الأربعاء، 20 أبريل 2016

مناقشة أدلة من يرى تحريم الغناء والموسيقى

قالوا في الاستدلال بالتحريم:
١- يقول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/6)، قالوا: قال ابن مسعود رضي الله عنه: هو والله الغناء. ولهذا فالغناء حرام لأنه يضل عن سبيل الله.
والتحقيق: لم يرد في أي من قواميس العرب ولا لغتهم أن معنى "لهو الحديث" الغناء، رغم أن البعض قد يرها كوسيلة للهو الحديث. قال الجوهري: اللهو: اللعب. وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: اللهو: ما شغلك من هوى وطرب. وقيل: النكاح، قال إمرؤ القيس:
ألا زعمتْ بسياسة اليوم أنني
كبرتُ وأن لا يُحسن اللهو أمثالي
وقيل: المرأة، وفسروها بقوله تعالي: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء/17). وفي لسان العرب: للَّهْو: ما لَهَوْت به ولَعِبْتَ به وشغَلَك من هوى وطَربٍ ونحوهم، وفيه أيضاً: وقد يكنى باللَّهْوِ عن الجماع. وفي سَجْع للعرب: إذا طلَع الدَّلْوُ أَنْسَلَ العِفْوُ وطلَب اللَّهْوَ الخِلْوُ أَي طلَب الخِلْوُ التزويجَ. واللَّهْوُ: النكاح، ويقال المرأَة. قال ابن عرفة في قوله تعالى: لاهيةً قُلوبُهم؛ أَي مُتشاغِلةً عما يُدْعَوْن إِليه، وهذا من لَها عن الشيء إذا تَشاغل بغيره يَلْهَى؛ ومنه قوله تعالى: فأَنْتَ عنه تلَهَّى أَي تتشاغل، وفيه أيضاً: وقيل: اللهوُ كلُّ ما تُلُهِّيَ به، لَها يَلْهُو لَهْواً والْتَهى وأَلهاه.
ولاشك أن المعازف والطرب والأغاني من اللهو، وكذا الفيس بوك والإنترنت والتلفزيون والمسرح ولعب كرة القدم والورق واللعب مع الأولاد والأهل والأصحاب وصيد السمك .. كل ذلك لهو، وهو يشكل غالبية ما تعمله في يومك. والآية الكريمة عامة تعني أنه من الناس من يشتري أي يدفع ويتعب ويشتري لهو الحديث وذلك بنية الصد عن سبيل الله واتخاذ آيات الله هزواً، فهذا لو عملها بموسيقى أو غناء أو فيس بوك أو محاضرة أو يوتوب أو كتاب أو شيء من ذلك فهو محرم ويؤدي لعذاب مهين. ولا تعني أن من استخدم الغناء والموسيقى فهو في عذاب مهين، وأن من صد عن سبيل الله واتخذ آياته هزواً فله ذلك! كلا، بل أي وسيلة تستخدم بنية الصد عن سبيل الله والاستهزاء بآيته فهي منكرة هنا، ولذا فالآية عامة.
وحتى تعرف معنى كلام ابن مسعود رضي الله عنه فهو من القدماء في الإسلام وشهد نزول الآيات من أوائلها وعليم بها، لهذا روى هنا سبب نزول الآية، حيث كان بعض كفار قريش يتعمدون في شراء الجواري المغنيات ويأتون بهم في أوقات يتلو ابن مسعود القرآن أو يتحدث صحابي في الدعوة ليحولون دون سماعهم. فهؤلاء الكفار الذين يشترون الجواري المغنيات بنية الصد عن سيبيل الله أو اتخاذ آيات الله هزواً فسيؤدي لهم ذلك إلى العذاب المهين. أما شراء الجواري اللاواتي يغنين فلا حرج، وقد فعلها كثير من الصحابة، كما سأذكره في فصل لاحق بإذن الله، ومنهم أمير المؤمين عبدالله بن الزبير رضي الله عنه: قال إمام الحرمين وابن أبي الدم: إن الإثبات من أهل التاريخ نقلوا أنه كان لعبد الله بن الزبير جوار عوادات. وإن ابن عمر دخل عليه فرأى العود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فناوله له فتأمله ابن عمر وقال: هذا ميزان شامي فقال ابن الزبير: توزن به العقول. نيل الأوطار للإمام الشوكاني (8/104) وترتيب المدارك للقاضي عياض (2/134) وإيضاح الدلالات لعبدالغني النابلسي (ص 15) وإبطال دعوى الإجماع للشوكاني (ص1). وسنأتي لها لاحقاً إن شاء الله، ونذكر مصادرها.
ولا يعقل أن يخالف ابن مسعود رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم الذي سمع الغناء والدف وفي بيته ومجتمعه وأمر به في مواقف ذكرناها في الأجزاء الأولى. ولو خالف ابن مسعود، وحاشاه، لردينا قول بن مسعود بقول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أولى بالاتباع والاقتداء. ويكفيك كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأمره لعائشة في زواج قريبتها: "يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو" (رواه البخاري وغيره، وتقدم في الأدلة). فلا يعقل أن يأمر باللهو والله يوعده بالعذاب المهين؟! هذا قلة علم وقلة تأدب في حق النبي صلى الله عليه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق