذه الثلاثة.وأجاب المجوزون بضعف الحديث، ولو صح لما كان فيه حجة، فإن قوله: “فهو باطل” لا يدل علي التحريم بل يدل علي عدم الفائدة. فقد ورد عن أبي الدرداء قوله: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوي لها علي الحق. علي أن الحصر في الثلاثة غير مراد، فإن التلهي بالنظر إلي الحبشة وهم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة، وقد ثبت في الصحيح. ولا شك أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور، وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل، ولا يحرم عليه شيء منها، وإن جاز وصفه بأنه باطل.
واستدلوا بالحديث الذي رواه البخاري -معلقا- عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري -شك من الراوي- عن النبي -عليه السلام- قال: “ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر (الحر: أي الفرج والمعني يستحلون الزني). والحرير والخمر والمعازف”. والمعازف: الملاهي، أو آلات العزف.والحديث وإن كان في صحيح البخاري، إلا أنه من “المعلقات” لا من “المسندات المتصلة” ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده، ومع التعليق فقد قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور علي (هشام بن عمار) (انظرالميزان وتهذيب التهذيب). وقد ضعفه الكثيرون.ورغم ما في ثبوته من الكلام، ففي دلالته كلام آخر؛ إذ هو غير صريح في إفادة حرمة “المعازف” فكلمة “يستحلون” –كما ذكر ابن العربي- لها معنيانأحدهما: يعتقدون أن ذلك حلال، والثاني: أن يكون مجازًا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور، إذ لو كان المقصود بالاستحلال: المعني الحقيقي، لكان كفرًا.
ولو سلمنا بدلالتها علي الحرمة لكان المعقول أن يستفاد منها تحريم المجموع، لا كل فرد منها، فإن الحديث في الواقع ينعي علي أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور. فهم بين خمر ونساء، ولهو وغناء، وخز وحرير. ولذا روي ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بلفظ: “ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه.
هـ- واستدلوا بحديث: “إن الله تعالي حرم القينة (أي الجارية) وبيعها وثمنها وتعليمها“.والجواب عن ذلك:أولا: أن الحديث ضعيف.ثانيا: قال الغزالي: المراد بالقينة الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب، وغناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام، وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور. فأما غناء الجارية لمالكها، فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث. بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة، بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله تعالي عنها. (الإحياء ص 1148) وسيأتي.
ثالثا: كان هؤلاء القيان المغنيات يكون عنصرًا هامًا من نظام الرقيق، الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجيًا، فلم يكن يتفق وهذه الحكمة إقرار بقاء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي، فإذا جاء حديث بالنعي علي امتلاك “القينة” وبيعها، والمنع منه، فذلك لهدم ركن من بناء “نظام الرق” العتيد.واستدلوا بما روي نافع أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع ؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتي قلت: لا. فرفع يده وعدل راحلته إلي الطريق وقال: “رأيت رسول الله يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا” رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة.والحديث قال عنه أبو داود: حديث منكر.
ولو صح لكان حجة علي المحرمين لا لهم. فلو كان سماع المزمار حرامًا ما أباح النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر سماعه، ولو كان عند ابن عمر حرامًا ما أباح لنافع سماعه، ولأمر عليه السلام بمنع وتغيير هذا المنكر، فإقرار النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر دليل علي أنه حلال.وإنما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباح من أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئًا وأن يبيت عنده دينار أو درهم …. إلخ.
واستدلوا أيضًا لما روي: “إن الغناء ينبت النفاق في القلب” ولم يثبت هذا حديثًا عن النبي -صلي الله عليه وسلم-، وإنما ثبت قولاً لبعض الصحابة، فهو رأي لغير معصوم خالفه فيه غيره، فمن الناس من قال -وبخاصة الصوفية- إن الغناء يرقق القلب، ويبعث الحزن والندم علي المعصية، ويهيج الشوق إلي الله تعالي، ولهذا اتخذوه وسيلة لتجديد نفوسهم، وتنشيط عزائمهم، وإثارة أشواقهم، قالوا: وهذا أمر لا يعرف إلا بالذوق والتجربة والممارسة، ومن ذاق عرف، وليس الخبر كالعيان.
علي أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع، إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه علي غيره ويروج صوته عليه، ولا يزال ينافق ويتودد إلي الناس ليرغبوا في غنائه. ومع هذا قال الغزالي: وذلك لا يوجب تحريمًا، فإن لبس الثياب الجميلة، وركوب الخيل المهلجة، وسائر أنواع الزينة، والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك، ينبت النفاق في القلب، ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله، فليس السبب في ظهور النفاق في القلب المعاصي فقط، بل المباحات التي هي مواقع نظر الخلق أكثر تأثيرًا (الإحياء ص 1151) .
واستدلوا علي تحريم غناء المرأة خاصة، بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة. وليس هناك دليل ولا شبه دليل من دين الله علي أن صوت المرأة عورة، وقد كان النساء يسألن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في ملأ من أصحابه وكان الصحابة يذهبون إلي أمهات المؤمنين ويستفتونهن ويفتينهم ويحدثنهم، ولم يقل أحد: إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة يجب أن تستر.فإن قالوا: هذا في الحديث العادي لا في الغناء، قلنا: روي الصحيحان أن النبي سمع غناء الجاريتين ولم ينكر عليهما، وقال لأبي بكر: دعهما. وقد سمع ابن جعفر وغيره من الصحابة والتابعين الجواري يغنين.
والخلاصة: أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح. ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلي رسول الله يصلح دليلاً للتحريم، وكل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية.قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب “الأحكام”: لم يصح في التحريم شيء.وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة.وقال: ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد.وقال ابن حزم: كل ما رُوي فيها باطل وموضوع.
أدلة المجيزين للغناء:تلك هي أدلة المحرمين، وقد سقطت واحدًا بعد الآخر، ولم يقف دليل منها علي قدميه، وإذا انتفت أدلة التحريم بقي حكم الغناء علي أصل الإباحة بلا شك، ولو لم يكن معنا نص أو دليل واحد علي ذلك غير سقوط أدلة التحريم. فكيف ومعنا نصوص الإسلام الصحيحة الصريحة، وروحه السمحة، وقواعده العامة، ومبادئه الكلية ؟ 
وهاك بيانها:
أولا: من حيث النصوص:استدلوا بعدد من الأحاديث الصحيحة، منها: حديث غناء الجاريتين في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم- عند عائشة، وانتهار أبي بكر لهما، وقولهمزمور الشيطان في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم-، وهذا يدل علي أنهما لم تكونا صغيرتين كما زعم بعضهم، فلو صح ذلك لم تستحقا غضب أبي بكر إلي هذا الحد.
والمعول عليه هنا هو رد النبي -صلي الله عليه وسلم- علي أبي بكر -رضي الله عنه- وتعليله: أنه يريد أن يعلم اليهود أن في ديننا فسحة، وأنه بعث بحنيفية سمحة. وهو يدل علي وجوب رعاية تحسين صورة الإسلام لدي الآخرين، وإظهار جانب اليسر والسماحة فيه.وقد روي البخاري وأحمد عن عائشة أنها زفت امرأة إلي رجل من الأنصار فقال النبي -صلي الله عليه وسلم-: “يا عائشة، ما كان معهم من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو“.وروي ابن ماجة عن ابن عباس قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله فقال: “أهديتم الفتاة ؟” قالوا: نعم قال: “أرسلتم معها من يغني ؟” قالت: لا. فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: “إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم .. فحيانا وحياكم ؟!
وروي النسائي والحاكم وصححه عن عامر بن سعد قال: دخلت علي قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس، وإذا جوار يغنين. فقلت: أي صاحبي رسول الله أهل بدر يفعل هذا عندكم ؟! فقالا: اجلس إن شئت فاستمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس.وروي ابن حزم بسنده عن ابن سيرين: أن رجلاً قدم المدينة بجوار فأتي عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فغنت، وابن عمر يسمع، فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة، ثم جاء الرجل إلي ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، غبنت بسبعمائة درهم ! فأتي ابن عمر إلي عبد الله بن جعفر فقال له: إنه غبن بسبعمائة درهم، فإما أن تعطيها إياه، وإما أن ترد عليه بيعه، فقال: بل نعطيه إياها. قال ابن حزم: فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعي في بيع المغنية، وهذا إسناد صحيح لا تلك الأسانيد الملفقة الموضوعة.
واستدلوا بقوله تعالي: (وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائمًا قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين). (الجمعة: 11).فقرن اللهو بالتجارة، ولم يذمهما إلا من حيث شغل الصحابة بهما -بمناسبة قدوم القافلة وضرب الدفوف فرحًا بها- عن خطبة النبي -صلي الله عليه وسلم، وتركه قائمًا.واستدلوا بما جاء عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم باشروا السماع بالفعل أو أقروه. وهم القوم يقتدي بهم فيهتدي.واستدلوا لما نقله غير واحد من الإجماع علي إباحة السماع، كما سنذكره بعد.
وثانيا: من حيث روح الإسلام وقواعده:لا شيء في الغناء إلا أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس، وتستطيبها العقول، وتستحسنها الفطر، وتشتهيها الأسماع، فهو لذة الأذن، كما أن الطعام الهنيء لذة المعدة، والمنظر الجميل لذة العين، والرائحة الذكية لذة الشم … إلخ، فهل الطيبات أي المستلذات حرام في الإسلام أم حلال ؟ 
من المعروف أن الله تعالي كان قد حرم علي بني إسرائيل بعض طيبات الدنيا عقوبة لهم علي سوء ما صنعوا، كما قال تعالي: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا. وأخذهم الربا وقد نهو عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل) (النساء: 160، 161). فلما بعث الله محمدًا –صلي الله عليه وسلم- جعل عنوان رسالته في كتب الأولين (الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم). (الأعراف: 157).
فلم يبق في الإسلام شيء طيب أي تستطيبه الأنفس والعقول السليمة إلا أحله الله، رحمة بهذه الأمة لعموم رسالتها وخلودها. قال تعالي: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات). (المائدة: 4).ولم يبح الله لواحد من الناس أن يحرم علي نفسه أو علي غيره شيئًا من الطيبات مما رزق الله مهما يكن صلاح نيته أو ابتغاء وجه الله فيه، فإن التحليل والتحريم من حق الله وحده، وليس من شأن عباده، قال تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) (يونس: 59). وجعل سبحانه تحريم ما أحله من الطيبات كإحلال ما حرم من المنكرات، كلاهما يجلب سخط الله وعذابه، ويردي صاحبه في هاوية الخسران المبين، والضلال البعيد، قال جل شأنه ينعي علي من فعل ذلك من أهل الجاهلية: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء علي الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين). (الأنعام: 140).
ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية، حتي إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه إلي الإصغاء إليه ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم، بل نقول: إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة حتي قال الغزالي في الإحياء: (من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع وكثافته علي الجمال والطيور وجميع البهائم، إذ الجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرًا يستخف معه الأحمال الثقيلة، ويستقصر لقوة نشاطه في سماعه- المسافات الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه. فتري الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها، وتصغي إليه ناصبة آذانها، وتسرع في سيرها، حتي تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها) .
وإذا كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء الدين لمحاربة الغرائز والفطر والتنكيل بها ؟ كلا، إنما جاء لتهذيبها والسمو بها، وتوجيهها التوجيه القويم، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها.ومصداق ذلك أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: “ما هذان اليومان؟” قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية: فقال عليه السلام: “إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحي ويوم الفطر” رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وقالت عائشة: “لقد رأيت النبي يسترني بردائه، وأنا أنظر إلي الحبشة يلعبون في المسجد، حتي أكون أنا التي أسأمه -أي اللعب- فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة علي اللهو“.وإذا كان الغناء لهوا ولعبًا فليس اللهو واللعب حرامًا، فالإنسان لا صبر له علي الجد المطلق والصرامة الدائمة.
قال النبي -صلي الله عليه وسلم- لحنظلة -حين ظن نفسه قد نافق لمداعبته زوجه وولده وتغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: “يا حنظلة، ساعة وساعة” رواه مسلم.وقال علي بن أبي طالب: روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا أكرهت عميت.وقال كرم الله وجهه: إن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة.وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو ليكون أقوي لها علي الحق.
وقد أجاب الإمام الغزالي عمن قال: إن الغناء لهو ولعب بقوله: (هو كذلك، ولكن الدنيا كلها لهو ولعب … وجميع المداعبة مع النساء لهو، إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد، وكذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال، نقل ذلك عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وعن الصحابة.وأي لهو يزيد علي لهو الحبشة والزنوج في لعبهم، فقد ثبت بالنص إباحته. علي أني أقول: اللهو مروح للقلب، ومخفف عنه أعباء الفكر، والقلوب إذا أكرهت عميت، وترويحها إعانة لها علي الجد، فالمواظب علي التفكر مثلاً ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة؛ لأن عطلة يوم تساعد علي النشاط في سائر الأيام، والمواظب علي نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغي أن يتعطل في بعض الأوقات، ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات، فالعطلة معونة علي العمل، اللهو معين علي الجد ولا يصبر علي الجد المحض، والحق المر، إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام، فاللهو دواء القلب من داء الإعياء، فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو علي هذه النية يصير قربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يستحب له ذلك، ليتوصل به إلي المقصود الذي ذكرناه. نعم هذا يدل علي نقصان عن ذروة الكمال، فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلوب، ووجوه التلطف بها، وسياقتها إلي الحق، علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غني عنه) انتهي كلام الغزالي (الإحياء: كتاب السماع ص 1152، 1153)، وهو كلام نفيس يعبر عن روح الإسلام الحقة.القائلون بإجازة الغناء:تلك هي الأدلة المبيحة للغناء من نصوص الإسلام وقواعده، فيها الكفاية كل الكفاية ولو لم يقل بموجبها قائل، ولم يذهب إلي ذلك فقيه، فكيف وقد قال بموجبها الكثيرون من صحابة وتابعين وأتباع وفقهاء ؟ 
وحسبنا أن أهل المدينة -علي ورعهم- والظاهرية- علي حرفيتهم وتمسكهم بظواهر النصوص -والصوفية- علي تشددهم وأخذهم بالعزائم دون الرخص- روي عنهم إباحة الغناء.قال الإمام لشوكاني في “نيل الأوطار”: (ذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر، وجماعة الصوفية، إلي الترخيص في الغناء، ولو مع العود واليراع. وحكي الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع: أن عبد الله بن جعفر كان لا يري بالغناء بأسًا، ويصوغ الألحان لجواريه، ويسمعها منهن على أوتاره. وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.وحكي الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضًا عن القاضي شريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبي) .
وقال إمام الحرمين في النهاية، وابن أبي الدنيا: (نقل الأثبات من المؤرخين: أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات، وأن ابن عمر دخل إليه وإلي جنبه عود، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله ؟! فناوله إياه، فتأمله ابن عمر فقال: هذا ميزان شامي ؟ قال ابن الزبير: يوزن به العقول !) .وروي الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالة في السماع بسنده إلي ابن سيرين قال: (إن رجلاً قدم المدينة بجوار فنزل علي ابن عمر، وفيهن جارية تضرب. فجاء رجل فساومه، فلم يهو فيهن شيئًا. قال: انطلق إلي رجل هو أمثل لك بيعًا من هذا. قال: من هو ؟ قال: عبد الله بن جعفر .. فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن، فقال لها: خذي العود، فأخذته، فغنت، فبايعه ثم جاء ابن عمر … إلخالقصة) .
وروي صاحب “العقد” العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي: أن عبد الله بن عمر دخل علي ابن جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود، ثم قال لابن عمر: هل تري بذلك بأسًا ؟ قال: لا بأس بهذا، وحكي الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاصأنهما سمعًا العود عند ابن جعفر، وروي أبو الفرج الأصبهاني: أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء المزهر بشعر من شعره.وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك. والمزهر عند أهل اللغة: العود.وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة. ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاووس، ونقله ابن قتيبة وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين. ونقله أبو يعلي الخليلي في الإرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة.
وحكي الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس إباحة الغناء بالمعازف، وحكي الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود، وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورًا في بيت المنهال بن عمروا المحدث المشهور.وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود.قال ابن النحوي في العمدة: (وقال ابن طاهر: هو إجماع أهل المدينة. قال ابن طاهر: وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة. قال الأدفوي: لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلي إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم.
وحكي الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية، وحكاه أبو الفضل بن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي، وحكاه الإسنوي في “المهمات” عن الروياني والماوردي، ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر، وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي، وجزم بالإباحة الأدفوي.
هؤلاء جميعًا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة -أي آلات الموسيقي- وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الإمتاع: إن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الاتفاق علي حله، ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه، ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه، ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضًا إجماع أهل المدينة عليه، وقال الماوردي: لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيها بالعبادة والذكر. قال ابن النحوي في العمدة: وقد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمر -كما رواه ابن عبد البر وغيره- وعثمان- كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي -وعبد الرحمن بن عوف- كما رواه ابن أبي شيبة- وأبو عبيدة بن الجراح- كما أخرجه البيهقي– وسعد بن أبي وقاص- كما أخرجه بن قتيبة- وأبو مسعود الأنصاري- كما أخرجه البيهقي- وبلال وعبد الله بن الأرقم وأسامة بن زيد- كما أخرجه البيهقي أيضا- وحمزة كما في الصحيح- وابن عمر- كما أخرجه ابن طاهر- والبراء بن مالك- كما أخرجه أبو نعيم- وعبد الله بن جعفر- كما رواه ابن عبد البر– وعبد الله بن الزبير- كما نقل أبو طالب المكي- وحسان- كما رواه أبو الفرج الأصبهاني- وعبد الله بن عمرو- كما رواه الزبير بن بكار- وقرظة بن كعب– كما رواه ابن قتيبة- وخوات بن جبير ورباح المعترف- كما أخرجه صاحب الأغاني- والمغيرة بن شعبة- كما حكاه أبو طالب المكي- وعمرو بن العاص- كما حكاه الماوردي- وعائشة والربيع- كما في صحيح البخاري وغيره.
وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وابن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري.وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية) . انتهي كلام ابن النحوي. هذا كله ذكره الشوكاني في نيل الأوطار (جـ 8/264-266) .
قيود وشروط لابد من مراعاتها:ولا ننسي أن نضيف إلي هذه الفتوي قيودًا لابد من مراعاتها في سماع الغناء.فقد أشرنا في أول البحث إلي أنه ليس كل غناء مباحًا، فلابد أن يكون موضوعه متفقًا مع أدب الإسلام وتعاليمه.فالأغنية التي تقول: “الدنيا سيجارة وكاس” مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجسًا من عمل الشيطان ويلعن شارب “الكأس” عاصرها وبائعها وحاملها وكل من أعان فيها بعمل. والتدخين أيضًا آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم والنفس والمال.
والأغاني التي تمدح الظلمة والطغاة والفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا، مخالفة لتعاليم الإسلام، الذي يلعن الظالمين، وكل من يعينهم، بل من يسكت عليهم، فكيف بمن يمجدهم ؟!والأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة أو صاحب العيون جريئة أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم … وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) (النور: 30، 31). ويقول –صلي الله عليه وسلم– يا علي : “لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولي وليست لك الآخرة“.
ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها، فقد يكون الموضوع لا بأس به ولا غبار عليه، ولكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول، وتعمد الإثارة، والقصد إلي إيقاظ الغرائز الهاجعة، وإغراء القلوب المريضة- ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلي دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة من مثل ما يذاع علي الناس ويطلبه المستمعون والمستمعات من الأغاني التي تلح علي جانب واحد، هو جانب الغريزة الجنسية وما يتصل بها من الحب والغرام، وإشعالها بكل أساليب الإثارة والتهيج، وخصوصًا لدي الشباب والشابات.
إن القرآن يخاطب نساء النبي فيقول: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) . فكيف إذا كان مع الخضوع في القول الوزن والنغم والتطريب والتأثير ؟!ومن ناحية ثالثة يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم، كشرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء، بلا قيود ولا حدود، وهذا هو المألوف في مجالس الغناء والطرب من قديم. وهي الصورة المائلة في الأذهان عند ما يذكر الغناء، وبخاصة غناء الجواري والنساء.
وهذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن ماجة وغيره: “ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير“.وأود أن أنبه هنا علي قضية مهمة، وهي أن الاستماع إلي الغناء في الأزمنة الماضية كان يقتضي حضور مجلس الغناء، ومخالطة المغنين والمغنيات وحواشيهم، وقلما كانت تسلم هذه المجالس من أشياء ينكرها الشرع، ويكرهها الدين.أما اليوم فيستطيع المرء أن يستمع إلي الأغاني وهو بعيد عن أهلها ومجالسها، وهذا لا ريب عنصر مخفف في القضية، ويميل بها إلي جانب الإذن والتيسير.
هذا إلي أن الإنسان ليس عاطفة فحسب، والعاطفة ليست حبًا فقط، والحب لا يختص بالمرأة وحدها، والمرأة ليست جسدًا وشهوة لا غير، لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية وأن يكون لدينا من أغانينا وبرامجنا وحياتنا كلها توزيع عادل، وموازنة مقسطة بين الدين والدنيا وفي الدنيا بين حق الفرد وحقوق المجتمع، وفي الفرد بين عقله وعاطفته، وفي مجال العاطفة بين عواطف الإنسانية كلها من حب وكره وغيره وحماسة وأبوة وأمومة وبنوة وأخوة وصداقة … إلخ فلكل عاطفة حقها.
أما الغلو والإسراف والمبالغة في إبراز عاطفة خاصة فذلك علي حساب العواطف الأخري، وعلي حساب عقل الفرد وروحه وإرادته، وعلي حساب المجتمع وخصائصه ومقوماته، وعلي حساب الدين ومثله وتوجيهاته.
إن الدين حرم الغلو والإسراف في كل شيء حتي في العبادة فما بالك بالإسراف في اللهو وشغل الوقت به ولو كان مباحًا ؟!إن هذا دليل علي فراغ العقل والقلب من الواجبات الكبيرة، والأهداف العظيمة، ودليل علي إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحمود وعمره القصير، وما أصدق وأعمق ما قال ابن المقفع: (ما رأيت إسرافًا إلا وبجانبه حق مضيع) وفي الحديث: “لا يكون العاقل ظاعنًا إلا لثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم”، فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط ولنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه ؟ 
وبعد هذا الإيضاح تبقي هناك أشياء يكون كل مستمع فيها فقيه نفسه ومفتيها، فإذا كان الغناء أو نوع خاص منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة، ويسبح به في شطحات الخيال، ويطغي فيه الجانب الحيواني علي الجانب الروحاني، فعليه أن يتجنبه حينئذ، ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة علي قلبه ودينه وخلقه فيستريح ويريح.
تحذير من التساهل في إطلاق التحريم:ونختم بحثنا هذا بكلمة أخيرة نوجهها إلي السادة العلماء الذين يستخفون بكلمة “حرام” ويطلقون لها العنان في فتواهم إذا أفتوا، وفي بحوثهم إذا كتبوا، عليهم أن يراقبوا الله في قولهم ويعلموا أن هذه الكلمة “حرام” كلمة خطيرة: إنها تعني عقوبة الله علي الفعل وهذا أمر لا يعرف بالتخمين ولا بموافقة المزاج، ولا بالأحاديث الضعيفة، ولا بمجرد النص عليه في كتاب قديم، إنما يعرف من نص ثابت صريح، أو إجماع معتبر صحيح، وإلا فدائرة العفو والإباحة واسعة، ولهم في السلف الصالح أسوة حسنة.
قال الإمام مالك رضي الله عنه: ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا، وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام في الفتيا، ولو وقفوا علي ما يصيرون إليه غدًا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب وعليًا وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل -وهم خير القرون الذين بعث فيهم النبي -صلي الله عليه وسلم- فكانوا يجمعون أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- ويسألون، ثم حينئذ يفتون فيها، وأهل زماننا قد هذا صار فخرهم، فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم قال: ولم يكن من أمر الناس ولا من مضي من سلفنا الذين يقتدي بهم، ومعول الإسلام عليهم، أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول: أنا أكره كذا وأري كذا، وأما “حلال” و “حرام” فهذا الافتراء علي الله. أما سمعت قول الله تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) يونس: 59؛ لأن الحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرماه.ونقل الإمام الشافعي في “الأم” عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال:
(
أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير.
وحدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم -وكان أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه، ويقول: إن الله حرم هذا فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه ! وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه، قالوا: هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا) .هذا ما ذكره القاضي أبو يوسف، ونقله الشافعي، ولم ينكر عليه هذا النقل ولا مضمونه بل أقره، وما كان ليقر مثله إلا إذا اعتقد صحته.وقال الله تعالي: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون). (النحل: 116).والله أعلم
سم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
يقول الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر (رحمه الله ):
هذا الموضوع قد اختلف فيه الفقهاء قديمًا وحديثًا، فمنهم من قال بأن استماع الموسيقى والأغاني حرام، ومنهم من قال إنه حلال إذا لم يقع معه إثم أو منكر أو فتنة، وقد يكون من الخير أن أذكر مثَلاً لقول القائلين بالتحريم، ومثلاً لقول القائلين بالحِلِّ، ثم نتعرف الطريق المعتدل في الأمر. جاء في كتاب “الاختيار شرح المختار” لابن مودود الحنفي ما نصه: ” واستماع الملاهي حرام، كالضرب بالقضيب والمزمار وغير ذلك “. قال عليه السلام: ” استماع صوت الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذُّذ بها من الكفر”. الحديث خرج مخرج التشديد وتغليظ الذنب، فإن سمعه بغتة يكون معذورًا، ويجب أن يجتهد ألا يسمعه، لمَا رُوي أنه عليه السلام أدخل إصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع صوت الشبَّابة: وهي نوع من المزمار). وعن الحسن بن زياد: لا بأس بالدُّفِّ في العُرس ليشتهر ويُعلن النكاح. وسئل أبو يوسفأيُكْرَهُ الدفُّ في غير العُرس(تضربه المرأة للصبي في غير فسق ؟ قال: لافأما الذي يجيء منه الفاحش للغناء فإني أكرهه.وقال أبو يوسف في دارٍ تُسمع منها صوتُ المزامير والمعازف: ” ادخلْ عليهم بغير إذنهم؛ لأن النهي عن المنكر فرض، ولو لم يُجَز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة هذا الفرض” اهـ.وجاء في كتاب “الفتاوى” للشيخ شلتوت الحنفي ما نصه: “الفقهاء اتفقوا على إباحة السماع في إثارة الشوق إلى الحج، وفي تحريض الغُزاة على القتال، وفي مناسبات السرور المألوفة كالعيد والعرس، وقدوم الغائب وما إليها.
ورأيناهم فيما وراء ذلك على رأيين: يقرر أحدهما الحرمة، ويستند إلى أحاديثَ وآثارٍ، ويقرر الآخر الحِلَّ، ويستند إلى أحاديث وآثار، وكان من قول القائلين بالحل: “إنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في معقولهما من القياس والاستدلال، ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات”. وقد تعقَّبوا جميع أدلة القائلين بالحرمة وقالوا: ” إنه لم يصح منها شيء…” اهـ.و قد قرأت في هذا الموضوع لأحد فقهاء القرن الحادي عشر المعروفين بالورع والتقوى رسالةً عنوانها: “إيضاح الدلالات في سماع الآلات” للشيح عبد الغني النابلسي الحنفي، قرر فيها أن الأحاديث التي استدل بها القائلون بالتحريم على فرض صحتها مقيّدة بذكر الملاهي، وبذكر الخمر والقيْنات، والفسوق والفجور، ولا يكاد حديثٌ يخلو من ذلك، وعليه كان الحكم عنده في سماع الأصوات والآلات المطربة أنه إذا اقترن بشيء من المحرَّمات، أو اتُّخذ وسيلةً للمحرمات، أو أوقع في المحرمات كان حرامًا، وأنه إذا سلم من ذلك كان مباحًا في حضوره وسماعه وتعلُّمه وقد نُقل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعن كثير من الصحابة والتابعين والأئمة الفقهاء أنهم كانوا يسمعون ويحضرون مجالس السماع البريئة من المجون والمحرم، وذهب إلى مثل هذا كثير من الفقهاء.وإذن فسماع الآلات ذات النغمات أو الأصوات الجميلة لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة، أو صوت إنسان، أو صوت حيوان، وإنما يحرم إذا استُعين به على محرم، أو اُتخذ وسيلةً إلى محرم، أو ألهى عن واجب.وهكذا ينبغي أن يعلم الناس حكمَ الله في هذه الشؤون. ونرجو بعد ذلك ألا نسمع القول يلقى جُزافًا في التحليل والتحريم، فإن تحريم ما لم يحرمه الله، أو تحليل ما حرمه الله، كلاهما افتراء وقول على الله بغير علم: (قُلْ إنَّما حَرَّمَ ربِّيَ الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ والإثْمَ والبَغْيَ بِغَيْرِ الحقِّ وأنْ تُشْرِكُوا باللهِ ما لمْ يُنَزِّلْ بهِ سُلطانًا وأنْ تَقولُوا على اللهِ ما لا تَعلمونَ)0 (الأعراف: 33 ).ومن هذا البيان يمكن أن نفهم القولَ الوسط العادل في هذا الموضوع، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.والله أعلم
دار الإفتاء المصرية
وإليك تفصيل ذلك في فتوى دار الإفتاء المصرية :
الموسيقى: علم يُعرَفُ منه أحوال النغم والإيقاعات، وكيفية تأليف اللحون، وإيجاد الآلات، وتطلق كذلك على الصوت الخارج من آلات العزف. الموسوعة الفقهية الكويتية (38/168) حرف الميم (معازف)
ومسألة سماع الموسيقى مسألة خلافية فقهية، ليست من أصول العقيدة، وليست من المعلوم من الدين بالضرورة، ولا ينبغي للمسلمين أن يفسق بعضهم بعضًا ولا أن ينكر بعضهم على بعض بسبب تلك المسائل الخلافية؛ فإنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيـه، وطالما أن هناك مـن الفقهـاء من أباح الموسيقى –وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم– فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية، خاصة وأنه لم يرد نص في الشرع صحيح صريح في تحريم الموسيقى، وإلا ما ساغ الخلاف بشأنها.
وعمدة القائلين بالتحريم–وهم الجمهور– ظواهر بعض الآيات القرآنية الكريمـة التي حملها جماعـة من المفسرين على الغناء والمزامير، كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} (لقمان:60)، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون:3)، وقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} (الإسراء:64)، ومن السنة حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» رواه البخاري في الصحيح معلقًا.. إلى غير ذلك من الأحاديث في هذا المعنى.
وذهب كثير من المحققين من أهل العلم –من الصحابة فمن بعدهم– إلى أن الضرب بالمعازف والآلات ما هو إلا صوتٌ: حَسَنُه حَسَنٌ وقبيحُه قبيحٌ، وأن الآيات القرآنية ليس فيها نهي صريح عن المعازف والآلات المشهورة، وأن النهي في حديث البخاري إنما هو عن المجموع لا عن الجميع؛ أي أن تجتمع هذه المفردات في صورة واحدة، والحر هو الزنا، والحرير محرم على الرجال؛ فالمقصود النهي عن الترف وليس المقصود خصوص المعازف، وقد تقرر في الأصول أن الاقتران ليس بحجة؛ فعطف المعازف على الزنا ليس بحجة في تحريم المعازف، وأن الأحـاديث الأخرى منها ما لا يصح ومنها ما هو محمول على ما كان من المعازف ملهيًا عن ذكر الله أو كان سببًا للفواحش والمحرمات؛ فالصحيح منها ليس صريحًا، والصريح منها ليس صحيحًا. وهذا مذهب أهل المدينة، وهو مروي عن جماعة من الصحابة كعبد الله بن عمر وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير وحسان بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، ومن التابعين القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف –وكان لا يحدِّث حديثًا حتى يضرب بالعود– وغيرهم.
قال إمام الحرمين في “النهاية”: “نقل الأثبات من المؤرخين أن عبد الله ابن الزبير رضي الله عنهما كان له جوارٍ عوَّاداتٌ –أي يضربن بالعود– وأن ابن عمر رضي الله عنهما دخل عليه وإلى جنبه عود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فناوله إياه، فتأمله ابن عمر فقال: هذا ميزان شامي، قال ابن الزبير: يوزن به العقول” أ.هـ
وعلى هذا المذهب ابن حزم وأهل الظاهر وبعض الشافعية ومنهم الأستاذ أبو إسحاق الشيرازي والماوردي والروياني وأبو منصور البغدادي والرافعي وحجة الإسلام الغزالي وأبو الفضل ابن طاهر القيسراني والإمام عز الدين بن عبد السلام وشيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد وعبد الغني النابلسي الحنفي وغيرهم.
وقد صنف في إباحة الآلات والمعازف جماعة من أهل العلم: كابن حزم الظاهري في رسالته في السماع، وابن القيسراني في كتاب “السماع”، والأدفوي في “الإمتاع بأحكام السماع”، وأبي المواهب الشاذلي المالكي في “فرح الأسماع برخص السماع “، وغيرهم كثير.
وممن صرح بإباحة الآلات والمعازف حجة الإسلام الغزالي رحمه الله حيث قال: “اللهو معين على الجِد، ولا يصبر على الجِد المحض والحق المر إلا نفوسُ الأنبياء عليهم السلام؛ فاللهو دواء القلب من داء الإعياء والملال؛ فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو على هذه النية يصير قُربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يستحب له ذلك؛ ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه. نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال؛ فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلـوب ووجوه التلطف بها لسياقتها إلى الحق علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هـذه الأمور دواء نافـع لا غنى عنه”. إحياء علوم الدين للإمام الغزالي (2/226) المطبعة الأزهرية.
وكذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام نُقل عنه أن الغناء بالآلات وبدونها قد يكون سبيلاً لصلاح القلوب فقال: “الطريق في صلاح القلوب يكون بأسباب من خارج؛ فيكون بالقرآن، وهؤلاء أفضل أهـل السماع، ويكون بالوعظ والتذكير، ويكون بالحداء والنشيد، ويكون بالغناء بالآلات المختلف في سماعها، كالشبابات، فإن كان السامع لهذه الآلات مستحلاًّ سماع ذلك فهو محسن بسماع ما يحصل له من الأحوال، وتارك للورع لسماعه ما اختلف في جواز سماعه”. التاج والإكليل للعبدري المالكي (2/62) دار الفكر.
وقال الشيخ ابن القماح: “سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن الآلات كلها، فقال: مباح، فقال الشيخ شرف الدين التلمساني: يريد أنه لم يرد دليل صحيح من السنة على تحريمه –يخاطـب بذلك أهـل مصر- فسمعه الشيخ عز الدين فقال: لا، أردت أن ذلك مباح”. فرح الأسماع برخص السماع، لأبي المواهب الشاذلي.
ونقل القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” قول القشيري: ضُرِبَ بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم دخل المدينـة، فهم أبو بكر بالزجـر، فقـال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دعهن يا أبا بكر؛ حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح»، فكن يضربن ويقلن: نحن بنات النجار، حبذا محمد من جار. ثم قال القرطبي: “وقد قيل إن الطبل في النكاح كالدف، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث”. تفسير القرطبي (14/54).
ونقل الشوكاني في “نيل الأوطار”في باب ما جاء في آلة اللهو أقوال المحرمين والمبيحين وأشار إلى أدلة كل من الفريقين، ثم عقب على حديث: «كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلاَّ رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ» بقول الغزالي: قلنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم «بَاطِلٌ» لا يـدل على التحريم؛ بل يدل على عدم الفائدة، ثم قال الشوكاني: “وهو جواب صحيح؛ لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح”، وساق أدلة أخرى في هذا الصدد من بينها حديث من نذرت أن تضرب بالدف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن رده الله سالمًا من إحدى الغزوات، وقد أذن لها صلى الله عليه وآله وسلم بالوفاء بالنذر والضرب بالدف. رواه الترمذي وصححه من حديث بريدة رضي الله عنه، فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل ذلك الموطن، وأشار الشوكاني إلى رسالة له عنوانها “إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع”. نيل الأوطار (8/118).
وقال ابن حزم: “إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فمن نوى استماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنـزها وقعوده على باب داره متفرجا”. المحلى لابن حزم (7/567).
ونخلص في كل ما سبق إلى أن الغناء بآلة –أي مع الموسيقى– وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولى؛ فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى.
اتفقواعلى تحريم كل غناء يشتمل على فحش، أو فسق، أو تحريض على معصية؛ إذ الغناء ليس إلا كلامًا: فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل على حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير؟
واتفقواعلى إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السـرور المشروعة؛ كالعُرس، وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها، واختلفوا في الغناء المصحوب بالآلات.
والذي نرجحه ونميل إلى القول به هو جواز استعمال المعازف وسماعها بشرط اختيار الحسن وعدم الاشتغال بما يلهي عن ذكر الله تعالى أو يجر إلى الفساد أو يتنافى مع الشرع الشريف؛ إذ ليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات، بل الفطرة النقية تستملح الأصوات الجميلة وتستعذبها، حتى قيل إن قرار ذلك في الفِطر مَرَدُّه إلى خطاب الله سبحانه لبني آدم في عالم الذَّرّ عندما أخذ العهد عليهم بقوله “ألَسْتُ بربِّكم”، وهذا هو ما نراه أوفق لعصرنا.
وينبغي في هذا المقام التنبيه على عدة نقاط:
1-جواز التخير من مذاهب المجتهدين والأئمة المتبوعين : فإن مسائل الشرع الشريف على قسمين :
·قسم انعقد الإجماع عليه وأصبح معلومًا من الدين بالضرورة –سواء أكان مستنده قطعي الدلالة في الأصل أم صار كذلك بإجماع الأمة على حكمه– وهذا القسم لا تجوز مخالفته؛ لأنه يشكل هوية الإسلام، والقدح فيه قدح في الثوابت الدينية المستقرة.
·والقسم الثاني: هو تلك المسائل التي اختلف أهل العلم في حكمها ولم ينعقد عليها الإجماع؛ فالأمر فيها واسع، واختلافهم فيها رحمة، ويجوز للمسلم أن يأخذ بأي الأقوال فيها.
2-الإنكار يكون في المجمع عليه:
فقد ذكر العلامة السيوطي في “الأشباه والنظائر” أنه: “لا يُنكَر المختلف فيه، وإنما يُنكَر المجمع عليه”، وهذا يعني أن المسألة إذا اختلف فيها أهل المذاهب الفقهية فلا يصح لأهل مذهب أن ينكروا على أهل مذهب آخر؛ لأن المسألة مختلف فيها.
3-التفريق بين حد الفقه والحكم وبين حد الورع:
فقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن حد الورع أوسع من حد الحكم الفقهي؛ وذلك لأن المسلم قد يترك كثيرًا من المباح تورعًا، ولكن هذا لا يعني أن يُلزِم غيرَه بذلك على سبيل الوجوب الشرعي فيدخل في باب تحريم الحلال، ولا أن يعامل الظني المختلف فيه معاملة القطعي المجمع عليه فيدخل في الابتداع بتضييق ما وسَّعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل عليه أن يلتزم بأدب الخلاف كما هو منهج السلف الصالح في المسائل الخلافية الاجتهادية.
4-سلطة ولي الأمر في أن يأخذ في المسائل الخلافية بما يراه محققا للمصلحة:
فمن المعلوم أن كل راع مسئول عن رعيته، وأن المسئولية والسلطة وجهان لعملة واحدة، وقد أناط الشرع الشريف هذه الرعاية بالمصلحة؛ فلولي الأمر المسلم أن يتخير في الأمور الاجتهادية ما يراه محققا للمصلحة، وأن يلزم من هم في رعايته بذلك.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما فعله المعهد ويفعله من مصاحبة الأورج للأناشيد وصعود التلاميذ للفصول على الموسيقى هو أمر جائز شرعًا لا حرمة فيه، وليس للمسلم أن يتهم إخوانه بالخروج عن الشرع الشريف في أمر وَسِع سلفَنا الصالح الخلافُ فيه، بل عليه أن يلتزم بأدب الخلاف وأن لا ينكر مذهبًا أخذ به طائفة كبيرة من أهل العلم ممن لا يبلغ المنكِر معشار درجتهم وليس هو أتقى لله تعالى منهم ولا أكثر منهم ورعًا واتباعًا للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
والله أعلم.
فيقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
فقد فصلنا القول في سماع آلات الملاهي تفصيلاً فذكرنا أحاديث الحظر التي يستدل بها المحرمون مع تخريجها ، وأدلة الإباحة مع تخريجها ، وخلاف العلماء في الغناء والمعازف(آلات الطرب) وأدلتهم. ثمبحثنا في السماع من جهة القياس الفقهي ومن جهات أخرى ، وكان حاصل الجواب:
( 1 ) إنه لم يرد نص في الكتاب ولا في السنة في تحريم سماع الغناء وآلات اللهو يحتج به .
( 2 ) ورد في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه سمعوا أصوات الجواري والدفوف بلا نكير .
( 3 ) الأصل في الأشياء الإباحة .
( 4 ) ورد نص القرآن بإحلال الطيبات والزينة وتحريم الخبائث .
( 5 ) لم يرد نص عن الأئمة الأربعة في تحريم سماع الآلات .
( 6 ) كل ضار في الدين والعقل أو النفس أو المال أو العرض ، فهو من المحرم ولا محرم غير ضار .
( 7 ) من يعلم أو يظن أن السماع يغريه بمحرم حرم عليه .
( 8 ) إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه .
( 9 ) إن تتبع الرخص والإسراف فيها مذموم شرعًا وعقلاً .
( 10 ) إذا وصل الإسراف في اللهو المباح إلى حد التشبه بالفساق ، كان مكروهًا أو محرمًا .
والله أعلم .
وهذا ذكر المؤلفات التي تناولت موضوع الغناء -بآلة وغيرها- بشكل منفرد او وسط مباحث أخرى وسنرى أن معظمها مع المبيحين بشروط:
ذكر العلامة الكتاني في كتابه القيم (التراتيب الإدارية) طائفة لا بأس بها ممن ألفوا في الغناء قال:الإمام ابن قتيبة (ت:276 هـ) حيث ألف كتاب ” الرخصة في السماع ” .الإمام أبو منصور التميمي البغدادي (ت:429 هـ) واسمه عبد القاهر .الإمام أبو محمد بن حزم الأندلسي (ت: 456 هـ) .الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن حبيب العامري البغدادي.وفي الميزان الكبرى للشعراني بعد كلام: صنف الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي (ت:507 هـ) كتابا نقض فيه أقوال من قال بتحريم السماع وجرح النقلة للحديث الذي أوهم التحريم وذكر من جرحهم من الحفاظ واستدل على إباحة السماع واليراع والدف والأوتار بالأحاديث الصحيحة وجعل الدف سنة. ومؤلفه وصف بأنه واسع البحث وقد تداوله أجلاء .قال الشيخ ابن غفار القوصي: وقد قرأت ذلك على الحافظ شرف الدين الدمياطي وأجازني به الحافظ أبي طاهر السلفي الأصبهاني بسماعه من المصنف.وقال: لا فرق بين سماع الأوتار وسماع صوت الهزار والبلبل وكل طير حسن الصوت فكما أن صوت الطير مباح سماعه فكذلك الأوتار. أ.هـ
وكتاب المقدسي المذكور تأليف عجيب نادر الوجود واسع البحث وقفت على نسخة منه بزاوية الهامل ببوسعادة من القطر الجزائري.يقول الشيخ القرضاوي في إشارة لهذا الكتاب الأخير:قد نشر في مصر من سنين بتحقيق أبي الوفا المراغي نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وقد يحتاج إلى إعادة نشره وتحقيقه فليستفد من هذه النسخة الجزائرية لعلها باقية ولم تضع.
الإمام محمد بن عمر بن محمد البستي المعروف بالدرَّاح ومؤلفه سماه : ” الكفاية والغناء في أحكام الغناء ” .الإمام المؤرخ المطلع أبو الفضل كمال الدين جعفر الأدفوى الشافعي (ت:748 هـ) ، ومؤلفه سماه : ” الإمتاع بأحكام السماع ” وهو نفيس .وقد قال الإمام الأسنوي في طبقات الشافعية عن كتاب الأدفوي: كتاب نفيس أنبأ فيه إطلاع كثير. أ.هـ
وقال عنه الحافظ الشوكاني: لم يؤلف مثله في بابه.ويقول الكتاني: لم أر له نظيرا فيما ألف في المسألة ولا أعلى نقلا وأجود بحثا. أ.هـ
يقول الشيخ القرضاوي:ومن العجيب أن هذا الكتاب المهم الذي نقل عنه الناف=قلون ونوه به الكثيرون لم يطبع إلى الآن على أهميته ولعل بعض شبابنا النابهين يقومون بتحقيقه وإعداده للنشر وهو يستحق أن يكون محل أطروحة أكاديمية.وقد لخصه الحافظ الذهبي في رسالة مختصره نشرت أخيرا بعنوان (الرخصة في الغناء والطرب) بتعليق وتخريج د.كمال الجمل دار الكلة بالمنصورة بمصر.ومخطوطة الإمتاع توجد في مكتبة الإسكوربال وتوجد مصورة منها في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة رقم (3704) فيلم ولعله يوجد في المغرب فقد نوه به الكتاني ولعله رآه في بلده.ولا أدري لماذا لم توجد نسخة منه في مصر ومؤلفه عالم فقيه مصري صعيدي من أدفو؟!!
الإمام أبو القاسم القشيري (ت: 465 هـ).الإمام تاج الدين الفزارى .الإمام العز بن عبدالسلام سلطان العلماء .الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد (ت:703 هـ) له تأليف في الجواز مسميا كتاب الأخير ب (اقتناص السوانح).الإمام أبو المواهب التونسي (محمد الشاذلي) ، وقد سمي مؤلفه ” فرح الإسماع برخص السماع ” . وهو الذي رد عليه ابن حجر الهيتمي بكتابه “كف الرعاع“.الإمام أبو الفتوح أحمد الغزالي ، وقد سمي مؤلفه ” بوارق الإجماع في تكفير من يحرم مطلق السماع ” .الحافظ محمد بن على الشوكاني (ت:1250 هـ) ، ومؤلفه هو ” بطلان الإجماع على تحريم مطلق السماع ”القاضي أبو عيسى عبد الرحيم الكجراتي أحد شارحي خطبة القاموس.الأستاذ عبدالغني النابلسي ، وقد سمى مؤلفه : ” إيضاح الدلالات في سماع الآلات ” .الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس اليمني ، وقد سمى مؤلفه : ” تشنيف الأسماع ببعض أسرار السماع ” .الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي ، وقد سمي مؤلفه : ” نزهة الإسماع في مسألة السماع ” .الأستاذ جعفر بن إدريس الكتاني ، ومؤلفه في مجلد ،واسمه (مواهب الأرب المبرأة من الجرب في السماع وآلات الطرب)وله مختصر لأبي العباس أحمد بن الخياط الزكاري الفاس.انتهى ما ذكره العلامة الكتاني بتصرف.ونزيد على هؤلاء الذين ذكرهم صاحب (التراتيب الإدارية) أخرين منهم:الحافظ الذهبي في رسالة (رسالة الرخصة في الغناء والطرب بشرطه) وقد طبع أخيرا محققا وقد أشرنا إليه سابقا.العلامة ابن حجر الهيتمي في مؤلفه (كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع).ومنهم شيخ الأزهر في عصره: الشيخ حسن العطار.
وقد نقل الباحث السعودي أ.د./ سالم بن علي الثقفي في كتابه (أحكام الغناء والمعازف) عدة مؤلفات أخرى نذكرها فيما يلي:أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان لعبد الله بن يوسف الجديع.أحكام الملاهي لأبي الحسين بن المنادي.الاعتناء بالغناء وفي أحكام السماع لعلي القاري (مخطوط).تحريم النرد والشطرنج والملاهي لمحمد بن حسين الآجري.تنزيه الشريعة عن إباحة الأغاني الخليعة لأحمد بن يحيى النجمي.جزء جمع فيه الأحاديث والآثار المروية في ذم الغناء لإسماعيل بن عمر بن كثير.حرمة الغناء والسماع لعصمة الله السهانفوري (مخطوط).حكم الإسلام في الغناء لابن القيم.ذم الملاهي لأبي بكر عبد الله بن محمد بن سفيان بن أبي الدنيا.رسالة في الغناء الملهي أمباح أم محظور؟ لابن حزم.رسالة في ذم الشبابه والرقص والسماع لأبي عبد الله بن قدامة المقدسي.رسالة في تحقيق مسألة السماع لمحمد بن إبراهيم بن جماعة (مخطوط).رسالة في حكم السماع لعلي النووي.رسالة في مسألة السماع لأحمد بن إبراهيم الواسطي (ت:964 هـ).الرهص والوقص لمستحل الرقص لإبراهيم بن محمد الحلبي المتوفي سنة 926 هـ.الشهب المرمية لمحق المعازف والمزامير وسائر الملاهي بالأدلة النقلية والعقلية.فتاوى في الغناء لأبي العباس أحمد بن الحسن بن عبد ربه بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن قاضي الجبل.فصل الخطاب في الرد على أبي تراب لمحمود بن عبد الله التويجري.القيان والغناء في العصر الجاهلي للدكتور ناصر الدين الأسد.الكاشف لحديث تحريم المعازف لعلي حسن عبد الحميد الحلبي.كتاب الغناء وتحريمه لأحمد بن عبد الله الطبري المتوفي 294 هـ.كتاب اللهو والملاهي لابن خرداذبة المتوفى 300 هـ.كتاب اللهو واللعب والملاهي ونزهة الفكر الساهي لأحمد بن محمد الشرخي المتوفي 286 هـ.كتاب تجويز السماع لأبي محمد عطية بن سعيد الأندلسي المتوفى 407 هـ أشار إليه الحافظ في “تذكرة الحفاظ” (3/1088).كتاب تحريم السماع لأبي بكر الطرطوشي.اليراع في تحريم السماع لأبي القاسم الدولقي.
يقول الدكتور القرضاوي: وأضيف إلى ذلك:الغناء والموسيقى فقه مقارن للدكتور عبد الفتاح إدريس.تحريم آلات اللهو والطرب للشيخ الألباني.أحكام الغناء والمعازف وأنواع الترويح الهادف للدكتور سالم بن علي الثقفي.
وهناك كتب أخرى قديمة وحديثة تحدثت عن الغناء ضمن أمور أخرى مثل:كتاب السماع من ربع العادات من كتاب (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي وشرحه للزبيدي (إتحاف السادة المتقين).كتاب (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) لابن القيم وفيه كلام طويل عن الغناء.الإسلام والفنون الجميلة للدكتور محمد عمارة وفيه فصل خاص عن الغناء.هذا بالإضافة إلى ما كتب الفقهاء القدماء والمحدثون في كتبهم الفقهية وفي كتب الفتاوى والنوازل عن الغناء أو السماع بمناسبات شتى.ومن ذلك فتاوى المحدثين مثل فتاوى رشيد رضا وشلتوت وحسنين مخلوف وغيرهم.
قلت (الأزهري الأصلي): ويضاف إلى ذلك كلام الشيخ القرضاوي في (فتاوى معاصرة) الجزء الثاني وفي فصل كامل في كتابه (ملامح المجتمع الإسلاميورسالته المستقلة (الإسلام والفن) وأخيرا كتابه الماتع (فقه الغناء والموسيقى).وغيرهم كثير من أهل العلم والورع والفضل ممن شهدت لهم الأمة بوفور الصلاح وعلو الهمة ، ورصانة العلم حتى قال سلطان العلماء العز بن عبدالسلام : من كان عنده هوى من مباح كعشق زوجته وأمته فسماعه لا بأس به ، ومن قال : لا أجد في نفسي شيئاً فالسماع في حقه ليس بمحرم .وقد قال ” السهروردي ” : ” المنكر للسماع إما جاهل بالسنن والآثار وإما مغتر بما حرمه من أحوال الأخيار ، وإما جامد الطبع لا ذوق له فيصر على الإنكار “.
هذا بحث علمي يتعلق بالغناء و الموسيقى فيه روابط تفصيلية:
مأخوذ من هذا الرابط:
بسم الله والصلاة والسلام على سيد خلق الله وبعد:فهذا مختصر وفهرس لموضوع الغناء الذي وضعنا تفاصيل موضوعه في الركن تسهيلا على من يريد:
أولا: مذهب المانعين:
1- الأدلة من القرآن ومدى دلالتها على التحريم:
الدليل الأول:قال تعالى: “ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولائك لهم عذاب مهين“.الدليل الثاني:قوله تعالى: “وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه” في معرض مدح المؤمنين
الدليل الثالث:قوله تعالى: “والذين لا يشهدون الزور“.الدليل الرابع:قوله تعالى: “واستفزز من استطعت منهم بصوتك“.الدليل الخامس:قوله تعالى: “وأنتم سامدون

2– الأدلة من السنة ومدى قوتها سندا ومتنا:
الدليل الأول: حديث المعازف في البخاري وطرقه والكلام عليها رواية ودلالة:
الدليل الثاني:حديث النهي عن الصوتين الفاجرين رواية ودلالة:
الدليل الثالث:أحاديث تحريم اتخاذ القينات وبيعهن رواية ودلالة:
الدليل الرابع:حديث تحريم الكوبة ومدى دلالته:
الدليل الخامس:حديث زمارة الراعي رواية ودلالة:
أدلة حديثية متنوعة:
*حديث اللهو الباطل.
*
حديث النهي عن الغناء والنوح.
*
حديث الغناء ينبت النفاق في القلب.
ثانيا: مذهب المجيزين بشروط:
1- أدلتهم من السنة وآثار الصحابة والتابعين ومن بعدهم:
الدليل الأول: حديث الجاريتين في بيت السيدة عائشة ومدى دلالته.الدليل الثاني:حديث غناء الجاريات في زفاف الربيع بنت معوذ ودلالته.الدليل الثالث:حديث طلب النبي -صلى الله عليه وسلم من عائشة إرسال من يغني فيب عض الأفراح واقتراحه بعض الأبيات.الدليل الرابع:طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من المرأة التي نذرت أن تضرب بالدف عند قدومه أن توفي بنذرها ودلالته.الدليل الخامس:سماع بعض الصحابة للغناء من الجواري في بعض الأفراح وإنكارهم على من انكر عليهم.الدليل السادس:عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- على السيدة عائشة أن تغني لها قينة من القينات.الدليل السابع:فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف.
,وأدلتهم من أقوال وأفعال كبار الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
تعقيبات وملاحظات:
*هل مسالة الغناء بآلة وغيرها من المختلف فيه أم من المجمع عليه؟
*المؤلفات التي تكلمت عن موضوع الغناء إفرادا وضمنا على مر العصور.
*قواعد للتعامل مع هذا النوع من المسائل.
*
مآخذ على المانعين ومنها عنف الحملة على المخالفين من الأئمة الأعلام كابن حزم وابن طاهر والعنبري وإبراهيم بن سعد.
*
تحرير محل النزاع (مهم).
*ضوابط إباحة الغناء وعوارض تعرض له تنقله من الحل إلى الحرمة:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق